هي أربعة مبادئ تقوم عليها منظمة قرية الأطفال العالمية التي تضم في عضويتها 470 قرية، والمتواجدة عبر 132 دولة بما فيما الجزائر: لا وجود لقرية أطفال من دون الأم التي تعتبر المحور الأول لتشكيل العائلة بالقرية، إلى جانب الإخوة والأخوات، وهو المبدأ الثاني الذي على أساسه تتشكل الأسرة التي تمنح للأطفال الشعور بالدفء العائلي، بعدها تأتي "دور الشباب" الكائنة بالقرية والتي يتم فيها فصل الذكور عن الإناث عند بلوغ سن معينة، لتأتي القرية في آخر المطاف والتي تعد بمثابة الحي الذي تجتمع به كل العائلات المكونة للقرية. تعود نشأة منظمة قرية الأطفال العالمية التي تعنى بحماية كل طفل معرض لخطر ما أو يتيم أومشرد إلى الدكتور النمساوي "هيرمان غماينر"، فبعد مشاهدته لحال الأطفال وما لحق بهم من ضياع وتشرد عقب الحرب العالمية الثانية ، ولأنه عاش حياة اليتم نتيجة للحرب العالمية الأولى وكبر محروما من الحنان الأسري، رأى أن ما ينبغي القيام به لحماية هؤلاء الأطفال هو إنشاء جو عائلي يعيشون به في شكل أسرة مثل الإخوة والأخوات، فنشأت بذلك أول قرية للأطفال بالنمسا هي قرية أيمي، أما بالجزائر وبعد زلزال الأصنام الذي ضرب الجزائر سنة 1980 قامت المنظمة العالمية بتمويل الجزائر من أجل إنشاء قرية تعنى بالتكفل بضحايا الزلزال من الأطفال، وفي سنة 1982 أمضت الجزائر الاتفاقية التي بموجبها قبلت إنشاء قرية للأطفال بمقايس المنظمة العالمية، ليتم بناء قرية درارية عام 1992، وتبدأ في استقبال الأطفال اليتامى والمهملين من ذويهم، وفي سنة 2005 أمضت الجزائر على الملحقة التي تعترف بتطبيق النظام العائلي الجزائري داخل القرية، كما تم الاعتراف أيضا بمهنة الأم بالقرية. تضم قرية درارية لحماية الطفولة 150 طفلا موزعين عبر عشرة بيوت عائلية وأربعة بيوت في طور الانجاز، تتكون من خمس غرف تعيش بها الأم وأطفال يتراوح عددهم بين ستة إلى تسعة أولاد، باعتبار أن العائلات الجزائرية تقوم على كثرة العدد، كما تضم القرية خمس دور للشباب، روضة أطفال تعنى بالتكفل بالأطفال دون سن التمدرس من الذين تستقبلهم القرية والذين بلغ عددهم 20 طفلا، وتستقبل الروضة كذلك أطفالا من خارج القرية بلغ عددهم 40 طفلا، توجه اشتراكاتهم الرمزية لدعم القرية، إلى جانب ورشة للأشغال اليدوية. مبادئ مهمة لقيام قرية الطفولة المسعفة لأن دور الأم صعب لما فيه من مسؤوليات، ولأن الأطفال الذين تستقبلهم القرية في أمس الحاجة لمن يفهمهم ويعوضهم الحنان المفقود، فإن إدارة القرية تتحرى الحرص الكبير عند اختيار من تقوم بدور الأم إذ ينبغي لها أن تتمتع بمستوى تعليمي معين، وأن يزيد عمرها عن 30 سنة، كما يشترط فيها أن تكون معفاة من أي مسؤولية، لأن دور الأم يتطلب منها أن تظل إلى جانب الأطفال على مدار الساعة كأي أم طبيعية بالبيت، إلى جانب ذلك تخضع الأم لتربص يدوم عامين، حيث توصف خلال فترة التربص بالخالة، وبعد انتهاء فترة التربص يتم اختيار هذه الأم التي تجد نفسها أمام مجموعة من الأطفال من أعمار مختلفة تتلزم بلعب دور الأم الحقيقية معهم. تمنح لها إدارة القرية ميزانية معينة على أساسها تدير شؤون "بيتها" وتلبي بها احتياجات "أولادها"، وكأي أم يمكن لها أن تغيب عن البيت لسبب ما كالمرض أو لزيارة الأهل، في هذه الحالة تمنح لها إدارة القرية يوما واحدا وتحل محلها الخالة حتى لا يظل الأطفال بمفردهم. كما تأخذ إدارة القرية في الاعتبار إمكانية زواج هذه الأم، ففي هذه الحالة يتم