أصدرت الجزائر 219 إنابة قضائية دولية لاسترجاع الأموال المهربة إلى الخارج من طرف رجال أعمال وسياسيين متورطين في قضايا الفساد طيلة العقدين الأخيرين، وهي أموال "ضخمة ومعتبرة"، حيث تقف العدالة بالمرصاد لهؤلاء من خلال إصدار أحكام قضائية بالسجن ومصادرة جميع ممتلكاتهم مع العمل على استرجاع تلك الممتلكات والأموال الموجودة بالدول الأجنبية خاصة بسويسرا وغيرها من الدول الأوروبية والدول التي لا تفرض ضرائب على الثروة. كشف بيان السياسة العامة للحكومة الذي سيعرض على البرلمان يوم 3 أكتوبر القادم، عن إطلاق الجزائر 219 إنابة قضائية لاسترجاع الأموال المنهوبة التي تم تهريبها إلى بنوك أجنبية، تم تنفيذ 43 منها بينما تخضع 156 منها للمعالجة من طرف السلطات القضائية الأجنبية المعنية، في إطار تنفيذ المسعى الشامل الذي أقره رئيس الجمهورية لاسترداد الأموال الناتجة عن الفساد وفقا لما يقتضيه القانون والاتفاقيات الدولية التي تربط الجزائر ببعض البلدان في مجال التعاون القضائي. وأشارت الحكومة إلى أنه تم الحرص على إحباط محاولات إخفاء أو تبديد عائدات الفساد بفضل جهاز اليقظة الذي تم وضعه لهذا الغرض مما سمح باسترجاع أملاك عقارية منقولة هامة ومنع تهريب أموال إلى الخارج. وكشفت جهات أمنية عن تحقيقات أكدت، تورط أحد أكبر رموز الفساد خلال النظام السابق والموجود رهن السجن ووزير سابق يوجد في حالة فرار بالخارج، في أكبر عمليات استنزاف للموارد الوطنية سمحت بحجز ممتلكات عقارية وسيارات فخمة تم إخفاؤها وتهريبها حتى لا تحجز من طرف العدالة. وعكست مبادرة إرسال إنابات قضائية دولية لبعض الدول، إدراك السلطات العمومية، حجم الفساد الذي استشرى منذ عشريتين في البلاد وفي مفاصل الدولة، وذلك تنفيذا لقرارات رئيس الجمهورية الذي وعد خلال حملته الانتخابية باسترجاع الأموال التي تحصل عليها رجال أعمال ومسؤولون في الدولة بطرق ملتوية وغير قانونية عن طريق امتيازات وتسهيلات وقروض بنكية ضخمة أقاموا من خلالها استثمارات داخل وخارج الوطن وأودعوا جزءا منها ببنوك أجنبية وخاصة في دول مدرجة ضمن قائمة "الجنان الضريبية" التي تعفي أصحاب الأموال من دفع الضريبة على الثروة، الأمر الذي يشجعهم على ادخار أموالهم ببنوكها. وسبق لرئيس الجمهورية، أن صرح بأن أغلب دول الاتحاد الأوروبي أبدت استعدادها لمساعدة الجزائر على استرجاع الأموال المهربة خلال 20 سنة الماضية. وأعلنت الوكالة الفرنسية لتسيير واسترداد الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة، في هذا السياق عن استعدادها للتعاون مع الجزائر في مسعاها لاستعادة أموالها المنهوبة. وتزامنت التحقيقات الأمنية والإنابات القضائية، مع صدور قانون في فرنسا التي تعد من أكثر الوجهات التي هربت إليها أموال الشعب الجزائري، يسمح بإعادة الأملاك المصادرة نحو البلد الأصلي، وهو إجراء إيجابي يخدم مسعى الجزائر بعد أن كانت كل الأملاك المصادرة إلى وقت قريب تحول إلى خزينة الدولة الفرنسية. وجاءت الإنابات القضائية بعد إصدار العدالة الجزائرية أحكاما قضائية نهائية بإدانة من اصبحوا يعرفون ب"العصابة" من رجال أعمال وموظفين سامين وسياسيين استفادوا خلال فترة حكم الرئيس السابق من امتيازات جنونية، بعقوبات سجن تصل إلى 20 سنة مع مصادرة جميع ممتلكاتهم. وذكر بيان السياسة العامة للحكومة في هذا الاطار بتنفيذ الأحكام القضائية النهائية ومصادرة الأموال والأملاك المختلسة لإدراج كل ممتلكات المجمعات الاقتصادية المتورطة في قضايا الفساد في القطاع العمومي التجاري، للمحافظة على أداة الانتاج ومناصب الشغل مع ضمان مواصلة نشاط الأشخاص المعنوية. يذكر أن الوزير الأول سبق أن أكد أن الدولة عازمة على استرجاع أموال الشعب المنهوبة بتجنيد الثقل الدبلوماسي، ووضع مقاربة شاملة للتكفل بالملف ووضع آلية تنسيق على مستوى عال، مع الدول التي حولت إليها الأموال ضمن اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، وفي اطار منظمات دولية متخصصة لتتبع الأملاك وتحديد أماكنها. وجاء تحرك القضاء الجزائري في أعقاب تحقيقات توصلت لتحديد ما يحوز عليه "الكارتل المالي" الذي نسج خيوط ثروته منذ سنة 1999 إلى غاية 2019، من عقارات وحسابات بنكية في دول أجنبية ضمن مساعي استرداد الأموال المنهوبة. وتعد عملية استرجاع هذه الأموال المهربة، حسب رأي المختصين في القانون عملية صعبة بسبب تعقيدات قضائية والفترة الزمنية الطويلة التي تتطلبها عمليات الاسترداد من جهة، ولكون الجزائر وعلى غرار بقية الدول اصطدمت بصعوبات قانونية وقضائية وعوائق كبيرة فيما يخص محاولتها معرفة مكان الأموال والتحويلات المالية الكبيرة التي تم تحويلها من قبل مسؤولين ورجال أعمال من الجزائر إلى الخارج. ويبرر هؤلاء مقاربتهم بكون المتهمين في قضايا الفساد لم يحولوا أموالهم بطريقة قانونية نحو الخارج وإنما من خلال شركات تخضع لقوانين الدول الموجودة فيها وليس للقانون الجزائري، واستردادها يتطلب ملفا قضائيا غير منقوص وتحديدا دقيقا لمصيرها، وهو أمر صعب من ناحية الشكل والتنفيذ. لذا يرى رجال القانون أن "الطريق الدبلوماسي هو الحل الأنسب لاستعادة ما تم تحويله من أموال عمومية إلى الخارج"، من أجل تسهيل وتسريع العملية لأن الجزائر لا تملك اتفاقيات تعاون قضائي مع كل الدول التي قد تتواجد بها هذه الأموال. كما تطرق بيان السياسة العامة للحكومة إلى الحركية التي يعرفها قطاع العدالة لمواكبة الارادة السياسية لرئيس الجمهورية في مجال محاربة الفساد ومعاقبة المتسببين فيه والمستفيدين منه، حيث يعكف قطاع العدالة على اعداد مشروع قانون يتعلق بالسلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته. بالإضافة الى تعزيز الترسانة القانونية الهادفة الى الحفاظ على الأموال العمومية والوقاية من تبييض الأموال ومعاقبة مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج.