"ندى المطر"، هو العمل الجديد الذي سيقدّمه الكوريغرافي العراقي المعروف طلعت سماوي تحت مظلة "القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية"، وذلك من إنتاج المسرح الوطني الجزائري ومشاركة ثلاث فنانات عربيات هن حنان من فرقة الموجة الجزائرية، نور الهدى من العراق ورهام إسحاق من فلسطين إلى جانب الفنان روبيرتو سانتي الإيطالي. القادم من السويد سينزل ضيفا يوم الأحد القادم ضيفا على "محي الدين بشطارزي" ضمن منتداه "صدى الأقلام" ليقاسم المهتمين أهم الأفكار التي سيعالجها هذا العرض تعبيريا وجماليا، فاسحا المجال أمام مختلف التساؤلات التي يمكن أن تلامس الأذهان وتفرض نفسها والمتمحورة أساسا حول فن "الكاليوكراف" أوالرقص التعبيري الذي يجنّسه طلعت السماوي تحت عنوان "الرقص الدرامي". ويعدّ هذا النوع من الفنون "فنا تعبيريا يستثمر حركية الجسد وأوضاعه التشكيلية، لينتج لغة حوارية مع الذات والآخر والوجود، في ضوء فرضيات دلالية ترمي إلى موضوعات أومضامين درامية، وقد وظّفه بعض المخرجين التجريبيين على خلفية عروض درامية، بمثابة فواصل تعبيرية بين المشاهد"، لكن السماوي انتهج نهجاً مغايرا فراح يؤسّس لعرض مسرحي يعتمد كليا على الرقص الدرامي الذي ترافقه المؤثرات الصوتية والموسيقية، وقد أسّس لعمله ورشة فنية ومجموعة يطلق عليها "اكيتو" وقدّم أعمالا عديدة في العراق وخارجه. ويعتبر طلعت السماوي أنّ الرقص الدرامي يتّصل بمعطيات الحياة بشكل كبير، لكنّه ليست الحياة كما هي بكلّ تأكيد، وكفن يخضع للعلم والمنهج والتدريب، ولأنّه يرتكز على الجسد والمخيّلة، فهو يلامس العفوية وينحو منحى المألوف من إنتاج الجسد الطبيعي للحركة والحسّ والاستجابات ولكن سرّه الكمين يكمن في أنّه "من السهل الممتنع" أي أن يزاحم الجسد من فضاء أداته الوظيفي التقليدي اليومي، إلى فضاء جمالي منتقى مهذّب وفق علمية محضة ودراسة متقدّمة للإنسان والفضاء المحيط. ويضيف السماوي في إحدى حواراته الإعلامية أنّّ الرقص أقرب الإنتاجات الجسدية للعفوية والطبيعية، ولكنه لا يصبح فنا دالا مثقفا إلاّ إذا ربطناه بالمنهج العلمي، وتابع يقول انّه من المهم أن يمتلك المتدرّب حسا عاليا للموسيقى والإيقاع، ومن ثمة يتطوّر التدريب ليدفع المتدرّب ليمتلك وعيا عاليا بالجسد وإمكاناته، ثمّ وعيا وحسّا بالفضاء المحيط بكلّ موجوداته ولأنّه ليس وحده على الخشبة، فهناك عناصر مكملة تحيط به وتشتغل في نفس الفضاء عليه أن يتناغم معها. ويستطرد صاحب "الهروب إلى الأين" بالقول أنّ الراقص عموما لا ينتهي إلى شيء محدود بعينه، وإنّما يظلّ مجتهدا أوباحثا في ثقافته والثقافات الأخرى مع التدريب المستمر على التقنيات الجسدية المختلفة وفق عملية منهجية واضحة، يمارس ضمن تقاليد اجتماعية أوطقوس شعبية تتّصل بالوعي الجماعي للإنسان في أحزانه ومسرّاته وبطولاته، وفي جانب آخر منه هو نتاج عفوي تمليه انفعالات واستجابات لضغوط ومؤثّرات خارجة عن السيطرة فيكون التعبير عنها تلقائيا دون موجّه أوحتى تدريب أومنهج، وبهذا يكون المجرد مبدعا فطريا لفنون متنوّعة تصبح بالتالي هي التعبير المباشر عن صراعاته النفسية مع الطبيعة ووجوده. وعن التعامل مع الفلكلور والتراث الشعبي يرى السماوي أنّ أخطر ما فيه هو عدم فهم التراث الشعبي بشكل علمي وعدم دراسته ميدانيا وتأريخيا وعدم رصد المتغيّر الذي يطرأ على أشكال ومضامين هذا التراث الهائل، وأضاف أنّ التراث الشعبي بكلّ مستوياته وليس فن الرقص فحسب هو الصدى الذي يأتينا من الماضي حاملا روح الإنسان بكلّ ألوانها، "إنّه أشبه بموج البحر المتلاطم يصلك وأنت على الساحل بتكرارات لا نهاية لها وهذا الموج من البحر العميق الذي هو تاريخيا الموغل في القدم والإبداع والحضارة". واستطاع الفنان طلعت السماوي الذي استقر بالسويد منذ عقدين من الزمن أن يحقّق له حضورا طيبا في مجاله على صعيد التأليف والإخراج والتمثيل، إذ وجد في التعبير الجسدي وسيلة لإيصال ما لم يستطيع إيصاله باللغة، مؤمنا بفكرة التأسيس لثقافة المقاومة، بدأت علاقته بالفن الرابع وهو لم يتعد السنة التاسعة، وبحث في أواخر التسعينات عن أسلوب لتطوير ما تعلّمته في المعهد، وما اكتسبته من خبرة، وبحث عن خصوصية تنطلق من الهوية. قدّم عدّة أعمال وتجارب من بينها "بعد الطوفان" عام 2003، "الهروب إلى أين"، حاول من خلالها إعطاء شيء مميز، ومخاطبة ذكاء المتلقي، لفهم الإشارات ومدلول الرموز التي تقدم على الخشبة، وذلك بالجمع بين النصوص، الجسد، الغناء والصورة، واستعمال مختلف اللغات.