عدل القضايا الجزائية المطعون فيها بالنقض يمثل خمس القضايا المفصول فيهالفت وزير العدل حافظ الأختام، بلقاسم زغماتي، أمس، إلى أن المحكمة العليا تواجه تحدي ارتفاع معدلات الطعون بالنقض التي تؤثر سلبا على جهود تحسين نوعية القرارات القضائية سواء في المادة الجزائية أو المدنية، مؤكدا استعداد قطاعه للاستجابة لكل الاقتراحات التي من شأنها حلها "بما في ذلك مراجعة المنظومة التشريعية ذات الصلة". وقال الوزير، في افتتاح أشغال يوم دراسي حول "تقنيات الطعن بالنقض في المواد الجزائية والمدنية في القانونين الجزائري والفرنسي" أن هناك إشكالية مرتبطة بكثرة عدد الطعون بالنقض في مختلف القضايا. وأضاف في هذا السياق إلى أنه "مهما بلغت درجة احترافية أطراف الخصومة المدنية أو الجزائية في التحكم في تقنيات الطعن بالنقض، تبقى الجهات القضائية العليا ترزح تحت وطء العدد الهائل من الطعون". وكشف السيد زغماتي، عن معدل القضايا الجزائية المطعون فيها بالنقض والذي بلغ خلال الثلاث سنوات الماضية، 20,99 بالمائة أي ما يمثل خمس (1/5) القضايا المفصول فيها، "وهي نسبة عالية تجعل الفصل في القضايا في آجال معقولة أمرا صعب المنال وتقوض كل الجهود لتحسين نوعية القرارات". نفس الوضع تعرفه المادة المدنية، إذ تشير إحصائيات نفس الفترة أن 15,11 بالمائة من القضايا المدنية تم الطعن فيها بالنقض "وهي نسبة عالية أيضا بالنظر للوقت الذي تستغرقه معالجة القضايا المدنية حسب الوزير . وقال السيد زغماتي، أن المحكمة العليا ترفع اليوم أكثر من أي وقت مضى "تحدي" تسيير هذه الأعداد من القضايا والفصل فيها في آجال "معقولة"، مبرزا أن ذلك أصبح اليوم من المبادئ التي يقوم عليها النظام القضائي الجزائري من خلال تكريسه في المادة الأولى من قانون الإجراءات الجزائية والمادة الثالثة من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، بما يضمن هذا المبدأ دون التأثير على نوعية القرارات. ودعا في هذا السياق المشاركين في أشغال اليوم الدراسي لاقتراح التدابير اللازمة للخروج من هذه الوضعية التي تشكل حسبه إحدى موجبات فعالية العدالة ونوعيتها، مضيفا أن المحكمة العليا أو مجلس الدولة هي "آخر مستوى يلجأ له المواطن للاحتماء به وطلب حقوقه أو دفع الظلم عن نفسه، وآخر صمام أمان لحماية المجتمع في إطار القانون بكل ما يحمله من متناقضات، ومن ثمة بناء أسس الدولة الديمقراطية التي يسود فيها القانون". وبخصوص تنظيم اليوم الدراسي أكد السيد زغماتي، على أهميته خاصة أن الأمر يتعلق بتعزيز دور المحكمة العليا ومجلس الدولة بما يضمن تحقيق مبدأ الفصل في الآجال المعقولة وبشكل عام فعالية المنظومة القضائية الوطنية. كما ذكر بأن هذا اللقاء يندرج في إطار التعاون وتبادل الخبرات بين قضاة الجزائروفرنسا، مشيدا بأواصر التعاون التي "تترجم العلاقات الودية بين البلدين ويعززها القرب الجغرافي والإنساني ويدعمها التشابه في الأنظمة القانونية المعمول بها في كلا البلدين". حلول عملية للحد من الطعون بالنّقض من جهته كشف الرئيس الأول للمحكمة العليا عبد الرشيد طبي، في كلمته عن إدراج بعض الحلول العملية للحد نسبيا من الطعون المرتفع عددها في انتظار إقرار آليات تشريعية لترشيد استعمال الطعن بالنقض. وأوضح في هذا الصدد أن "المحكمة العليا بادرت بإيجاد بعض الحلول العملية للحد نسبيا من الطعون التي يكون عدد كبير منها غير مؤسس وأحيانا تعسفيا