تستغل فقر العائلات لتدخلهم عالم التسول تحوّل الأطفال الفقراء والمتسولون إلى سلعة رخيصة بين أيدي بعض الأفراد من خلال استغلالهم في أنشطة الحملة عبر ولاية الشلف، فمنذ بداية حملة الانتخابات الرئاسية 2014، لاحظ أعضاء المكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف، خلال تجوالهم الميداني في عدة شوارع مدينة الشلف، تنس، الشطية، بوقادير، أن هذه المدن تعاني كذلك من استغلال الأطفال في الحملة الانتخابية، وذلك عن طريق تواجدهم في التجمعات أو إلصاق صور المترشحين على جدران وعلى لوحات إشهارية خاصة موجهة لأغراض تجارية وذلك بإغرائهم بأسهل الأساليب وأرخص التكاليف، حيث عمدوا إلى استغلال الأطفال من أبناء العائلات المحتاجة، فيشغلونهم مقابل دنانير معدودة.. س. بوحامد/ق. م ندد مكتب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان على لسان رئيسه السيد هواري قدور، باستغلال الأطفال في الحملة الانتخابية بهذا الشكل، حيث اعتبرته انتهاكا وخرقا للنصوص والقوانين الجزائرية والاتفاقيات الدولية، التي تحرم استغلال الأطفال في العمل السياسي. وحسب بيان المكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف، والذي تحصلت (أخبار اليوم) على نسخة منه، فإن المعاناة اليومية لهذه الفئة الصامتة جعلت أعضاء المكتب يتحركون ميدانيا لرصد هذه التجارب اليومية المريرة،، فعمدوا للبحث عن فئة المتسولين وخاصة الأطفال، والذين حسب تعبيرهم هم متسولو زمن الانتخابات، وهذا ما أكدته الكثير من المشاهد التي رصدها الناشطون والتي خلقت في أنفسهم الحزن والأسى لسوء الحال الذي وصلت إليه الشلف.. وهذه الفئة من الأطفال لا يكتفون بسؤال أصحاب السيارات الخاصة أو المشاة الذين تبدو على محياهم النعمة والجاه، بل يلحقون حتى المواطنين البسطاء الذين يستحقون الصدقة أكثر منهم، ما إن يتوقف السائقون على إشارة المرور نظرا لاختناق السير وهي وقفة طويلة بطبيعة الحال في وسط مدينة الشلف حتى يتوافد المتسولون والمتسولات، وعبر النوافذ يطلبون من الركاب المساعدة والإحسان.. ففي كل خمس خطوات عبر مدينة الشلف تصادف متسولا يمد لك يده يستعطفك بالله وبأقرب الناس إلى قلبك أن تمد له بعض المال لأنه مريض تارة ولأنها أرملة تارة أخرى ولأنه شيخ كبير أو طفل صغير مسؤول عن إعالة عائلته، أينما وليت وجهك، في الشوارع، المقاهي، المطاعم، محطات الحافلات، لا تكاد تقنع متسولا أنك لا تقل بؤساً عنه حتى يأتيك آخر. وحسب المختصين في علم الاجتماع تعتبر ظاهرة تسول الأطفال في الجزائر من الظواهر الاجتماعية السلبية، رغم تصاعدها غير المسبوق في السنوات الأخيرة، وتحصي الجزائر ما بين 20 و25 ألف طفل متشرد على مستوى الوطن، 35 بالمائة منهم يُستعملون في التسوّل لجني الأموال لغيرهم، حيث عدد كبير من الاشخاص الذين يقومون بالتسول عن طريق توظيف واستغلال هذه الفئة من الأطفال والرضع التى تٌستعمل لكسب شفقة واستعطاف المارة وتصاعد مخاطرها بالتبعية على كافة الأصعدة.. انتشار غير مسبوق للتسول الظروف التي يعيشها الطفل في محيطه سواء كانت مادية أو اجتماعية أو ثقافية وحتى سياسية، لها علاقة مباشرة بمدى استغلال الطفل في سن مبكرة، أي بمعنى