❊ الرئيس تبون يفعّل الدبلوماسية الاقتصادية خدمة للاقتصاد الحقيقي تحرص الجزائر على تكييف سياستها الخارجية مع التوجهات الاقتصادية الجديدة التي باتت تفرض نفسها في العلاقات الدولية، كونها أضحت من أبرز المحدّدات التي تقاس بها قوة الدول، ولأنها تنتمي إلى إفريقيا الواعدة بثرواتها الهائلة التي تتهافت عليها القوى الكبرى، فقد انتقل اهتمام الجزائر في المرحلة الراهنة من البعد الأمني إلى الجانب الاقتصادي الذي بات من أولوياتها في القارة. ولم تبخل الجزائر البتة في تكثيف جهودها مع الدول الإفريقية من أجل استتباب الأمن باعتباره شرطا أساسيا للنهوض بالتنمية الاقتصادية في القارة، حيث ساهمت بشكل كبير في إضفاء ديناميكية جديدة على آليات العمل المشترك في الجوار الإقليمي، لضمان استجابات مشتركة وفعّالة تكون في مستوى التحديات التي يفرضها خطر الإرهاب على شعوب المنطقة. وتأتي هذه القناعة بالنظر لما عانته الجزائر من تجربة مريرة في مكافحة الإرهاب، فضلا عن التحديات الأمنية التي تعرفها دول الجوار والتي تلقي بظلالها لا محالة على المنطقة ككل، والتي زادتها بلّة التدخلات الأجنبية التي أدامت عمر الأزمات. وفي ظل هذا الوضع القائم تعمل الجزائر على التخفيف من الاثار الوخيمة لهذه الأزمات، من خلال تشجيع دعم الاندماج الاقتصادي في القارة ضمن فضاء يحقق الرخاء المشترك ويسمح ببلوغ أهداف التنمية المستدامة وتعزيز دعائم السلم والأمن في المنطقة، وكذا التوجه نحو بلورة حلول إفريقية للمشاكل التي تعرفها القارة، مع تشجيع إقامة شراكات متوازنة تحترم القرارات السيادية التي تتخذها دول القارة في إطار الاتحاد الإفريقي. وفي هذا الصدد تندرج مشاركات الجزائر في الندوات الدولية من أجل الدفاع عن مصالح إفريقيا، كما كان الحال مع القمة الامريكية الافريقية، حيث مثل الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في أشغال واشنطن، حيث يراهن على الجزائر تجسيد الاجندة القارية بالنظر إلى ثقلها السياسي والاقتصادي في إفريقيا. يأتي ذلك في الوقت الذي أضحت فيه الجزائر محل اهتمام دول شريكة تتطلع لتعزيز استثماراتها في القارة، معتمدة في ذلك على دول "مفتاحية" على غرار الجزائر لقيادة القاطرة، حيث نذكر في هذا الصدد مبادرة الحزام الطريق الصينية التي تم خلالها التوقيع على الخطة التنفيذية للبناء المشترك للمبادرة والخطة الثلاثية للتعاون في المجالات الهامة 2022-2024 بين البلدين. وتراهن بكين على إشراك دول قوية في القارة من أجل إنجاح مبادرتها الاقتصادية، كأحد بدائل الاندماج في الاقتصاد العالمي الجديد، الذي بدأت معالمه في التشكل بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، في الوقت الذي تسعى فيه الجزائر وفق رؤية براغماتية للانضمام إلى التكتلات الاقتصادية الفاعلة، لتفادي التجاذبات القطبية كما هو الشأن لمجموعة "البريكس" التي ستنضم إليها قريبا في سياق تعدد الشركاء. وتعزيزا لتوجهها الإفريقي، باشرت الجزائر منذ انتخاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون جهودا حثيثةً للعودة إلى الساحة الإفريقية، عبر تحركات دبلوماسية مكثفة لإحياء علاقات الجزائر بدول القارة لما تمثله المنطقة من عمق للأمن القومي للجزائر المحاط بتوترات أمنية وسياسية، والتي كثيرا ما عرقلت تنمية القارة. غير أن ذلك لم يمنع الجزائر من تجديد قناعتها الراسخة بضرورة تبني مقاربة إقليمية، سواء تعلق الأمر بمشاريع البنى التحتية الوطنية أم المشاريع الإقليمية، من أجل دعم التوجه التكاملي والاندماجي في إفريقيا بشكل فعال وملموس، في إطار الشراكة الجديدة من أجل التنمية في إفريقيا (نيباد). وترى الجزائر في انضمام جميع أقاليم القارة وكل المجموعات الإقليمية إلى مشروع الشراكة الجديدة دليلا قاطعا على رجاحة الرؤية التي حملتها كعضو مؤسس ولا تزال تدافع عنها من أجل تحقيق أهداف أجندة القارة ل2063، خصوصا بعد دخول اتفاقية منطقة التبادل الحر الإفريقية حيز التنفيذ. كما تتجلى مساعي الجزائر في تحقيق الاندماج الإفريقي من خلال مشروع الطريق العابر للصحراء الرابط بين الجزائر ولاغوس في نيجيريا)، والمضاعف بخط أنابيب الغاز والربط بالألياف البصرية على نفس المسار. وهو ما من شأنه تعزيز البنية التحتية القارية وزيادة الإمكانات اللوجستية وتحفيز التجارة البينية في القارة، ما سيرفع مبادلاتها مع الدول الإفريقية، بالتعاون والشراكة مع دول أخرى.