أولت الدبلوماسية الجزائرية اهتمامها في الآونة الأخيرة على البعد الإفريقي، ضمن توجّه جديد يواكب المتغيرات الإقليمية والدولية في المنطقة، وفق تصوّرات جديدة تعزّز دور الجزائر الإقليمي، حيث برزت ملامحها من خلال خطابات، رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، باعتبار أن إفريقيا أضحت تمثل خيارا استراتيجيا للجزائر، خاصة على المستوى الاقتصادي، من منطلق أن قوة الدول تقاس بقوة اقتصادها. وعرفت الدبلوماسية الاقتصادية للجزائر حركية جديدة مسايرة لمتطلبات العولمة ومتغيرات النظام الدولي، معتمدة في ذلك على دورها السياسي المؤثر داخل الاتحاد الإفريقي خاصة وأنها نجحت من تحقيق مكاسب دبلوماسية في القارة السمراء، تتطابق مع مبدأ التحرر من الاستعمار الذي تدافع عنه. وكسبق لرئيس الجمهورية، أن أكد في لقاء مع الصحافة، أن العمل على عودة الجزائر إلى الساحة الإفريقية يندرج ضمن أولوياته لنيل حصتها التي تستحقها من الحضور على المستوى الإفريقي سياسيا واقتصاديا، من منطلق أن "الجزائر مصيرها إفريقي وامتدادها إفريقي، ولمّ شمل إفريقيا لا يكون إلا بمساعي الدول الإفريقية". كما أن استعادة الجزائر لثقلها الدبلوماسي والإقليمي في القارة السمراء تعد من الالتزامات 54 التي تضمنها البرنامج الانتخابي، لرئيس الجمهورية، ما دفع بعديد الدول الإفريقية لتقديم طلبات للجزائر لتحريك آلتها الدبلوماسية في حل النزاعات الداخلية والخارجية على المستوى القاري. فبالإضافة إلى الدور السياسي الفعّال التي تؤديه الجزائر باقتدار بالنظر إلى تجربتها الكبيرة على المستوى الدولي في هذا المجال، فقد ركز الرئيس تبون بالموازاة مع ذلك على ضرورة تعزيز الجزائر وجودها الاقتصادي في إفريقيا، من خلال تنفيذ مشاريع مشتركة مع دول القارة، مثل أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي سينقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا مرورا بالجزائروالنيجر، والذي يوصف ب«العمل الإفريقي العملاق". وتراهن الجزائر على اطلاق مشاريع اقتصادية ضخمة، على غرار تموين إفريقيا بالكهرباء وإقامة مشاريع سكك حديدية تربط الدول الإفريقية التي ليس لديها سواحل، فضلا عن العمل على تدارك التأخر المسجل في خطوط النقل بالدول الإفريقية، حيث فتحت منذ أشهر خطا بحريا نحو السنغال، في الوقت الذي اختار فيه عديد رجال الأعمال الجزائريين إفريقيا كوجهة من أجل تنمية استثماراتهم. وعزّزت الجزائر ضمن هذا التوجه علاقاتها مع موريتانيا التي تربطها معها شراكات في مجال التنقيب عن النفط بقيادة مجمع "سوناطراك" وهي المهمة التي تمت في شمال النيجر في حقل كفرا، قرب الحدود بين البلدين، كما قامت شركات جزائرية بتصدير منتوجاتها نحو إفريقيا في مجال الإسمنت والحديد وبعض المواد الغذائية في سياق العمل باتفاقية التبادل الحر الإفريقية. وتأتي هذه الخطوات المهمة في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الجمهورية بجعل سنة 2022، سنة اقتصادية بامتياز، مراهنا في ذلك على تقوية الاقتصاد الجزائري وإنعاش الحركية الاقتصادية نحو الدول الإفريقية، باعتبار أن الجزائر بإمكانها خوض هذه المعركة وبالأخص إذا تعاونت مع بعض شركائها الذين يهتمون بالسوق الإفريقية. وأمام تهافت مختلف القوى الدولية على القارة السمراء باعتبارها وجهة واعدة اقتصاديا، فإن عديد الشركاء سيكونون بلا شك بحاجة إلى امتداد جغرافي لولوج بعض الأسواق الإفريقية، ما يتطلب وجود شريك موثوق ويتوفر على شبكة نقل واسعة وهو ما ينطبق على الجزائر التي تربطها علاقات جيدة مع عديد الشركاء سياسيا واقتصاديا. ومن أجل مواكبة هذه المعطيات بالفعالية المطلوبة، فقد رسمت الجزائر في هذا الإطار، مخططا في إطار تطوير الدبلوماسية الاقتصادية عبر إصدار ثلاثة إجراءات رئيسية، تتمثل في إنشاء مكتب للإعلام وترقية الاستثمارات والصادرات على مستوى وزارة الخارجية وتكوين الدبلوماسيين المكلفين بالشؤون الاقتصادية والتجارية على مستوى الممثليات الدبلوماسية الجزائرية في الخارج وكذا إنشاء قسم "ويب" في موقع الوزارة مخصص للدبلوماسية الاقتصادية. كما تم إنشاء شبكة المكلفين بالشؤون الاقتصادية والتجارية لتمكين المتعاملين الجزائريين الاتصال بها على مستوى الممثليات الدبلوماسية الجزائرية بالخارج، حيث يوفر هذا المكتب للمتعاملين معلومات حول المشاريع، الإعلانات عن المناقصة أو مقترحات شراكة، بالإضافة إلى تنظيم دورات تكوينية في مجال الدبلوماسية الاقتصادية، ضمن مجهودات يهدف جميعها إلى تمكين المنتوج "مايد إن ألجيريا" من اقتحام الأسواق الإفريقية بكل أريحية وتنافسية.