نظم المتحف العمومي الوطني البحري، مؤخرا، يوما دراسيا عن "قوانين وتشريعات الجهات الوصية لحماية وحفظ التراث الثقافي البحري والمغمور بالمياه"، استعرض بعضا من مساعي الجزائر كغيرها من الدول، لتوفير الحماية القانونية للتراث الثقافي المغمور بالمياه؛ سواء من خلال التشريع الوطني أو الدولي. قدّمت الباحثة والمحامية الدكتورة في القانون الدولي للبحار والأستاذة بكلية الحقوق السيدة توتة هباز، محاضرة بعنوان "الإطار المفاهيمي للتراث الثقافي البحري الساحلي وفقا لاتفاقية اليونسكو بشأن حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لسنة 2001"، ركزت فيها على الممارسات الدولية في ما يتعلق بالمسائل البحرية، وما تقوم به الجزائر في المياه الإقليمية الخاضعة لسيادتها الوطنية. وبالمناسبة، قالت الدكتورة هباز ل«المساء" على هامش اللقاء، إن الجزائر صادقت على اتفاقية قانون البحار سنة 1982، بعدها جاءت اتفاقية 2001 لليونسكو، المتضمنة التراث المغمور بالمياه، مع تحديد أطر التراث المغمور خارج السيادة والحدود الإقليمية، على أنه تراث إنساني مشترك. وقد عملت الجزائر على تجسيد هذه المفاهيم في تشريعها وما يتناسب وهذه الاتفاقيات، علما أن الدستور الجزائري لسنة 96، نص على أن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف رئيس الجمهورية، تسمو على القانون، وتطبَّق قبل القانون العادي (الوطني). كما تناول الباحث مراد بتروني من المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، "المتحف الوطني البحري في استراتيجية تفعيل اتفاقية 2001 الخاصة بالتراث المغمور بالمياه"، أكد فيها أن هناك قوانين تغطي هذا المجال المهم من التراث الوطني، مستعرضا في ذلك، قانون الملكية، الذي هو أوسع وأقدم من قانون التراث (الأول خاص بالملكية، والثاني خاص بالحماية). كما إن هناك قوانين عديدة تناولت التراث البحري، منها قانون البحرية، وقانون الجمارك وغيرها، إضافة إلى أن القانون الجزائري أعطى وزيرَ الثقافة صفة ممثل للأمة الجزائرية، يتجاوز في صلاحياته مهمته الحكومية والرسمية؛ ما يؤهله لمهام في هذا المجال من التراث الوطني. وبالنسبة للاتفاقيات الدولية التي أمضتها الجزائر، توقف المتحدث عند الاتفاقية البحرية لسنة 1982، ثم اتفاقية اليونسكو في 2001، علما أن مفاهيمها تبنّتها الجزائر في قانونها الوطني. ويرى الأستاذ بتروني أن هناك نقائص في ما يتعلق بالتشريع الخاص بالتراث البحري، خاصة في ما تعلق بالمصطلحات مثلا، وذلك بسبب أن التفكير تم بعقلية "اليابسة" وليس بعقلية البحر؛ منه مثلا التقطيع الجيولوجي القائم من الشرق إلى الغرب (أو العكس) بدلا من الشمال إلى الجنوب (والعكس أيضا)، ناهيك عن تحديد الحدود البحرية، والأسطح البحرية، وغيرها. واستعرض المتحدث تجربة تأسيس المتحف البحري بعد الاطلاع على تجارب دولية والاستفادة من تجارب الخبراء، ناهيك عن دورات التكوين، واستضافة خبراء في الجزائر ضمن اتفاقيات، منها اتفاقية تعاون مع متاحف الولاياتالمتحدة. وكان تأسيس المتحف يتطلب رؤية لمواجهة مختلف التحديات والاستراتيجيات، وما تملكه الجزائر في أعماق بحرها وسواحلها. ومن جانبه، قدّم العقيد يوسف رمضان، الخبير القانوني المكلف بالتعاون وتثمين التراث الثقافي المغمور بالمياه، طبقا لاتفاقية 2001، تدخلا عن "التراث المغمور بالمياه، ودور قيادة القوات البحرية في حمايته"، حيث أكد أن هذا الجانب من التراث ظهر لأول مرة، سنة 1978 بأوروبا والولاياتالمتحدة، ثم توسّع إلى المجتمع الدولي ليتبناه، وصولا إلى اتفاقية اليونسكو. كما استعرض المتحدث مختلف الاتفاقيات الدولية الخاصة بالتراث البحري نتيجة أهميته؛ فالبحر يمثل 70 ٪ من كوكب الأرض. وقدّم المتحدث مخططات مصورة لطبقات البحر، منها تلك التابعة للسيادة الوطنية، والحدود الإقليمية، والطبقات الداخلية بين البحر والشاطئ؛ أي أقصى انحصار البحر وفق المد والجزر، ومياه السواحل والأحواض والموانئ، ثم أعالي البحار والمحيطات التابعة لكل الدول. وتطرق لترسانات القوات البحرية في هذا المجال، خاصة في المراقبة، وصدّ النهب، والتعاون مع حرس السواحل، والشرطة، والدرك. التدخّل الأخير كان للدكتورة آمال هجريس عن "الإدارة المستدامة للتراث الثقافي المغمور في المتوسط"، توقفت فيها عند الحطام البحري الذي خلّفته الحربان العالميتان من بواخر وبوارج حربية وطائرات، وهو ما تحوّل إلى تراث، استدعى البحث والتنقيب، مشيرة إلى أن البحر يحوي ما لا تحويه كل متاحف العالم، كما قال أحد الخبراء الأجانب.