إذا كان الأدب البربري في العادة أدبا شفهيا، فإن كتابات قديمة تدل على أنه كان أيضا مكتوبا، وإن كان ذلك بنسب ضعيفة، من بينها كتابات أوغسطين وابن رشد وابن بطوطة، وصولا إلى كتابات مولود معمري وكاتب، وفي هذا الصدد، صدر للكاتب محند أكلي حدادو، كتاب جديد باللغة الفرنسية بعنوان "مدخل إلى الأدب البربري" متبوع بملحق حول الأدب القبائلي، وهذا عن منشورات المحافظة السامية للأمازيغية. وقسم الكاتب مؤلفه الجديد الذي يقع في 302 صفحة إلى ثلاثة فصول، وهي "مدخل إلى الأدب البربري"، "الأدب القبائلي" بأربعة مباحث و"نصوص نادرة حول الأدب القبائلي"، وذكر الكاتب في "مدخل إلى الأدب البربري"، أهمية هذا الأدب رغم قلة انتشاره، حيث أنه يدرس فقط بجامعة بجاية. مضيفا أنه كتب في معظمه بلغات أخرى ولم يكتب بالبربرية إلا قليلا. وانتقل حدادو إلى جذور الحروف البربرية التي تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، ومع ذلك لم تستعمل بدرجة وافية، إذ لم تتعد أحرفا في الشواهد المقبرية وأزيد بقليل في ضريح ماسينيسا، وحتى عند الطوارق الذين اشتهروا باستعمالهم للكتابة مقارنة بالقبائل الآخرى، ومع ذلك لم تزد كتاباتهم عن جمل قليلة. وإذا كان جل الأدب البربري شفهيا، إلا أنه اشتهر عن طريق كتابات بلغت العالمية وأصبحت ضمن التراث الإنساني، ترانس، أبوليوس، أوغسطين (الفترة القديمة)، ابن رشد وابن بطوطة (العصور الوسطى)، عمروش، معمري، كاتب، خير الدين (الفترة الحديثة) رغم أنهم كتبوا بأحرف غير بربرية... وجاءت معظم كتابات البربر بلغات غير بربرية إلى غاية القرون الوسطى، حيث كتبت بعض القبائل اتفاقيات ونصوص دينية بالحروف البربرية، وبالأخص في بعض المناطق مثل منطقة الميزاب، وقال عنه ابن خلدون أنه ثري ولكنه شفهي. كما ترجم العديد من الأدباء نصوصا بربرية وكمثال على ذلك، ترجمة الأديب الألماني فروبينيس لبعض الأدب القبائلي. أما عن هذا العصر، فقد عرف الأدب البربري دخول أجناس أدبية جديدة، مثل الرواية والمسرح والأقصوصة، وكانت البداية مع بلعيد أيت علي الذي كتب قصصا وأقصوصات بالبربرية سنة 1963، ونشر مولود معمري كتابا عن أشعار محند سيدي محند سنة 1978، وكتاب أشعار القبائلية القديمة سنة 1979، وكتب مولود فرعون أيضا عن سي محند اومحند، وكتب بوعمارة عن أشعار لبشير أملله، وآخرون... وقسم الكاتب الفصل الثاني "الأدب القبائلي" إلى أربعة مباحث، وجاء المبحث الأول حول "الأمثال" (أنزي) وقال فيه الكاتب أن الأمثال هي الأدب الشعبي الأكثر قدما في الإنسانية، وتناول أمثلة عن الأمثال التي تستعمل في منطقة القبائل، وقام في البداية بتفسير كلمة أنزي التي تعود جذورها إلى الطوارق وتعني "المجيء أولا"، أي الكلام الذي يسبق الحديث، ويتميز المثل بقلة كلماته وقوة معانيه. وعرفت الأمثال صدى كبيرا في منطقة القبائل، بحكم أن هذه المنطقة مثل أغلب المناطق البربرية تعتمد على الأدب الشفهي أكثر بكثير من استعمالها للأدب المكتوب، وتتطرق إلى الكثير من المواضيع الاجتماعية والدينية والأخلاقية ومبادئ الشرف والعائلة. أما المبحث الثاني فتناول فيه الكاتب "الألغاز"، فقال أن أرسطوت عرف اللغز بأنه ذاك الذي ينطلق من واقع اجتماعي معين لينتهي إلى حقيقة غير متوقعة، أما عن كلمة اللغز عند القبائل، فتعني - حسب الكاتب - الاستعجاب والذهول. وانتشر اللغز أيضا في المناطق البربرية الأخرى حتى في المغرب والطوارق. وتطرق حدادو في المبحث الثالث إلى "القصة"، التي قال عنها أنها الجنس الأدبي الأكثر انتشارا في العالم، ويتفرع إلى القصة الشعبية التي تم تناقلت عبر الأجيال بطريقة شفهية، والقصة التي يؤلفها الكتاب، وتوضع القصة ضمن تصنيفات عالمية وهذا حسب الموضوع الذي تتطرق إليه، وتعتبر القصة إلى جانب الشعر الأجناس الأدبية الأكثر انتشارا في مناطق البربر، وتناقلت في معظم الأحيان بطريقة شفهية عن طريق أشخاص متمرسين في رواية القصص بطريقة مشوقة، وبجمالية كبيرة، ويبدأ سرد القصة في منطقة القبائل بكلمة واحدة هي "ماشاهو" التي تعني بداية الحكاية. أما المبحث الرابع فكان ل "القصة القصيرة" (تاقصيت)، التي تتناول قصة بإيجاز وتعتمد على ذكر المكان والزمان والقصة بإيجاز، وتعتمد أيضا على العبرة الأخلاقية بطريقة مشوقة. وتناول الكاتب في الفصل الثالث، أمثلة عن الأدب القبائلي حيث قدم في مؤلفه نصوصا نادرة عن الأدب القبائلي وبالضبط من منطقة آت وايليس التابعة لمنطقة الصومام.