يهدف فقط لإطالة أمد النزاع حتى صارت المحكمة العليا في اعتقاد الكثير من المتقاضين درجة ثالثة من التقاضي". وأضاف أن المحكمة العليا في الجزائر، على غرار أنظمة قضائية أخرى "تحاول باستمرار التوفيق بين معيارين هما الوقت، ونوعية القرارات"، مشددا على أنها أهداف تعد "محور كل الإصلاحات التي تقوم بها الأنظمة القضائية". وتتمثل أبرز الحلول التي لجأت إليها المحكمة العليا للحد من ارتفاع عدد الطعون بالنقض، في تكثيف العمل بالتشكيلات المصغرة في الفصل في الطعون الجزائية، حيث تتضمن كل تشكيلة 5 أقسام، يتكون كل قسم من 3 أفواج، للنظر في "جدية الطعون" و«عدم جدية الطعون" و«"طعون النيابة العامة". وحسب الرئيس الأول للمحكمة العليا فإن تلك الحلول سمحت بالفصل في جميع ملفات الطعن بالنقض المسجلة سنة 2019، إلى جانب عدم تنظيم معالجة طلبات الاستدراك من خلال إنشاء لجنة مصغرة تتولى الفصل في مدى قابلية هذه الطلبات للتسجيل، قصد عقلنة اللجوء للإستدراك وفقا لثلاثة حالات حددها الاجتهاد القضائي بصرامة وأقرها مكتب المحكمة العليا. كما بادرت المحكمة العليا بضمان توحيد ونشر الاجتهاد القضائي ونشر قرارتها لتكون في متناول الجميع من قضاة ومحامين وجامعيين وحقوقيين، فضلا عن النشر الدوري للمجلة القضائية وإصدار دليل بحث يتضمن جميع مبادئ القرارات المنشورة في المجلة منذ عددها الأول في 2019. في سياق نفس الجهود، رفعت المحكمة العليا للوزارة جملة من الاقتراحات منها حسب المتدخل "نظام يهدف لرفع مستوى الأداء القضائي وتعزيز كفاءة الإطار البشري من خلال تأسيس نظام القاضي المساعد، يسمح بالتحاق قضاة لا تتوفر فيهم شرط الخبرة اللازمة للعمل كمستشار في المحكمة العليا إلى جانب نظام التعاقد مع قضاة متقاعدين. ودعا القاضي المشاركين في اللقاء إلى التركيز على نقطة أساسية بتمعن وتمحص. ويتعلق الأمر حسبه بكون "الطعن بالنقض ليس درجة ثالثة من التقاضي، بل هو طريق من طرق الطعن غير العادية"، موضحا أن المحكمة العليا ملزمة ببذل عناية خاصة من خلال البحث الذي يتطلب متسعا من الوقت خاصة في القضايا التي تتسم بالتعقيد، فضلا عن التركيز على مهمتها الأساسية المتمثلة في السهر على حسن تطبيق الجهات القضائية للقانون. من جهتها أبرزت السيدة شنتال أرنس، الرئيسة الأولى لمحكمة النقض الفرنسية، أنه ضمن علاقات التعاون بين الجزائروفرنسا، يمثل قطاع العدالة فضاء للحوار من أجل تبادل الخبرات والتجارب. وأبرزت أن في مجال الطعن بالنقض يعمل قطاع العدالة في بلادها على تحسين الآداءات من خلال برنامج يتمثل في استحداث لجنة تفكير في آفاق 2030 لإيجاد حلول لتسيير ملفات الطعن بالنقض، لاسيما منها تقنيات تحرير القرارات. كما نوهت السيدة أرنس بمستوى التعاون بين الجزائر وبرنامج دعم قطاع العدالة. للإشارة فقد حضر اليوم الدراسي المنظم بالتعاون مع خبراء فرنسيين ومن الاتحاد الأوروبي مستشار رئيس الجمهورية للشؤون القانونية والقضائية، بوعلام بوعلام. وشارك في اللقاء الذي أشرف عليه الرئيس الأول، والنائب العام لدى المحكمة العليا على التوالي عبد الرشيد طبي وعبد الرحيم مجيد، رئيس الاتحاد الوطني لنقابات المحامين أحمد ساعي، والخبيرة الرئيسية ببرنامج دعم قطاع العدالة في الجزائر، إلى جانب عدد من قضاة المحكمة العليا ومجلس الدولة ومحامين وإطارات سامية من الجزائر، وكذا قضاة ومحامين من فرنسا عبر تقنية التحاضر المرئي عن بعد.