أنه كلما ساءت ظروفه سهل استغلاله، ومن بين أهم الأسباب ظاهرة تسول الأطفال التي يراها المكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف، نجد الوضع الاقتصادي السيئ الذي فرض على العديد من العائلات في المجتمع الجزائري، والتي أدت إلى عدم قدرة الأسرة على تلبية احتياجات الأولاد، وبالتالي نشوء المشاكل الاجتماعية المترتبة على الطلاق والإهمال أو غياب أو وفاة الوالدين وسوء المعاملة، تقلص ثقافة التضامن والتكافل بين أفراد المجتمع الجزائري، مع تزايد مخيف لعدد الأمهات العازبات، بالإضافة إلى التسرب المدرسي، وقد يكون التعود على التسول دافعا آخر لاحتراف هذا العالم المظلم.. استطاعت الدراسة الميدانية التي قام بها المكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف، الكشف عن خبايا عالم التسول واستغلال الأطفال في هذه الولاية، من خلال تسليطها الضوء على عدة زوايا لتفشٍِ غير مسبوق لظاهرة استغلال الأطفال والرضع في التسول من طرف شبكات تستهدف سرقة جيوب المواطنين بتوظيف البراءة في استعطاف المواطنين في المساجد والمقابر والشوارع، ما تعكسه من مشاهد وصور تنذر بخطر كبير يحدق بالمجتمع علها تجد طريقاً إلى صنّاع القرار أملاً في أن يتخذوا القرارات الصائبة تجاه مثل هذه الظاهرة بما يحفظ على أطفال كرامتهم وشرفهم. سجل الناشطون الحقوقيون الذي قاموا بهذا التحقيق، استياء واسعاً في أوساط المواطنين من تزايد هذه الظاهرة في ظل سكوت الجهات المعنية عنها، حيث عبّر عدد من المواطنين عن حزنهم لما يشاهدونه من صور مؤلمة ومواقف يندى لها الجبين تتعرض لها المتسولات، محملين الدولة مسؤولية رعاية المرأة الفقيرة وأطفالها بمراكز الأمومة، ولذلك يجب رعايتهن والمحافظة عليهن لا أن نرميهن في الطرقات، والترخيص لها استثناء عن طريق قانون العقوبات الجديد، حيث يعتبر ذلك تشجيعا وتقنينا وتحصينا للتسول واعتداء على براءة الطفل واستغلاله على حساب صحته وأخلاقه ودراسته ومستقبله، كما عبروا عن استنكارهم الشديد لصمت الحكومة حيال ذلك. وللإشارة فقد سجل المكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف في جولة خاطفة عبر بعض البلديات(05 بلديات) وليس جل البلديات إلى إحصاء ما لا يقل عن 195 حالة تسول للأطفال، وتمخض عن عملية الإحصاء تعداد 107 من ضمن هذه الحالات من نساء تبين أنهن يستعملن أولادهن وهم في معظم الأحيان أطفال صغار وحتى رضع لطلب الصدقة. "راني جيعان يا محسنين"! وقف المكتب الولائي على حالات صادمة لواقع مخيف عن التسول واستغلال الأطفال في هذه الظاهرة المشينة، ففي المقهى المليء بضجيج الزبائن ودخان يتطاير في كل النواحي تدخل المرأة الخمسينية مع رضيع لا يتعدى سنتين، تطلب صدقة من أجل شراء دواء له وهي تحمل وصفة طبية قديمة، وفي حالة رفض المساعدة تخرج وكلمات الشتم لا تفارق شفتيها.. قرب المحطة البرية لنقل المسافرين ما بين الولايات، تجد امرأة رفقة رضيعها تستعطف المارة ليمنحوها بعض الدنانير لشراء كيس من الحليب لرضيعها، حسب ما تدعي فهناك من يشده المشهد ويتأثر به فيحسن إليها، وهناك من لا يأبه بتاتا بالصورة التي ألفها. وتحوّلت محطة نقل المسافرين ما بين البلديات لمدينة