لا تزال مجازر 8 ماي 1945 التي اقترفتها قوات الاحتلال الفرنسي ضد سكان جزائريين عزل بقالمة على غرار سطيف وخراطة ومناطق أخرى بالبلاد تثير الغضب والاستنكار وكذلك الافتخار بالتاريخ البطولي لشعب أبي. ففي ذلك اليوم وعندما كان العالم برمته يحتفل بالقضاء على النازية سلط قمع وحشي على الشعب الجزائري الذي خرج للمطالبة سلميا بحقه في الحرية وتقرير المصير. وتتلاقى شهادات الناجين القلائل من تلك المجازر الوحشية لتروي بأدق التفاصيل وقائع إبادة تم التخطيط لها وبرمجتها من طرف جيش الاحتلال الفرنسي وميليشياته ضد السكان المدنيين من الجزائريين. ومن بين شهود العيان عن تلك الأحداث الدامية والذين لا يزالون على قيد الحياة أحمد بعلي في عقده الثامن الذي يروي أنه عشية 8 ماي 1945 "(كنا) تلقينا من مسؤولي الحركة الوطنية أمرا بالمشاركة في مسيرة سلمية لكي نظهر للعالم أجمع أننا نتطلع إلى الاستقلال". وأضاف المتحدث أن المسيرة التي انطلقت في الرابعة بعد الظهر من المكان المسمى الكرمات لعبور شارع عنونة وسوق القمح تم توقيفها بوسط المدينة من طرف قوات الاحتلال. و"كان المسؤول الإداري آنذاك (أي ما يعادل رئيس الدائرة حالي) أشياري محاطا بكل من محافظ الشرطة طوكار ورئيس البلدية موبار ووكيل الجمهورية ورئيس فرقة الدرك الفرنسي أعطى الأمر بأن نتفرق" يضيف أحمد بعلي. وواصل هذا المسن يسترجع ذاكرته بشأن تلك الأحداث البشعة بالقول أنه وبعد رفض الامتثال لذلك التحذير أمر أشياري بإطلاق النار على المتظاهرين فسقط شهيدان وهما بومعزة وسيريدي فضلا عن إصابة العديد بجروح. فعم الفزع والرعب وتفرق جمع المتظاهرين في جميع الاتجاهات على أمل النجاة من رصاص المحتل الذي كان يطلق بشكل أعمى. وتم الإعلان عن حالة الطوارئ بمدينة قالمة التي وصلت بها بعد ساعات فقط تعزيزات وإمدادات للقوات العسكرية ليشرع إثرها حسب أحمد بعلي في عمليات قتل المدنيين والاعتقال التعسفي وفي مطاردة ما أسماهم الاحتلال آنذاك ب"المشاغبين". وبعد أن التزم الصمت للحظة قصيرة رفع هذا المسن عيناه إلى السماء في محاولة منه لاسترجاع ذاكرته بشأن تلك الأحداث المروعة والأليمة قائلا بصوت منخفض "عقب ذلك زج بالمدنيين في أفران الجير بهيليوبوليس وهي لا تزال موجودة إلى حد الآن لتقهر بذلك النسيان وتفضح بأن الفرنسيين استعملوا هذه الأفران للقضاء على الجثث". ومن جهته روى الحاج صالح سيريدي (84 سنة) ناج آخر من تلك الأحداث الدامية بهذه المنطقة ما عاشه في ذلك اليوم من رعب وعنف لا مثيل له من خلال اعتقالات واسعة التي لم تستثن أحدا والمجازر الوحشية التي اقترفت في حق أبرياء بكل من كاف البومبة والحاج أمبارك. وبعد يومين من اعتقاله من طرف الميليشيا استطاع الحاج صالح الفرار بأعجوبة من الموت الذي كان يلاحقه من طرف زبانية اغتالوا ستة من جيرانه بالمكان المسمى "باب سكيكدة" ليتذكر فيما بعد بمرارة وحسرة رفقائه الذين قتلوا على غرار سيريدي الهاشمي لعربي توهامي محمد عبد الله أحمد حميدة الهاشمي بن سعيد وزعيمية وغيرهم كثيرون. وبدوره فإن الأمين العام لجمعية 8 ماي 1945 السيد عبد العزيز بارة الذي كان عمره 12 عاما عندما ارتكبت تلك الإبادة يتذكر أن "مطاردة المسلمين" تمثلت في ذلك اليوم في نقل الجثث نحو الأفران لحرقها إلى جانب اعتقالات تعسفية وقتل جماعي. وأضاف يقول إن "جمعيتنا ستواصل النضال من أجل إلزام الطرف الآخر بالاعتراف الرسمي بتلك المجازر على أنها جرائم ضد الإنسانية ارتكبها الاحتلال الفرنسي ضد جزائريين عزل" وذلك بإصرار كبير. وخلص هذا المناضل من أجل إنصاف الذاكرة الوطنية الجماعية إلى القول بأن الجزائريين الذين استشهدوا بالعشرات والآلاف خلال تلك الأحداث الدامية "يمثلون أحسن وأفضل مثال للنضال والروح الوطنية" مضيفا بأن هذه الصور البطولية لا بد من "نقلها للأجيال الصاعدة لكي تدرك وتستلهم من رسالة أول نوفمبر 1954 والعمل جميعا من أجل مكافحة النسيان".