بعد سنتين طبعتهما الأزمة الصحية، كانت 2022 سانحة لتتنفس تظاهرات الفن السابع الصعداء، حيث شهدت هذه السنة عودة مهرجانات، وعرض أفلام، والانطلاق في تصوير أخرى. وأسهم الاحتفال بستينية الاستقلال في إعطاء جرعة أوكسجين للسينما «الثورية» التي لطالما عُرفت الجزائر بها.. ولكن ما ميز هذه السنة أكثر هو التوجه إلى دعم البنية التحتية للصناعة السينماتوغرافية، وبالأخص مدن الإنتاج السينمائي، وفق مقاربة اقتصادية، وضمن استراتيجية ينتظر أن تظهر ثمارها في المستقبل القريب. ولعلّ وزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، لخّصت الهدف من هذه الرؤية، حينما أكدت مؤخرا على «مرافقة الدولة ودعمها المتواصلين لمشاريع السينما من خلال الآليات المتخذة لسنة 2023»، والتي ستضفي «ديناميكية جديدة» وتعيد «الجزائر من جديد إلى صف التظاهرات الثقافية الدولية». بنية تحتية في خدمة الإنتاج السينمائي وعرف شهر أكتوبر الكشف عن إطلاق أول مدينة إنتاج سينمائي بالجنوب الجزائري، بمنطقة تينركوك (60 كلم شمال تيميمون)، وهو ما أعلنته حينها وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، لدى إشرافها على مراسم توقيع اتفاقية نقل ملكية مبنى برج خان القوافل الواقع بمرتفع مدينة تينركوك إلى وزارة الثقافة والفنون، ممثلة في المركز الجزائري لتطوير السينما. وأوضحت مولوجي، أن «هذه الخطوة تندرج ضمن مساعي القطاع لإطلاق أول مدينة سينمائية بالجنوب، بعد استكمال تهيئة وتجهيز هذا الموقع لاستغلاله في الإنتاج السينمائي وفق مقاربة اقتصادية». ويأتي ذلك تطبيقا لتوجيهات السلطات العليا للبلاد، بهدف تفعيل العمل السينمائي وترقية الصناعة السينماتوغرافية في الجزائر، خصوصا في الجنوب الكبير الذي يزخر بمقومات طبيعية وتاريخية هامة، ومرافق استقبال متعددة. وينتظر أن تبرمج ورشات في مهن وفنون الصورة لفائدة صناع السينما، بالتنسيق مع الجمعيات المهنية والفاعلين السينمائيين. كما سيضم «قصر السينما» مركبا للإنتاج السينمائي يتكون من عدة مرافق توفر خدمات اقتصادية متنوعة للمنتجين السينمائيين خلال إنجاز مشاريعهم السينمائية، تشمل التأجير التعاقدي للاستوديوهات ومعدات التمثيل، إلى جانب مرافقة المنتجين في اكتشاف واختيار المواقع الخارجية للتصوير السينمائي، وتوفير النقل والإيواء والإطعام للفنانين والتقنيين خلال مراحل التحضير والتصوير السينمائي بإقليم الولاية. أما مشروع «واحة السينما»، فهو قطب خاص بتصوير الأفلام بالجنوب الجزائري، يتربع على مساحة هكتار ونصف وسط المدينة، وعلى مقربة 5 كلم من واحة تيميمون، والهدف منه «مرافقة مختلف المتعاملين في مجال السينما الراغبين في إقامة مشاريع سينمائية بالمنطقة من أجل الترويج للمنطقة كوجهة للإنتاج السينمائي وتثمين قدراتها السياحية». وفي نفس الشهر، أعلن المدير العام للمركز الوطني للصناعة السينماتوغرافية، فيصل سعود مبروك، عن الشروع في دراسات أولية لإنجاز مدينة سينمائية بالمقاييس الدولية ببلدية أولاد فايت بالعاصمة. وستضم المدينة السينمائية ورشات لصناعة الديكور ومخابر معالجة الصور والفيديوهات، وكل أعمال ما بعد الإنتاج، إضافة إلى فضاءات مخصصة للإنتاج. ويبدو أن أكتوبر كان فأل خير على الفن السابع بالجزائر.. فإلى جانب ما سبق، شهد ذات الشهر إعادة افتتاح قاعة متحف السينما (سينماتيك) وسط مدينة قسنطينة، بعد عملية ترميم دامت عدة سنوات. وكان ذلك بتنظيم نشاط تحت عنوان «بانوراما ثورة التحرير في الفيلم القصير والوثائقي». وتعتبر هذه القاعة الثالثة عشرة من نوعها، التابعة لشبكة السينماتيك، التي ستدخل حيز النشاط وتسير من قبل المركز الجزائري