ذكر الأستاذ بلال سكر أن التسول ظاهرة اجتماعية ذات بعد عالمي لم تسلم منها حتى الدول المتقدمة مع اختلاف مظاهرها من بلد لآخر ، و يمكننا توصيف التسول بأنه فعل قائم أساسا على التطفل على الآخرين من أجل الحصول على مقابل و يستعمل في هذا أساليب عديدة دون بذل الجهد إلا بإطالة الجلوس في وضعية مهينة و الحرص على الظهور بصورة مزرية بارتداء الرث من الثياب و ترديد عبارات الاستجداء و طلب المساعدة لكسب تعاطف المارة و الحصول على المقابل في نهاية المطاف . و قد يظهر التسول أنه فعل بسيط لا يحتاج إلى تدبير أو تخطيط بينما يشير الواقع إلى عكس ذلك تماما فالأمر يحتاج إلى الكثير من المهارات التي أتقنها ممارسو هذا الفعل و يبدأ الأمر باختيار المكان و الزمان المناسبين كالشوارع المزدحمة ، الأسواق ، وسائل النقل،المقابر،أبواب المساجد ، أما التوقيت فيكون في ساعات الذروة و توافد المارة ،أسبوعيا مثلا بعد صلاة الجمعة أو اختيار المناسبات كرمضان و الأعياد و هذا ما يفسر كثرة المتسولين مع حلول المناسبات الدينية خاصة و فوق كل هذا منهم من يمارس الأمر كأي موظف يعمل بدوام كامل طيلة أيام الأسبوع. و يمكن ملاحظة أن السواد الأعظم من المتسولين نسوة من مختلف الأعمار بدون أو مع طفل أو رضيع و ذلك من أجل أن تكتمل الصورة البائسة لأسرة منهكة و محطمة لا معيل لها تثير الشفقة و تدفع المارة إلى التعاطف و الإحسان و بالتالي الحصول على المال و قد يكون الأمر مجرد إدعاء و استغلال بشع لبراءة طفل مكانه دفء البيت أو مقعد قسم دراسي. وجه آخر من أوجه الاحتيال و التطفل صور نمطية أخرى اعتدنا عليها ، كمتسول يحمل وصفة دواء و آخر يحمل بخاخا خاصا بداء الربو و لا يمكنه إقتناء الدواء ،هي صور عديدة ربما لا يمكن حصرها حتى لكنها تصب كلها في الاستعطاف و جني المال. كما تدفع روح العصر المجتمعات إلى التغيير و التطوير و التحديث ، و لم يفوت ممارسو التسول هذا فمع انتشار استعمال شبكات التواصل الاجتماعي برزت ظاهرة جديدة يمكن وصفها بالتسول الإلكتروني،صور استعطاف لمرضى أو ذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة إلى عمليات جراحية،أو أحدهم بحاجة إلى دواء ،هي نداءات استغاثة و نداءات لجمع التبرعات و نداءات لجمع أكبر عدد من المحسنين،إلى هنا الأمر عادي فحاجة أحدهم إلى المال أمر وارد،لكن هناك من يستغل هذا من باب الاحتيال خصوصا أن بعض النداءات يستحيل تأكيد صحتها من عدمها. و المتتبع لظاهرة التسول يجد ثلاث صنوف:الصنف الأول مدفوع بسبب الحاجة و الفاقة و الصنف الثاني هم متسولون يتخذون من الأمر مهنة و مكسبا للرزق دون الحاجة الحقيقية لذلك و هذا باب من أبواب الاحتيال الصنف الثالث و هو الصنف الأخطر و هو ما يندرج في الشبكات الإجرامية التي تعمل على استغلال الرضع و الأطفال و النساء و ذوو الاحتياجات الخاصة على حد سواء. و للظاهرة عدة أسباب منها الحروب و موجات النزوح المرافقة لها و جو اللا أمن افي بعض بلدان العالم إضافة إلى أسباب اقتصادية كالفقر و البطالة و سوء الحالة المعيشية ، وفقدان المعيل ،و قد يتعلق الأمر بعلة في الفرد نفسه كالكسل و حب الربح السريع و انتكاس في الأخلاق و القيم ،فمحترف التسول المحتال لا يرى أن فعله فعل مشين ، بل يكسبه معنى آخر يتمثل في تفوقه على الآخرين بل يعطي فعله معنى آخر و هو النجاح ، ففي نظره القاصر هو فرد ناجح في جني المال كما أن آثار التسول وخيمة على الفرد و المجتمع،ربما ما نلحظه هو تلك الصورة القبيحة التي ترسم لكل مكان حلوا فيه ،لكن اكثر من هذا هو هدر للإنسان،هدر للطاقات التي تبقى معطلة،هدر للأطفال الذين يرمون الى الشوارع لتبتلعهم و تبدأ مع كل طفل حكاية جديدة من الإجرام و الانحراف ، هدر لقيمة العمل الحقيقية و اعتناق واضح لسبل الكسب غير المشروع،لدى وجب دق ناقوس الخطر،و الإسراع أكثر من أي وقت مضى في التعامل مع الظاهرة ،كل حسب مسؤوليته وهنا نقصد مؤسسات الدولة و فعاليات المجتمع المدني،المناهج الدراسية،المساجد،الاعلاميون....كل حسب دوره و قدرته،و يبقى آخر العلاج "الكي"،و المقصود به هنا الجانب الردعي الذي يعتبر آخر محطة بعد تفعيل كل ما سبقه.