تهيئة الأطفال نفسيا حتى لا يتعرضون لصدمة نفسية عند مغادرة أمهم وتعوض بأم أخرى هي الخالة التي سبق لهم وأن تعودوا عليها، يظهر أن للام بالقرية دور كبير في صنع الجو العائلي ومنح الأطفال الحنان والحب الأسري من خلال التقرب منهم والتواصل معهم والوقوف إلى جانبهم كأي أم طبيعية تربي أبناءها. تجولنا بأحد المنازل بالقرية حيث استضافتنا الأم فاطمة (39 سنة)، والتي تعمل بالقرية منذ أربع سنوات تقول: "لدي أربع إناث وأربعة ذكور هم أولادي بالقرية، أحرص على متابعة كل ما يتعلق بأمورهم اليومية، أتابع تعليمهم، أقاسمهم همومهم وانشغالاتهم كما تفعل أية أم عادية" وعن المهنة أضافت "هي مهنة صعبة خاصة للتي لم يسبق لها أن كانت أما، فالأمومة شيء مقدس والشعور به إحساس نبيل، ولكني لا أخفي عليكم أنه إن حدث وتزوجت أشك أني سأحب أولادي مثلما أحب أولاد القرية". مرحلة البلوغ والانتقال من المحيط الأسري عند بلوغ الأطفال سن المراهقة تبدأ المرحلة الثانية التي ينتقل فيها الأطفال من الجو الأسري وحياة الأخوة رفقة والدتهم ليتم فصلهم عن بعضهم البعض، حيث ينتقل الذكور للعيش في بيوت تسمى بيوت الشباب الموجودة داخل القرية، في حين تنتقل البنات للعيش في بيوت الإناث، خلال هذه المرحلة يشرف عليهم ما يسمى بالأخ الأكبر والأخت الكبرى، وهما عبارة عن مربين متخصصين، حيث يدخلون مرحلة جديدة من التواصل يتولى فيها المربي المتخصص مهمة الإجابة عن بعض الأسئلة التي تواجه المراهقين في هذه المرحلة الحرجة من العمر، ففي هذه المرحلة بالذات يكون التواصل كبيرا معهم لما يعرف عنها من خطورة ولتجنب وقوعهم في أخطاء، وينبغي التنبيه أيضا إلى أن الاتصال مع أمهم يظل قائما باعتبار أنها الاكثر معرفة بشخصية الطفل. ونبه مدير القرية لنقطة مهمة أثناء تجولنا بالقرية، وهي عزوف العائلات الجزائرية عن التكفل بالأطفال في سن المراهقة بسبب خوفهم من هذه المرحلة، حيث يفقدون السيطرة على الأطفال على الرغم من أنه سبق لهم وكونوا علاقات صداقة معهم بحكم الزيارات المتكررة للقرية، وأمام هذا يتراجعون عن الكفالة ويرغبون في إرجاع الأطفال، وعوض تفهمهم والوقوف إلى جنبهم يتم التخلي عنهم، وهو ما يزيد الأمور سوءا، لذا باتت القرية تتجنب منح المراهقين للعائلات ولو لفترة وجيزة كالعطل الصيفية بسبب المشاكل التي نتجت عن ذلك. ماذا بعد سن المراهقة يسأل الكثير من الذين يجهلون نظام سير قرية الأطفال بالدرارية عن مصير الأطفال عقب بلوغهم سن 18 سنة، وهي السن التي يغادرون فيها القرية ليواجهوا الحياة، خاصة وأن الواقع أثبت أن العديد من البنات والذكور انحرفوا وتشردوا لاصطدامهم بنظرة المجتمع القاهرة وعدم قدرتهم على الاندماج؟. النظام الذي اعتمدته القرية والذي يقوم على الاعتناء بالطفل على المدى الطويل، جعل هذا الطفل محميا حتى بعد خروجه من القرية، حيث تقوم إدارة القرية بكراء شقق تسمى بالشقق المؤطرة، يقيم فيها مرب متخصص تابع للقرية الذي يحرص على متابعة ومساعدة هؤلاء الشباب، إلى أن يتسنى لهم الاعتماد على أنفسهم، إذ ينبغي التنبيه إلى أن نظام القرية يقوم على قاعدة مفادها أنه لا بد لكل طفل بالقرية أن يكون له مستقبل واضح، فإن لم يتفوق في مشواره الدراسي، يتم تعليمه حرفة أو صنعة معينة، وقد أثبتت الواقع مدى فعالية هذا النوع من التكفل في تمكين الشباب والشابات من المضي قدما والنجاح في حياتهم، فمثلا شهدت القرية منذ تأسيسها تزويج فتاتين وشاب ينعمون بحياة زوجية سعيدة، كما