اعترف، أمس، برنارد باجولي سفير فرنسابالجزائر خلال إشرافه على حفل التوقيع على إتفاقية التعاون بين أربع جامعات جزائرية، ويتعلق الأمر بجامعات ڤالمة وبسكرة وسكيكدة والمركز الجامعي بأم البواقي من جهة وجامعة ستراسبورغ مارك بلوش الفرنسية من جهة أخرى أن يوم 08 ماي 1945 يمثل لمدينة ڤالمة حقبة هي الأكثر مأساوية في تاريخ الجزائر الإستعماري، لأنه وكما قال لا يجوز أن ننسى المأساة الرهيبة التي أدمت ڤالمة والمنطقة بأسرها منذ 63 عاما. ففي اليوم الذي كان فيه الجزائريون يحتفلون إلى جانب الأروبيين في جميع أنحاء البلاد بالإنتصار على النازية، وقعت مجازر رهيبة في سطيف وڤالمة وخراطة. ويضيف سفير فرنسابالجزائر الذي أكد أن فرنسا لم يعد في نيتها التستر على تلك الوقائع الدامية والتي خلفت يومها آلاف الضحايا من المدنيين الأبرياء من بينهم أطفال وشيوخ ونساء فضلا عن آلاف الأرامل والأيتام الذين كانوا ضحية القمع الوحشي. وعلى الرغم من أن الأحداث الدامية ووحشيتها أضحت معروفة في معظمها لكن العمل الذي لازال لم ينجز بعد، هو السعي لتحديد العدد الصحيح لضحايا المأساة التي ستبقى وصمة عار في جبين فرنسا الإستعمارية.. وإدانة النظام الإستعماري ليست إدانة للفرنسيين، كما دعا سفير فرنسا في خطابه أمام طلبة جامعة 08 ماي 45 المؤرخين والمثقفين الجزائريين والفرنسيين لإثبات الوقائع بكل موضوعية خدمة لتوطيد علاقات التعاون المشترك بين البلدين، ويجب نسيان الماضي الأسود، بشرط أن تتسم هذه العلاقة بالهدوء الكلي وأن تكون الذكرى متقاسمة بين الشعبين، معترفا في ذات السياق أنه ينبغي على فرنسا قطع الشوط الأكبر في السير على هذا الدرب والتخلص من المحظورات في تاريخها الإستعماري المتوحش. كما أنه يقول سفير فرنسا لا يمكننا جعل التعرف على الماضي والإعتراف به فقط محل إهتمامات البلدين اللذين ينبغي عليهما أيضا التطلع سويا وأخويا للمستقبل الذي يحق لشباب البلدين التطلع إليه، مؤكدا أن مسؤولية القمع الوحشي الذي حدث في الثامن ماي يقع على عاتق أعداء الأمس الذين لطخوا تاريخ فرنسا بعد الإنفلات الجنوني للغضب القاتل الدامي. وتأتي زيارة سفير فرنسابالجزائر إلى ڤالمة عشية الإحتفال بالذكرى المخلدة للذكرى الثالثة والستين لمجازر الثامن ماي 45، حيث زار المعالم التاريخية المخلدة للذكرى خاصة منها أفران الجير ببلدية هليوبوليس والنصب التذكاري بالكرمات بمقر عاصمة الولاية. مقطع من محاضرة السفير الفرنسي أمام طلبة ڤالمة يوم الثامن من شهر ماي 1945، هو يوم تاريخي، قد مثل للعالم أجمع اليوم، الذي وُضِع فيه حد لصراع الحرب العالمية الثانية، ونهاية النظام النازي، لكن بالنسبة لهذه المدينة، فهو يوحي بأصداء أخرى، تعود إلى حقبة هي الأكثر مأساوية في تاريخ الجزائر الاستعماري، وهذا هو السبب الثاني لمجيئي إلى ڤالمة، فباقترابنا من هذا التاريخ التذكاري، 8 ماي، لا يجوز أن ننسى المأساة الرهيبة التي أدمت مدينتكم والمنطقة بأسرها، منذ 63 عاما خلت. يوم الثامن من شهر ماي 1945، بينما كان الجزائريون يحتفلون في جميع أنحاء البلاد، إلى جانب الأوروبيين، بالانتصار على النازية، الذي كان لهم