للسينما. أفلام ستينية الاستقلال ولأن «السينما تساهم في الحفاظ على الذاكرة الوطنية والهوية الجزائرية»، كما أكدت وزيرة الثقافة مؤخرا، فقد كانت الذكرى الستون لاسترجاع السيادة الوطنية سانحة للتعاون بين وزارة المجاهدين وذوي الحقوق ووزارة الثقافة والفنون، بإطلاق تصوير ثلاثة أفلام حول نخبة من أعلام ثورة التحرير. حيث كانت عشية اليوم الوطني للمجاهد (20 أوت)، بقسنطينة، موعدا مع تصوير أولى مشاهد الفيلم الروائي الطويل حول الشهيد زيغود يوسف، والذي أوكل إخراجه لمؤنس خمار، وكتب السيناريو الخاص به احسن ثليلاني، فيما يقوم الممثل علي ناموس بالدور الرئيسي فيه. وفي أكتوبر، أعطيت إشارة انطلاق تصوير فيلم مماثل حول قائد الولاية الرابعة التاريخية، الشهيد سي امحمد بوقرة، بمنطقة اولاد بوعشرة، غرب ولاية المدية. وقد أوكل إخراج الفيلم لمخرج «هيليوبوليس»، جعفر قاسم. ومع نهاية نوفمبر، أعطيت ببلدية مشونش (27 كلم شمال شرق بسكرة) إشارة انطلاق تصوير فيلم «حامي الصحراء» للمخرجة ياسمين شويخ، سيناريو سليم سوهالي، حول حياة ونضال البطل الشهيد العقيد أحمد بن عبد الرزاق حمودة المدعو «سي الحواس». ليكون هذا الفيلم الإنتاج التنفيذي الثالث الذي أسندت مهامه للمركز الوطني للصناعة السينماتوغرافية. عودة المهرجانات سنة 2022 هي أيضا سنة العودة بالنسبة للمهرجان الدولي للسينما بالجزائر (فيكا)، المخصص للفيلم الملتزم، إذ بعد توقف دام عامين بسبب جائحة كوفيد-19، كان مطلع ديسمبر موعدا للطبعة 11 من المهرجان. وعرفت التظاهرة تتويج الفيلمين: الصربي «عدم الانحياز، مشاهد من بكرات لابودوفيتش»، والبريطاني «ليمبو»، بجائزتي أفضل فيلم وثائقي طويل وأفضل فيلم روائي طويل على التوالي. ومن المهرجانات نذكر أيضا الطبعة الثانية من مهرجان إيمدغاسن السينمائي الدولي بباتنة، الذي تأجل من مارس إلى ماي بسبب الوضع الصحي، وشهد مشاركة 29 فيلما روائيا قصيرا من 24 بلدا بينها الجزائر، اختيرت من بين 2283 فيلما وصلت هذه التظاهرة. وكان سبتمبر موعدا مع الطبعة الخامسة من المهرجان الوطني لأدب وسينما المرأة بسعيدة، بحضور كوكبة من المخرجين والفنانين السينمائيين والأدباء والروائيين الجزائريين. كما نذكر مهرجان سيدي امحمد بن عودة الدولي للفيلم الوثائقي (أو مهرجان غليزان الدولي للفيلم الوثائقي «ريفدوك»)، الذي جرت فعاليات طبعته الثانية «دورة المرحوم أحمد سعيدي» شهر نوفمبر، وشهد مشاركة 10 أفلام وثائقية طويلة و9 أخرى قصيرة تنافست على جائزة «العلفة الذهبية». مشاركات.. وتتويجات ولم تخلُ السنة المنقضية من التتويجات التي حصدتها أفلام جزائرية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، توج الفيلم الروائي الطويل «سولا» للمخرج الجزائري صلاح إسعاد بجائزة «السوسنة السوداء» لأفضل فيلم عربي بالدورة الثالثة لمهرجان عمان السينمائي الدولي بالأردن (20 إلى 27 جويلية). كما افتك «سولا» ثلاث جوائز، منها جائزة أحسن فيلم في الطبعة 26 من مهرجان «إفانكا فيلم» الذي نظم بالبرتغال الى غاية 31 جويلية. قبل ذلك، فاز «سولا» بجائزة مهرجان مالمو للفيلم العربي بالسويد (4 إلى 9 ماي) وشارك الفيلم أيضا في مهرجان بيروت الدولي لفيلم المرأة (لبنان) حيث توج بجائزة. من جهته، توج فيلم «الحياة ما بعد» للمخرج أنيس جعاد بجائزة الجمهور «الخلخال الذهبي» لأحسن عرض سينمائي من بين الأفلام المشاركة في المهرجان الوطني لأدب وسينما المرأة بسعيدة نهاية سبتمبر. وفي نوفمبر، توج الفيلم بجائزة الطاهر شريعة خلال الدورة 33 لأيام قرطاج السينمائية بتونس. وتبقى هذه مجرد عينة، في انتظار تألق أكبر للسينما الجزائرية.