أسقطت مذبحة مجزرة المعمداني في غزّة زيف الخطابات الأمريكية المرافعة عن حقوق الإنسان والعدالة والمساوة، ونبذ العنف وغيرها من الشعارات الرنّانة التي اعتدنا سماعها من المسؤولين الغربيين، وهم يقدمونها على شكل دروس في الديمقراطية والإنسانية لعالم ثالث يبقى في نظرهم متخلّفا وهمجيا. لا يخرج الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن سرب العازفين على سمفونية الكيل بمكيالين، وهو الذي سارع منذ اليوم الأول لإطلاق المقاومة الفلسطينية لعملية "طوفان الأقصى" في السابع أكتوبر الجاري، إلى اتهام المقاومة بالإرهاب وليقدم صراحة وعلنا كل الدعم لحليفته المدللة اسرائيل ورئيس حكومتها المتطرّف بنيامين نتانياهو في مواجهة أصحاب الأرض والحق. ومنذ اليوم الأول نظر بادين ولا يزال ينظر حتى بعد مجزرة مستشفى المعمداني للوقائع بعين واحدة هي عين نتانياهو ومن معه من مسؤوليه الصهاينة المتطرّفين والمغتصبين، ويصم آذانه أمام صرخات وأنين سكان غزّة المحاصرين من كل حدب وصوب. فلم يتوان في تحويل الضحية إلى جلاد والجلاد إلى ضحية، وأكثر من ذلك منح بتأييده اللامتناهي للرواية الاسرائيلية، الضوء الأخضر للجلاد ليواصل نهش ضحيته، مقدما له الوسائل اللازمة من دعم عسكري ومالي ومادي ومعنوي ليقضي عليها نهائيا. فكانت النتيجة مروعة وصادمة لخصتها مذبحة مشفى المعمداني أول أمس، في غزّة والتي راح ضحيتها أكثر من 500 شهيد ومئات الجرحى غالبيتهم من الأطفال والنساء سقطوا ضحية قصف صهيوني أعمى وهمجي تجرد من كل معنى الإنسانية. والمفارقة أن بايدن كان قد أبان بأن له قلب ينفطر عندما شاهد - كما زعم هو ومن معه في البيت الأبيض- صورة مفبركة قدمت على أنها لطفل اسرائيلي قيل إن مقاتلي "حماس" أحرقوه، قبل أن يتضح زيف ادعاءاتهم، بعد أن اكتشفوا الحقيقة على أن الأمر يتعلق بكلب يعالجه بيطري تم تحويله بواسطة الذكاء الاصطناعي. لكن قلبه لم ينفطر أمام صور ومشاهد مئات الرضّع والأطفال الفلسطينيين الذين قطعتهم آلة الدمار الصهيونية إربا إربا، ومزقت أجسادهم الصغيرة وبعثرت أشلاءهم ولم ترحم براءتهم وحرمتهم من حقهم الطبيعي في الحياة، فهل شاهد الرئيس الأمريكي، هذه الصور المروعة والمشاهد الصادمة أم أنه غض الطرف عنها ككل مرة، أم أن الأمر اختلط عليه لكبر سنّه فظن أنها من توقيع المعارضة التي تسعى اسرائيل جاهدة لتشويه صورتها وإلصاق تهمة الإرهاب بها، وهو ما راح يطبل له أمس، في اسرائيل عندما تبنّى مجددا من دون أي خجل الرواية الصهيونية المزيفة، التي تزعم بأن قذيفة للمقاومة خرجت عن مسارها فسقطت على المستشفى، في سعي مذل وبغيض تريد من خلاله اسرائيل وبدعم من بايدن، غسل أيديها من دماء هؤلاء، وأي صاروخ الذي تملكه المقاومة الفلسطينية يمكن أن يلحق كل ذلك الدمار والخراب الهائلين وتفتيت جدران المشفى، لتلتهم النيران كل ما فيه وتخلّف مجزرة بتلك الصورة المروعة التي شاهدها العالم أجمع. مهما كان الأمر فبادين الذي طار على عجالة إلى اسرائيل لينقل ويطمئن بنفسه نتانياهو باستمرار دعم الولاياتالمتحدة له حتى وهو يقتل الأطفال والمدنيين، يطبق حقيقة أن "الولاياتالمتحدة مع اسرائيل ظالمة أو مظلومة" بفارق أن اسرائيل دائما ظالمة باعتداءاتها وانتهاكاتها وجرائمها ومجازرها ومذابحها في حق الفلسطينيين، لكن ما لم يضع له بايدن ومن مثله حسبانا، هو أن التاريخ لا يرحم ويكتب عن موقفه ودعمه المخزي للكيان الصهيوني الغارق في بحر من دماء الفلسطينيين، ليكون بذلك قد لطخ صورة الولاياتالمتحدة وأفقدها صفة الديمقراطية الحقة، وصفة الدولة العظمى التي تدافع عن حقوق الإنسان التي يروج لها.