لم يتغيب إسماعيل (60سنة) الخباز منذ 1962 عن أي موعد انتخابي وذلك منذ أن نالت البلاد استقلالها وسيادتها. وليكون في الموعد في الانتخابات الرئاسية ليوم الخميس 9 أفريل لم يتردد هذا المواطن في الإصرار على قطع 150 كلم التي تفصله بين قسنطينة وقريته الجبلية بولاية جيجل. وقبل طلبه يوما للراحة أو ليلة وافق إسماعيل البوح ل"وأج" بشهادته بخصوص المواعيد الانتخابية الماضية وإحساسه بمدى أهمية الاقتراع الرئاسي لأفريل 2009 فضلا عن بعض المحطات الراسخة في حياته. وقال إسماعيل في هذا السياق إن "حرفة الخباز تعد تقليدا راسخا وسط عائلتي منذ أجيال متعاقبة حيث بدأتها كممتهن منذ الاستقلال مع تغيير المدن حسب الظروف" قبل أن يضيف أنه "يبقى جد مرتبط وبشكل دائم بالقرية مسقط رأسه حيث تواصل عائلته القيام بنشاطاتها الفلاحية وبخاصة زراعة الزيتون وهي القرية التي ظل دائما يدلي بأحد مكاتبها بصوته في مختلف المواعيد الانتخابية". فهذا الخباز ذو القامة الطويلة (85ر1 م) لم تكن له الفرصة طيلة حياته كعامل أن يتعلم سوى قراءة وكتابة متواضعتين عندما كان بالمدرسة القرآنية بقريته. لكن بفضوله الكبير وفطنته استطاع إسماعيل أن يتحصل على قسط ولو متواضع من الثقافة وذلك بفضل قراءته المنتظمة للجرائد فضلا عن اهتمامه بتاريخ الحركة الوطنية وثورة التحرير التي لعبت فيها عائلته دورا يشهد لها به. وأضاف يقول: "بدأت التصويت في سن ال18 وتحديدا العام 1967 بمناسبة أول انتخابات محلية تنظم في تاريخ الجزائر المستقلة" متذكرا أنه عندما كان طفلا تأثر إسماعيل كثيرا ب"الحماس الفياض" للشعب الجزائري خلال استفتاء 8 أفريل 1962 من أجل الاستقلال. وما يزال إسماعيل يتذكر الحشود البشرية التي غصت بها مكاتب التصويت آنذاك مضيفا في هذا السياق أن "الجزائريين هبوا لمكاتب التصويت للقول نعم للجزائر المستقلة" وهي نفس صور الجماهير الغفيرة المتحمسة والمصرة التي تظاهرت في 11 ديسمبر 1960 من أجل تزكية الحرية تحت شعار "الجزائر مسلمة". ولعل ذلك ما جعل إسماعيل يولي نفس الاهتمام لكل موعد انتخابي تشهده البلاد قائلا في هذا الصدد "لا أفهم إهمال الذهاب للتصويت فهو العملية التي نؤكد من خلالها انتماءنا للجزائر وعلى مواطنتنا وإصرارنا على العمل من أجل أمتنا ولأولادنا ولمستقبل بلادنا". واعتبر أن تصويت 8 أفريل 1962 "على غرار 9 أفريل 2009 لا بد أن يشكل نفس الفعل الذي يبرهن من خلاله الجزائريون على مدى ارتباطهم ببلدهم مهما كانت الظروف" بالنظر -كما أضاف- إلى أن "التصويت بنعم للاستقلال كان صرخة من الجزائريين التواقين دائما للتقدم والرقي ولعدالة أكثر". ويعتز الخباز إسماعيل المولع بالتاريخ وبالثقافة السياسية بانتمائه إلى فئة مهنية كان لها دائما دور في الحركة الوطنية وفي الكفاح من أجل الاستقلال. وأكد في هذا السياق أن "الحرفيين بصفة عامة والخبازين بشكل خاص كانوا معروفين بانخراطهم في الحركة الوطنية والكفاح من أجل الاستقلال"، قبل أن يضيف "أنظروا إلى ديدوش مراد رمز البطولة والتضحية في سبيل الوطن انحدر من عائلة كانت تستغل مخبزة بخنشلة وكذا الشهيد عباس لغرور الذي كان ينظم في الخمسينيات اجتماعات سرية بإحدى المخابز على غرار أريس بولاية باتنة في الأربعينيات حيث كان بعض المناضلين ينشطون بسرية بداخل إحدى المخابز". ويعتبر إسماعيل الاستحقاقات الانتخابية "مقياس حقيقي لمدى النضج والتشبع بالوطنية والديمقراطية" مضيفا أنها -أي الانتخابات- تعبر كذلك عن "درجة وعي شعب ما" و"قدرته في تعزيز وتقوية الالتفاف والتوافق حول دولة قانون قوية قادرة دائما على ضمان السلم والأمن للأشخاص والممتلكات إلى جانب العناية بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية". وأضاف إسماعيل يبوح ل"وأج" أن تجربته المتواضعة في مجال السياسة الوطنية "جعلته يفهم أننا لن ندرك قيمة للانتخابات في نظر الأطفال والشباب بالنظر إلى أنها "أي الانتخابات" تعد مدرسة حقيقية للمواطنة والروح الوطنية وأنه من خلال التوجه إلى صناديق الاقتراع ندرك أن التصويت وسيلة سلمية ومتحضرة للتعبير عن الاختيارات". وهو يظهر عديد بطاقاته كناخب التي ما يزال يحتفظ بها منذ العام 1967 اعتبر إسماعيل أن "بحوزته ملخصا عن تاريخنا المعاصر" لأنه كما قال- في جميع الظروف أدليت بصوتي بنفس القناعة كمواطن جزائري كما أنني لن أفوت الفرصة هذه المرة لأدائي هذا الواجب". ولأجل ذلك يأخذ إسماعيل عطلة لتحضير سفره الذي أصبح منذ مدة تقليدا راسخا في حياته كمواطن ناخب معتبرا وبقناعة تامة أن "جميع المواعيد الانتخابية تشكل مواصلة الاستفتاء حول استقلال الجزائر وبعد 8 أفريل سيكون 9 أفريل". وهو يتأهب لركوب حافلة تعمل على خط قسنطينة-جيجل ختم إسماعيل قوله: "حياتي مقسمة بين تحضير الخبز وإنتاج زيت الزيتون وهما رمزان الأول للرفاه والرخاء والآخر للسلم وسأصوت دائما لأجل وطني". (وأج)