اتّسم عام 2022 بالنسبة للسينما الجزائرية بمجموعة من القرارات الحاسمة، من لدن وزارة الثقافة والفنون، بل أكثر من ذلك مضيها قدما إلى تجسيد أوامر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بالشروع في إنشاء المعهد الوطني العالي للسينما، التي طالما كانت مطلبا أساسيا للنهوض بالصناعة السينماتوغرافية الحقيقية، فالمشهد الجزائري تغيب فيه عديد الاختصاصات في المهن السينمائية، التي من الأهمية أن تكون لصقل المواهب الشابة، وخلق هذه الصناعة وإطلاقها من قواعدها. في صيف2022، أعلنت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي عن الشروع في إنشاء المعهد الوطني العالي للسينما، بإيعاز من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، ضمن سياسة دعم التكوين الخاص بمهن السينما وتوفير المورد البشري المؤهل، إلى جانب تنظيم ورشة تفكيرية وطنية مع مهنيي القطاع حول واقع السينما وآفاقها، وهو ما يعكس اهتمام المسؤول الأول على البلاد بهذا القطاع الفني الإبداعي وأهميته على أكثر من صعيد. إنشاء المعهد العالي للسينما بخصوص إنشاء المعهد العالي للسينما الذي سيكون مقره بالقليعة بولاية تيبازة، عقد اجتماع في سبتمبر 2022، بين وزارتي الثقافة والفنون والتعليم العالي والبحث العلمي، ضمن التدابير المتّخذة لتنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية وبمتابعة مباشرة من وزيرة الثقافة والفنون وبناء أيضا على توصيات اللجنة الخاصة التابعة للمديرية العمومية للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري. ويعدّ المعهد الأوّل من نوعه في الجزائر، يهدف إلى إعداد وتأهيل الإطارات الفنية الدارسة للعلوم والفنون السينمائية، وتأهيل المتخرجين منه علميا وعمليا للعمل في مجال الصناعة السينماتوغرافية في مختلف التخصّصات العلمية والفنية التي توفّرها، وسيكون تأسيسه في إطار رؤية وطنية واضحة تسعى للدفاع خاصة عن الهوية الوطنية بكلّ أبعادها وحماية القيم والمقوّمات الأساسية للمجتمع الجزائري بكلّ مكوّناته، وكذا وضع أسس علمية لصناعة سينماتوغرافية وطنية جزائرية بمعايير عالمية. استرجاع الإعانات المالية ودعم المشاريع الجادة وكشفت مولوجي عن هذه القرارات والإجراءات المزمع تنفيذها، إضافة إلى مشاريع محورية تخص الفن السابع، خلال اللقاء الذي جمعها مع عدد من المنتجين السينمائيين، قصد مناقشة عديد المسائل والمشاريع ذات الصلة بمجال السينما والصناعة السينماتوغرافية. وشدّدت الوصاية على استرجاع الإعانة المالية الممنوحة للأفلام التي لم يلتزم أصحابها بإنجازها مع اتّخاذ الإجراءات القانونية في حقّ مشاريع الأفلام العالقة منذ أكثر من 10 سنوات والتي أعاقت عملية السير الحسن للدعم وحالت دون المعالجة المنتظمة لملفات الإعانة السينمائية. ومن بين الإجراءات، تسديد الأشطر المتبقية لشركات الإنتاج التي قدّم أصحابها التبريرات الضرورية لإنجاز العمل وكذا المشاريع طور الإنجاز، وهذا بعد استكمال الإجراءات اللازمة التي هي في مرحلة المصادقة عليها من طرف المصالح المختصة. وقد أعلنت وزيرة الثقافة والفنون، في ديسمبر الجاري، خلال افتتاحها لمهرجان الجزائر الدولي للسينما ال11، عن إطلاق برنامج فعّال بآليات مدروسة لعام2023، يتم بموجبها عودة دعم المشاريع السينمائية على اختلاف أنواعها، من طرف وزارة الثقافة والفنون، على أمل أن تساهم هذه الحركية الجديدة في دفع المبدعين إلى مزيد من العطاء والمنافسة الخلاقة، ليس وطنيا فحسب، وإنما دوليا، كي تعود الجزائر إلى المحافل السينمائية الكبرى، بأعمال تحفظ في السجل الذهبي للتاريخ الفني الجزائري والإنساني. ويأتي سعي الوزارة وفق مخطط محكم، لتعبر عن إرادة الدولة في الارتقاء بالفن السابع إلى المستوى المأمول، في عصر