تخرج من القرية صحافيون ومترجمون وحتى رياضيون، فيما يستعد لهذه السنة خمس طلاب لاجتياز شهادة البكالوريا، وبالتالي فإن الهدف الأول والأساسي للقرية هو مساعدة هذه الشريحة من المجتمع ليكونوا فاعلين بالمجتمع. التكفل ب 300 طفل معرض للإهمال العائلي ترى السيدة سعيدة حركوك أخصائية نفسية بقرية الأطفال أن التكفل النفسي المبكر للأطفال الذين يقصدون القرية ضروري لتجنب الوقوع في تعقيدات بالمستقبل، حيث تقول "بمجرد أن يوجه إلينا طلب من قاضي الأحداث لاستقبال طفل ما فإن أول ما نقوم به هو إخضاعه لما يسمى بالتخطيط لمتابعة تطور نموه، حيث يوجه إلى طبيب نفسي خارج القرية لمعرفة حالته الصحية والنفسية، بعدها يعد له ملف حول كل ما يخص جانبه النفسي والصحي، وعلى أساسه تحدد إدارة القرية طريقة التكفل به من خلال تغطية النقائص التي يعانيها سواء على المستوى النفسي أوالتربوي أوالصحي". "وعلى العموم تضيف المتحدثة فإن نقص التركيز والحركة المفرطة هي من أكثر الأمراض النفسية التي تظهر على سلوكيات الأطفال عند دخولهم إلى القرية، أما بالنسبة لمرحلة المراهقة فهو تكفل من نوع آخر، لما يعرف عن هذه المرحلة من مخاطر يلعب فيها المربي دورا كبيرا بما في ذلك الأم من خلال التدخل لمساعدة الشاب أوالشابة لاجتياز هذه المرحلة". من جهة أخرى تشير الأخصائية النفسانية إلى أن دور القرية لا يقتصر على مجرد استقبال الأطفال والتكفل بهم، بل تقوم القرية بدور كبير في البحث عن عائلاتهم، حيث تمكنت القرية من إعادة 60 بالمئة من الأطفال إلى آبائهم البيولوجيين، كما تجتهد اليوم في مساعدة العائلات المعوزة بما لديها من إمكانيات حتى لا تقوم بإهمال أولادها أوالتخلي عنهم، لأن إدارة القرية تدرك جيدا أن المكان الأفضل للطفل هو حضن عائلته، وفي هذا الخصوص تكشف المتحدثة "أن إدارة القرية تسعى لحماية 300 طفل معرض للإهمال العائلي في أربع ولايات من الوطن وهي العاصمة، بومرداس، تيزي وزو، وتيبازة، وذلك من خلال العمل بالتنسيق مع البلديات والجمعيات لتقديم إعانات مادية أومساعدتهم على القيام ببعض المشاريع المصغرة للاسترزاق، وكل ذلك حتى يعيش الطفل محميا في أسرته. أربعة منازل جديدة لتغطية الطلبات المرتفعة على القرية استقبلت قرية الطفولة بالدرارية سنة 2008 سبعة أطفال، في حين تم استقبال طفل واحد سنة 2009، فالقرية تستقبل الأطفال بناء على أمر من قاضي الأحداث، وتستجيب إدارة القرية للأمر إن كان هناك مكان شاغر، لأن طاقة استيعاب القرية محدودة. وعلى العموم فإنه بإنجاز الأربعة منازل الجديدة ترتفع طاقة استيعاب القرية لتصل إلى 200 طفل. من جهته يؤكد المكلف بالإعلام السيد أمين بوزهري أنه رغم الجهود التي تبذلها القرية في سبيل إبقاء الطفل في محيطه الأسري إلا أن ما لوحظ بالسنوات الأخيرة "أن هناك زيادة في طلبات الالتحاق بالقرية، فقاضي الأحداث بات ينتزع الأولاد من ذويهم ويرسلهم إلى القرية كون محيطهم الأسري أضحى يشكل خطرا كبيرا على سلامتهم الجسدية أوالنفسية، ومرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى غياب لغة الحوار بين أفراد الأسرة، ناهيك عن المشاكل الاجتماعية والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المجتمع، والتي تدفع بالعائلات إلى إهمال أولادهم أو التخلي عنهم". وعن آفاق المنظمة العالمية للطفولة يضيف "إنها تسعى في مطلع سنة 2016 إلى التكفل بحوالي مليون طفل بالعالم من خلال الاعتماد على برنامج تدعيم العائلات".