الشلف إلى منطقة نشطة لهذه الفئة، فحسب أحد الناشطين: (فعن طريق كلمات همست في أذني وأنا أحاول هبوط من الحافلة (راني جيعان يا المحسنين) طفل صغير لا يتعدى 15 سنة أسمر اللون، ضعيف الجسد يتجول بين المارة وفي بعض الأحيان يركب داخل الحافلات يطلب الصدقة من الركاب، اقتربت منه لأتعرف عليه أكثر وأحاول التجول في عقله، فرفض في البداية وبعد ما قدمت نفسي بأني ناشط حقوقي وأني أحاول مساعدة هذه الفئة عن طريق إرسال معاناتهم إلى الرأي العام من أجل تكفل الدولة الجزائرية، نظر إلي قليلا ثم تحدث قائلا (اسمي عبد القادر. م والدي طلق أمي، ولدي ثلاثة أخوات وأمي قاعدة عند أمها تشتغل في البيوت، وأنا تركت مقاعد الدراسة السنة الماضية وذلك من أجل مساعدة أمي في تلبية مطالب أخواتي الثلاث هم الآن يدرسون). حالة أخرى سجلها الناشطون على مستوى مدينة تنس لطفل عمره 13 سنة، كلما صادفك يقول لك أعطني عشرين دينارا فقط أعود بها إلى قريتي لأني فقدت المال الذي كان في جيبي، ومنظره يقنعك بأنه طفل عادي فعلا لكنه وقع في مأزق وكثيرا ما يصدقه الناس، المشهد الكاريكاتوري أنك تصادف هذا الطفل مرتين أو ثلاث في اليوم وينسى طبعا أنه حدثك ويطلب منك بنفس المقولة. وفي المسجد الكبير الشلف يوم الجمعة، متسولة تبلغ من العمر حوالي 45 سنة وبصحبتها طفلان بدا عليهما الحال التعب وعدم استطاعتهم النوم في الليل، طبعاً بصعوبة شديدة استطعنا أن نحصل منها على القليل من الكلام حيث رفضت الإفصاح عن اسمها واكتفت بالقول: (منذ أكثر من سنتين وهذا حالي مع أولادي بعد أن توفي زوجي، ولولا الفقر وجوع أولادي ما خرجت ولا سألت أحداً وكنت مستعدة أن أموت ولا أخرج أسأل الناس)، مضيفة: (والله الشاهد، فالرحمة انتزعت من قلوب الناس والأزمة جعلت الناس شديدين ولولا خروجنا للبحث عما يسد جوعنا لمتنا من الجوع.!). حالات مزرية جعلت المكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف يتساءل في بيانه التفصيلي عن خلفيات ظاهرة تسول الأطفال في الجزائر عموما وفي ولاية الشلف خصوصا، وما هي الإجراءات والوسائل الناجعة للقضاء على هذه الآفة، والأهم من هو المسؤول عن توسع وانتشار التسول على مستوى ولاية الشلف ؟ وحسب ذات البيان، فإن المكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف يدرك تماماً بأن الوضع الاقتصادي (المرتبط بالفقر والبطالة) يعتبر أحد أهم أسباب توجه الأطفال للعمل والتسول بسبب ضغط الأهالي في بعض الأحيان والذين لا يملكون الشرف والكرامة ويقتلون براءة الطفولة ويحوّلون الأطفال إلى قنابل موقوتة، قد تتحول إلى الإجرام والسرقات والتهريب وتعاطي المخدرات والاتجار بها. شبكات إجرامية تتحدى القانون المكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف يؤكد بأن ظاهرة التسول هي الصورة الأبشع في مدننا والتي لا يمكن السكوت عليها، حيث شوهت براءة الأطفال والتي تستحق من المسؤولين النظر فيها. ويؤكد تحقيق مكتب ولاية الشلف، على أن الطفولة في الجزائر تعاني من فراغ قانوني رهيب في مختلف الجوانب، بما فيها ظاهرة استغلال الأطفال في التسول، والتي يراها المواطنون ورجال الأمن والقانونيون في كل مكان، إلا أن القانون يبقى