التسابق التكنولوجي والتطوّرات المتسارعة في مجالات السمعي البصري، مع الإشادة بأصالتنا وهويتنا وذاكرتنا الوطنية والثقافية. وإذ تعمل وزارة الثقافة والفنون من أجل ديمومة الإنتاج والتوزيع في مجال الصناعة السينمائية، حيث تسعى لتحقيق التصوّر الذي وضعته الدولة بخصوص السينما، والانخراط بها، في مسار يضمن ديمومة الإنتاج، والتوزيع، وتحقيق المقاربة الاقتصادية للمنتوج الثقافي ككلّ، وللسينما على وجه الخصوص، انسجاما مع توجّهات الحكومة، وتنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون. حماية الموروث السينمائي الجزائري وقرّرت وزارة الثقافة والفنون إعادة إطلاق مشروع مركز الأرشيف السينمائي بعد انتهاء الدراسة الخاصة بإنجازه، حيث سيشكّل هذا الصرح الهام إضافة قيمة للحفاظ على الموروث السينمائي الجزائري، فضلا عن رفع التجميد عن عمليتين تخصان المركز الجزائري للسينما، وتتعلقان باقتناء تجهيزات لرقمنة الأفلام وأخرى تخصّ عملية الرقمنة في حدّ ذاتها. وتسهر الوزارة، حاليا، على العناية بالموروث السينمائي الكبير للجزائر، من خلال الجرد، والترميم، والرقمنة. كما تعمل مع عدة هيئات على استرجاع الرصيد السينمائي المتواجد في مخابر أجنبية، حتى يعزّز ذاكرتنا السمعية البصرية، ويكون الرصيد متاحا للجمهور ومادة أساسية للباحثين. ودعت الوصاية الجامعة لأداء عملها في مجال الانفتاح على مجالات السينما، والاشتغال على المواضيع والأشكال بمقاربات علمية وعملية، ترافق التحوّلات الحاصلة في صناعة الأفلام، حيث أنّ للباحثين والدارسين في هذا الحقل الجمالي، دور في إثارة الأسئلة العلمية المختلفة، حول المنجز السينمائي الوطني أو العالمي، الذي يظلّ شاهدا على الإنسانية والتحوّلات التي عايشتها منذ عقود. "سولا" الأكثر تتويجا خلال عام 2022، توّج "سولا"، وهو أوّل فيلم طويل للمخرج صلاح إسعاد، بعديد الجوائز ضمن مشاركته في مهرجانات دولية، على غرار حصده ثلاث جوائز في مهرجان "إفانكا فيلم" بالبرتغال، ونال جائزتين في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، وكذلك في مهرجان جنيف الدولي للسينما الشرقية، كما حصل على جائزتي أفضل فيلم وأفضل ممثلة من مهرجان مالمو للسينما العربية في السويد، وسبق ذلك فوز الفيلم بجائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان بيروت لسينما المرأة، وأفضل فيلم في مهرجان السينما الإفريقية والآسيوية والأمريكية اللاتينية في ميلانو بإيطاليا، وافتك الفيلم أيضا جائزة أفضل فيلم عربي بمهرجان عمان السينمائي في الأردن. وتوّج الفيلم الروائي الطويل "الحياة ما بعد"، وهو الأوّل للمخرج الجزائري أنيس جعاد، بتونس بجائرة الطاهر شريعة خلال الدورة 33 لأيام قرطاج السينمائية، وتمنحها الفدرالية الإفريقية للنقد السينمائي، كما نال الجائزة الأولى في مهرجان سعيدة لأدب وسينما المرأة في دورته ال5. عودة المهرجانات...ليس كلّها بعد أن تراجع أثر وباء كورونا على الساحة الفنية والثقافية في الجزائر، كان الحدث السينمائي الأبرز هو عودة مهرجان الجزائر الدولي للسينما، أيام الفيلم الملتزم، في دورته 11، بعد انقطاع ثلاث سنوات. هذا الغياب كان حاملا للجديد، واغتنمت محافظة المهرجان الفرصة، لمنحه إضافات أخرى، إذ أدخلت مجموعة من المحاور والمواضيع، ضمن ما سمته بإضاءات، في سينما المرأة والبيئة، المقاومة والذاكرة، كما فتحت المجال لعروض أفلام جزائرية في محور "اكتشافات". من جهة ثانية، نظم مهرجان سعيدة لأدب وسينما المرأة دورته الخامسة بشكل عادي، بينما غاب كل من مهرجان الفيلم الناطق بالأمازيغية في تيزي وزو، ومهرجان الفيلم العربي بوهران، ومهرجان عنابة للسينما المتوسطية، وهذان الأخيران يواجهان صعوبات مالية كبيرة، بسبب سوء تسيير المحافظين السابقين