رهن الرئيس الأمريكي جورج بوش أمس، كل فرصة لتحقيق تقدم في عملية السلام خلال الزيارة التي ينتظر أن يشرع فيها الأربعاء القادم إلى المنطقة العربية في محاولة لتفعيل المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين· وتقاطعت تصريحات الرئيس الأمريكي وعدد من مسؤولي إدارته عشية هذه الزيارة لتؤكد هذه الحقيقة رغم أن كل المتتبعين أكدوا أن هذه الزيارة الأولى لرئيس أمريكي إلى منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من ثلاثة عقود تكتسي أهمية بالغة لدفع المفاوضات المباشرة والتمهيد لإقامة الدولة الفلسطينية· والحقيقة أن هذا الأمر لم يكن نتاج تخمينات وتوقعات لمحللين مهتمين بالشأن العام في أعقد مناطق العالم، ولكنه الهدف الذي سبق للرئيس بوش أن أكد عليه مباشرة بعد انتهاء مؤتمر أنابوليس في 27 نوفمبرالماضي لدى إعلانه عن هذه الزيارة وقال أنه سيعمل شخصيا على دفع مفاوضات السلام بشكل أكثر فعّالية وبكيفية تمكن من إقامة الدولة الفلسطينية قبل نهاية العام الجاري· ويبدو أن الإدارة الأمريكية بدأت تتراجع عن هذا الهدف بسببب افتقادها للإرادة السياسية تماما كما هو الشأن للطرف الإسرائيلي الذي يعمل على وضع العراقيل والعقبات في طريق تحقيق تقدم في المفاوضات الفلسطينية والإسرائيلية· واتضح هذا الواقع عندما اكتفى الرئيس الأمريكي بدعوة الطرف الإسرائيلي إلى وقف الاستيطان في المستوطنات اليهودية التي توصف بالفوضوية وتغاضى الطرف عن عمليات التوسيع التي تشهدها مستوطنات جبل أبو غنيم ومعاليا أدوميم في قلب القدس الشريف، وهو ما يمكن قراءته على أنه ضوء أخضر من واشنطن لإدارة الاحتلال بمواصلة ضربها لعملية السلام في صميمها· وجاءت دعوة الرئيس جورج بوش رغم علمه بدرجة الامتعاض الذي أبدته السلطات الفلسطينية من قرار الحكومة الإسرائيلية بتوسيع المستوطنتين المذكورتين، وذهب الرئيس محمود عباس إلى حد تخيير إدارة الاحتلال بين مواصلة عمليات الاستيطان وبين مفاوضات السلام من منطلق أن الأمر الأول يضرب الثاني في الظهر ويعمل على إفشال كل تحرك باتجاه تجسيد خطة خارطة الطريق وتوصيات مؤتمر أنابوليس· وتحدت إدارة الاحتلال المجموعة الدولية بإعلان تمسكها بالاستيطان في أضخم مستوطنتين بالضفة الغربية عشية جولات لمفاوضات مباشرة بين الرئيس الفلسطيني والوزير الأول الإسرائيلي وكانت سببا في فشلها تماما كما حدث مع اجتماعات للوافدين المفاوضين من الجانبين بعد أن أصرت إسرائيل على قرارها وتزامن ذلك مع أوسع عملية تقتيل جماعي بالطائرات المروحية والاغتيالات الانتقائية ضد النشطاء الفلسطينيين في قطاع غزة وفاق عددهم أكثرمن 50 شهيدا خلال الأيام الثلاثة الأخيرة· وتأكد الإنحياز الأمريكي إلى جانب الطروحات الإسرائيلية عندما نفت الإدارة الأمريكية عزم الرئيس بوش عقد قمة ثلاثية مع الرئيس عباس والوزير الأول الإسرائيلي أولمرت ثلاثة أيام بعد إعلان مسؤولين فلسطينيين عن هذه القمة في العاشر من هذا الشهر· والظاهر أن إدارة الرئيس الأمريكي أرادت من خلال تأخير نفيها لهذا الخبر ضرب مصداقية الفلسطينيين لحسابات ذات صلة بالزيارة المرتقبة لهذا الأخير إلى المنطقة·والمؤكد أيضا أن المسؤول الفلسطيني الذي سرّب خبر القمة وتأكيده من طرف مصادر إسرائيلية مسؤولة لم يفتعل الأمر لولا أن الطرف الفلسطيني حصل على تأكيدات بعقد هذه القمة، وهو التكذيب الذي أفقد كل مصداقية لجولة الرئيس بوش الشرق أوسطية ودفع إلى الاعتقاد أن هذه الزيارة التي علّق عليها الفلسطينيون آمالا كبيرة لتحقيق حلمهم بإقامة دولتهم المستقلة ستكون نتيجتها أكثر من سلبية على الجانب الفلسطيني بقدر ما ستزيد من تعنت إدارة الاحتلال وإصرارها في التمسك بمواقفها الرافضة لإرجاع الحقوق الفلسطينية· وقد اتضح ذلك بعد أن زحزح الرئيس الأمريكي قضية المفاوضات والصراع العربي الإسرائيلي إلى المرتبة الثانية من حيث أولويات زيارته بعد أن دفع بالملف النووي الإيراني إلى الواجهة في محاولة لإثارته مع مسؤولي مختلف العواصم العربية وخاصة الخليجية التي يعتزم زيارتها ومحاولة اقناعهم بضرورة الوقوف إلى جانب واشنطن من صراعها مع إيران· وتراهن السلطات الأمريكية على التلويح بورقة الخطر التي يمثلها البرنامج النووي أمام مسؤولي الدول الخليجية وبالتالي ضرورة الوقوف إلى جانبها في مسعى أمريكي لكسر التقارب الذي بدأ يلوح في الأفق بين الدول الخليجية وإيران بعد مشاركة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في قمة دول مجلس التعاون الأخيرة·