فيه نصيب كبير، وقعت مجازر مريعة في سطيف وڤالمة وخراطة. إن هذا الانفلات الجنوني للغضب القاتل والدامي، الذي كان للسلطات الفرنسية، القائمة حينها، مسؤولية جسيمة فيه، قد خلف آلاف الضحايا البريئة، جميعها تقريبا من الجزائريين، فضلا عن آلاف الأرامل والأيتام، وإن يقتضي عدم نسيان عشرات من المدنيين الأوروبيين الذين قضوا إبان هذه المواجهات. كان من المفترض أن تمثل تلك الأيام بالنسبة للجميع أياما للاحتفاء باستعادة الحرية، وبالإخاء الذي عُدنا لنتبينه في معركة خضناها سويا، وبتكافؤ لم يكن قد تم بناؤه بعد، إلا أنها مثلت الضغينة والحزن والألم. لقد مثلت استهانة بمبادئ تأسست عليها الجمهورية الفرنسية، فلطخت تاريخها، تاركة وصمة دامغة يتعذر محوها. ومع أن الوقائع بمعظمها قد أضحت اليوم معروفة، لايزال هناك عملا لم ينجز بعد، ومن ضمنه السعي لتحديد العدد الصحيح للضحايا، والتسلسل الدقيق للأحداث، لكنه شأن يعود للمؤرخين ومناط بهم. بيد أنه يمكنني من الآن، وعلى الرغم من قسوة الوقائع، أن أؤكد لكم، يا حضرة العمداء، والأساتذة والطلاب، بأن فرنسا لا تنوي، ولم تعد لديها النية في التستر على تلك الوقائع، إن زمن النكران قد ولى. ففي خطاب قسنطينة، يوم 5 ديسمبر الفائت، كان رئيس الجمهورية السيد ساركوزي قد وجه تحية "لضحايا بريئة لقمع وحشي وأعمى"، متطرقا "لذنوب وجرائم الماضي"، واصفا إياها بأنها "لا تُغتفر"، ومدينا بمفردات معبرة، أكثر وقعا في التعبير من أي مسؤول فرنسي من قبله، إجحاف النظام الاستعماري. هذا النظام، الذي أبعد الجاليات عن بعضها البعض مُفرقا فيما بينها، مضفيا عليها وضعية قائمة على التفاوت، على نحو يتناقض مع مبادئنا الأساسية، كان هو المتسبب، وبأكبر قدر في المآسي التي وقعت، على غرار مأساة شهر ماي لعام 1945. إن المؤرخين والمثقفين كانوا سباقين وقد قطعوا أشواطا متقدمة باتجاه إثبات موضوعي للوقائع، فلقد أقيمت نقاشات مفتوحة ومواجهات صريحة ساهمت فيها وسائل الإعلام والأفلام السينمائية، وقد أتاحت للفرنسيين وللجزائريين التعرف على بعض الوقائع التي كانوا يجهلونها، وأتاحت لهم فهمها أيضا. وجامعتكم، يا حضرة العميد، تساهم في هذا العمل من خلال سلسلة من الندوات بادرت إلى إطلاقها منذ سنوات عدة، وستنعقد الندوة السادسة القادمة قريبا وستضم مجددا مؤرخين من ضفتي المتوسط. ولكن من أجل أن تتسم علاقاتنا بهدوء كلي، يتعين أن تكون الذكرى متقاسمة فيما بيننا، فنشاطركم كتابة التاريخ عن طريق مؤرخين فرنسيين وجزائريين. ينبغي على فرنسا أن تقطع دون شك، الشوط الأكبر في سيرها على هذه الدرب، لأن السلطة كانت بينها، لكنها لا تستطيع ذلك بمفردها. يجب على الجانيين، التخلص من المحظورات، بحيث تحل الحقائق المكشوف عنها محل الوقائع المسلم بها. لا ينبغي أن يكون التعرّف على الماضي والاعتراف به وحدهما محط اهتمامنا، وإن كان بإمكاننا، فرنسيين وجزائريين، الإستعانة بهما لنتطرق سويا وأخويا للمستقبل الذي يحق لشبابنا التطلع إليه، فهم الذين لم يعرفوا اضطرابات الماضي يدركون لا بد ما يفضي إليه الضلال الأعمى والتغاضي عن القيم البشرية الأساسية من قسوة وانحراف.