شرعت الجزائر قضائيا في تبليغ إنابات إلى فرنسا ضد مطلوبين للعدالة في قضايا فساد، حيث قالت مجلة "لوبوان الفرنسية" الخميس، أن القضية تتعلق بمسؤولين سابقين في نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وأكثر من مائة شخصية مقربة منه، والتي حوّلت أموالا إلى فرنسا لشراء عقارات وأملاك، وهو ما يفتح مجددا النقاش القانوني حول فرص استرجاع الدولة الجزائرية لعوائد الفساد المالي والسياسي خلال حقبة النظام السابق. وبهذا الصدد، أكد مختصون قانونيون بأن استرجاع الأموال المنهوبة من الخارج يتطلب إعادة النظر في التشريع الجزائري الخاص بكيفية وآليات استرداد الأموال من جهة ، وعقد اتفاقيات تعاون قضائي مع الدول الأجنبية التي يحوز فيها المتهمون منقولات وعقارات وشركات فضلا عن تكثيف المساعي الدبلوماسية في هذا الشأن. وأوضح المحامي نجيب بيطام بأنه يجب التفريق بين نوعين من الانابات القضائية التي أرسلت في إطار التحقيقات الجارية بخصوص ملفات الفساد، فمنها من ترسل للدول التي لها اتفاقيات تعاون قضائي مع الجزائر وغالبا –يضيف المتحدث- لا تطرح هذه الحالة أي إشكال رغم أنها قد تستغرق وقتا، لكن في النهاية ترجع الإنابات بالتحقيقات المطلوبة والإفادات المطلوبة بحصر عناصر ممتلكات الشخص المتابع قضائيا "عقارات أو منقولات ، حسابات بنكية ". وتابع المحامي:" أما النوع الثاني فيتعلق بتلك الإنابات التي ترسل إلى الجهات القضائية للدول التي لا توجد بينها وبين الجزائر اتفاقيات قضائية وعادة ما تطرح إشكالا وهذا حسب الدولة التي أرسلت إليها " وينبغي–يضيف المحامي – على الجانب الدبلوماسي أن يلعب دوره ليتدخل لدى هذه الدول من أجل تنفيذ تلك الانابات والتي قد تستغرق وقتا معتبرا. وشرح الأستاذ بيطام أن مسألة استرجاع الأموال المنهوبة تستدعي مجموعة من الخطوات، خاصة أن الكثير من الملفات ومنها قضايا الفساد التي عولجت مؤخرا قد أُرسلت فيها إنابات قضائية للخارج وأحيلت أمام القضاء الجزائري للمحاكمة وصدرت الأحكام ولم تعد الإنابات بعد سواء ما تعلق بحصر الممتلكات أو سماع الشهود أو تحصيل الوثائق، ولفت المحامي إلى مبدأ المعاملة بالمثل والذي قال إنه أكثر عامل مؤثر في مسار الإنابات المعمول بيه بين الدول، وأوضح أنه إذا كانت الدولة تربطها علاقات وتبادل في المسائل القضائية قد يسهل ذلك من مسار الإنابة القضائية لكن إذا كانت دولة لم يسبق وأن تعاملنا معها يدخل ذلك في مبدأ المعاملة بالمثل. أحكام الخليفة والطريق السيار وسونطراك ليست نهائية وأكد المحامي بيطام بأن استرجاع الأموال يدخل في إطار تنفيذ الأحكام القضائية والتي يجب أن تكون نهائية حائزة بقوة الشيء المقضي فيه، أي تكون استنفذت كافة طرق الطعن، مشيرا إلى أن قضايا الخليفة والطريق السيار لم تعد أحكامها نهائية بعد ونفس الشيء بالنسبة للقضايا التي تم الحكم فيها مؤخرا ، فمن الناحية القانونية-يضيف- لا تسترد الأموال إلا في حالة صيرورة الأحكام النهائية وإنما يمكن التحفظ والحجز عليها وهذا بحسب قوانين الدولة الموجودة بداخلها هذه الأموال ، ولفت إلى أنه في بعض الدول الغربية واستنادا إلى الاتفاقيات الدولية الموجودة يقوم قضاة التحقيق بالانتقال والتنقل للدول للإشراف على سيرورة الإجراءات ربحا للوقت لكن هذا ما لم نجده مفعّلا بالنسبة للقضاة الجزائريين، أما فيما يخص الانابات الموجهة لفرنسا، فأكد بيطام بأن فرنسا تعامل بالمثل وأنه يوجد اتفاقيات معها لكن ذلك يستدعي تدخل الجانب الدبلوماسي لتفعيلها. ومن جهته، يرى المحامي فادن محمد بأنه يمكن استرجاع الأموال والممتلكات المنهوبة في قضايا الفساد بشرطين أولهما أن تكون الأحكام نهائية والثاني أن تربط الجزائر اتفاقية قضائية ثنائية بالدولة الموجود فيها الأموال ، وشدد الأستاذ فادن على أهمية المسار الدبلوماسي السياسي لتحصيل الأموال المنهوبة موضحا بأن الاتفاقيات الثنائية بين الدول لا تضم كل المساءل والأحكام الخاصة بقضية الاسترداد، وهناك دول ترفض التعاون أو منح الأموال في حال كانت القضية أو الأحكام لها خلفية سياسية ، مشيرا إلى أن الإشكال الكبير يكمن في عدم وجود تفاصيل واضحة في الاتفاقيات فيما تعلق باسترداد الأموال بعد الحكم النهائي، فضلا عن غياب اتفاقيات مع عدد من الدول المتواجد فيها الأموال والممتلكات على غرار اسبانيا والإمارات و بريطانيا وأميركا . أغلب الإنابات في ملفت الفساد لم يتمّ الرد عليها وقال الأستاذ فادن بأنّ هناك نقص كبير في التشريع الجزائري يجب تداركه فيما يخص الآليات الخاصة باسترداد الأموال وتنفيذ الأحكام، مشيرا إلى أن معظم الأحكام وضعت لتطبق فقط في الجزائر وهذا ما يتطلب إعادة النظر في هذه التشريعات وآليات تطبيقها، وأوضح المحامي بالنسبة للانابات القضائية التي تم إرسالها في قضايا الفساد لعدة جهات قضائية في الخارج بأن أغلبيتها لم يتم الرد عليها، وما تمّ الرد فيها كانت عبارة عن توضيحات يطلب فيها القضاة أكثر توضيحات عن التهمة خاصة أن قضاة الدول الأجنبية متشددون في تطبيق القوانين ولا يمكنهم حجز أي ممتلكات دون توضيحات، وفي المقابل تتعارض هذه المعطيات وسرية التحقيق واستقلالية وسيادة القضاء في الجزائر والتي ترفض منح معلومات أكثر عن القضايا، وهو ما يجعل الإنابات في الغالب دون أي جدوى .