عاجزا عن محاسبة الشبكات التي تستغل الطفولة في هذه الظاهرة، حيث لا يمكن تحريك دعوى عمومية من أجل التحقيق في وضعية الطفل المتسول، خاصة وأن الجزائر تفتقر إلى الإحصائيات والميكانيزمات الرسمية التي تسمح بإحصاء عدد المستغلين في التسول ببلادنا، فهؤلاء الأطفال يتعرضون الى انتهاك حقوقهم من تلك الجماعات التي رسمت لهم هذا الطريق الموحش ما أدى إلى تدهور الجانب النفسي والسلوكي لديهم، فضلا عن الجانب الطبي وتعريضهم إلى المخاطر والأمراض. مشاهد صادمة إن نتائج التسول عديدة ومضاعفاتها خطيرة لا على الفرد فحسب، بل تأثيرها يصل حتى للمجتمع، سواء على المستوى الاجتماعي، الاقتصادي أو السيكولوجي، وتبقى أهم هذه المضاعفات تتلخص فيما عدة مظاهر، منها حرمانه من الإحساس بطعم الطفولة، ومن فرصة التعليم المناسب التي قد تخلق له فرصة عمل أفضل في المستقبل، بالإضافة إلى الانحراف بشتى أنواعه سواء على المستوى الأخلاقي والفكري، فنجد كثير من المتسولين يلجأون إلى تعاطي المخدرات، نتيجة للإحباطات النفسية الذي يحدثها الفقر والحاجة، وبالتالي تنامي ظاهرة الإجرام داخل المجتمع مما يسبب تهديدا وإخلالا بالاستقرار والأمن العام، فأصبحت عصابات منظمة تقوم بعملية السرقة والنصب والاحتيال والاعتداء على ممتلكات المواطنين، وانتشار الفوضى والاضطراب في شوارع المدينة وفي الأماكن العمومية، الأمر الذي أصبح يمس بسلامة الأفراد. ومن خلال تقييم لهذه النتائج اتضح للمكتب الولائي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لولاية الشلف بوضوح مدى خطورة هذه الآفة على العلاقات الاجتماعية الأساسية، بدءا من دور الأسرة والمدرسة ووصولا إلى الدولة، أن تنهض وتعمل جاهدة أملا في القضاء على هذه المعضلة التي تهدد تماسك البنيات الاجتماعية، ولذلك فإن مكتب الرابطة للدفاع عن حقوق الإنسان بولاية الشلف، وعلى ضوء النتائج والمشاهد التي وقف عليها خلال تحقيقه الميداني لظاهرة التسول، يطالب بضرورة تعزيز وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة بشأن الأطفال المتسوّلين والأطفال العاملين في القطاعات المختلفة وذلك من خلال تكثيف حملات تفتيش ميدانية، والسعي إلى تنسيق أكبر بين مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لضمان حماية أكبر للطفولة، وتوظيف أكبر لوسائل الإعلام في محاربة ظاهرة التسوّل عن طريق توعية الرأي العام. كما يطالب المكتب الولائي للشلف في بيانه، بتزويد المجتمع المدني بالإمكانيات اللازمة لحماية الأطفال وإشراك الجمعيات في ذلك لأنها هي _العين المراقبة_ لكل ما يتعرض له الأطفال، وإعادة إحياء وإعادة الاعتبار للجان الحي والخلايا الجوارية التي كانت تلعب دورا بارزا في حماية الطفولة، والأهم هو المبادرة الرسمية إلى اعتماد قانون الطفولة الجديد وذلك بحماية الطفل من جميع الجوانب وذلك بإشراك الجمعيات للدفاع عن حقوق الطفل والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، بما فيها استغلال الأطفال في التسول، خاصة منهم الرضع والمعوقون، والتشديد على سن قانون يجرم الأشخاص الذين يستغلون الأطفال في التسول وتطبيق عقوبات صارمة عليهم، للحد من تنامي هذه الظاهرة في مجتمعنا.