برزت، في الآونة الأخيرة بالعاصمة، ظاهرة طغت بشكل كبير على الصورة اليومية للمتجول في شوارعها، وهي ظاهرة التسول؛ حيث أصبحت أصوات النساء والرجال وحتى بكاء الأطفال تستعطف المارة باستعمال جمل تدعو إلى الرأفة وطلب المساعدة؛ "عاونوني يا خاوتي"، "وليدي جيعان"، "راني محتاجة"، وغيرها من المصطلحات التي يكون رد فعل الجزائري فيها معروفا، لكونه يقدم المساعدة إذا استطاع مباشرة لدى استعطافه... هي الظاهرة التي فرضها الوضع، غير أن الكثير من المواطنين استهجنوها، وأدرجوها ضمن خانة الاحتيال مع وصفها ب "امتهان للربح السريع". تحدثت "المساء" إلى المختص الاجتماعي نصر الدين عبيدي، حيال ظاهرة التسول، فأشار إلى أن الظاهرة برزت في مختلف المجتمعات، إلا أن حدتها تختلف من دولة لأخرى، وما تعكسه تلك الظاهرة على المجتمعات، جعلت الحكومات تضع قوانين رادعة لمحاولة الحد من انتشارها، أو بالأحرى التخفيف من وقعها ومنع "الاتجار بها"، أو استعطاف الناس بدافع الجشع فقط بدون الحاجة إلى ذلك، أو استغلال الأطفال في تلك الأعمال. وأضاف أنه في وقت غير بعيد لم يكن التسول في الجزائر أمرا مألوفا، فالمعروف أن الناس في هذا البلد يتعففون بفضل عزة أنفسهم وعدم مد أياديهم، وكانوا يعملون في مختلف الحرف، لكسب قوّتهم يوما بيوم، مبدؤهم "الكفاف والعفاف"، مستطردا في هذا السياق: "إلا أنه في الآونة الأخيرة يبدو أن الذهنيات تغيرت، أو الحاجة الخانقة هي التي غيرت ذلك الواقع، وخلقت ظاهرة التسول في الشوارع، لتجد، أحيانا، نفس الأشخاص وبشكل يومي، في ذات الأماكن؛ وكأنها أصبحت مملكة للتسول". إن المستهجن في ذلك، يضيف المختص، "ليست الحاجة أو التسول كفعل في حد ذاته؛ لأنه أمر موجود، وهو واقع محزن، ولا بد من التعاطف مع الفقير، هذا ما يوصي به ديننا الحنيف، لكن "الطامة الكبرى" يقول عبيدي، هي "الاحتيال من خلال التسول، أو مد اليد بالرغم من إمكانية العمل، وهذا ما بات يبرز في مجتمعنا، خصوصا في السنوات القليلة الأخيرة، ليشتد منذ بداية الأزمة الصحية لأزمة كوفيد 19". وأضاف المتحدث أن المتجول في الشوارع والمحلات الكبرى، والذي يركب وسائل النقل العمومي، يلاحظ بصفة يومية بدون مبالغة، تلك الصور، من الجنسين ومن أجناس وفئات عمرية مختلفة؛ الأمر الذي يستدعي تدخل الجهات المسؤولة لتوقيف انتشار الظاهرة، لاسيما ردع هؤلاء الذين يخرقون القانون، خصوصا الأشخاص الذين يتسولون بالأطفال والرضع. وأضاف أن أكثر ما شجع ظاهرة التسول، تعاطف الناس مع المتسولين؛ الأمر الذي رآى فيه البعض فرصة لمد اليد بدون الحاجة إلى ذلك، والدليل على ذلك ما نشهده اليوم من شباب في مقتبل العمر وشابات، يتسولون على حواف الطرقات رغم أن صحتهم تسمح لهم بالعمل، وهذا ما يرفضه المجتمع، مضيفا أن الاستعانة بأطفال رضّع داخل محطات التراموي وفي الاسواق، هي الأخرى ظاهرة مستهجنة، خرقت كل القوانين بما فيها القوانين الإنسانية. وأضاف أن بعض الأساليب وكثرة التحايل أفقدت الثقة في بعض الذين لا يفرقون بين المحتاج والمحتال، وبالتالي فقدوا النية في البعض، وامتنع الكثيرون عن توجيه صدقاتهم في الشارع، بل يفضلون أقرب الناس إليهم حاجة.