❊ "صينية الأعراس" لا تفرق بين الغني والفقير ❊ القهوة "المصبطة " مطلب لا بد منه ❊ ثمن "صينية القهوة" لا ينزل عن 100 ألف دينار ❊ "قهوة العصر" تاريخ عريق بدلالات عميقة تبقى عاصمة الشرق الجزائري رغم التطور والانفتاح على العالم، تحافظ على موروثها المادي والثقافي، حيث لازالت المدينة وفية لعاداتها وتقاليدها التي لم تندثر إلى حد الساعة، والتي تدل على أصالة وعراقة بلد بكامله؛ فصينية قهوة العصر القسنطينية، بكل حلوياتها وتفاصيلها، لاتزال شاهدة على ذلك، كما لايزال "السني" شاهدا على كرم الضيافة، و"عرضة الهمة و الشان" في الأعراس القسنطينية رغم الغلاء الذي مس أسعار الحلويات. تُعد الحلويات التقليدية القسنطينية بصبغتها الأصلية، من العادات والتقاليد التي تحافظ عليها الأسر؛ فهي جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي؛ إذ تمثل قيما ثقافية واجتماعية مهمة، ومعنى عميقا في الاحتفالات والأعراس، فهذه الأهمية الثقافية باتت تشجع على الاستمرار في إعداد هذه الحلويات التي ذاع صيتها عبر التراب الوطني، بل وعرفت انتشارا واسعا حتى في دول مختلفة من العالم، بفضل حرفيين ومختصين، وحتى موهوبين باتوا يتنافسون على تحضيرها، بل وتقديمها، والترويج لها في أحلى حلة عبر وسائط التواصل الاجتماعي. ولاتزال العائلات القسنطينية تحافظ على تقاليد "الصينية القسنطينية" التي لم تتغير منذ عشرات السنين، حيث تعرف صينية القهوة باسم "المَجْمَرَة"، وهي عبارة عن صينية مستديرة مصنوعة من النحاس أو الفضة. وتُعد صينية القهوة جزءا مهمّا من ثقافة القهوة في قسنطينة. وتُستخدم الصينية في تقديم القهوة للضيوف. وهي رمز للكرم والضيافة، وعادة ما تكون مزخرفة بزخارف ذات طابع إسلامي، وأخرى مستوحاة من التراث المحلي. وتوضع بها أجمل أطقم القهوة، تزيّنها صحون الحلويات التقليدية، وفي مقدمتها "المقرود" الذي يُعد "سلطان" الصينية، كما يصطلح على ذلك أهل قسنطينة. وإلى جانبه "البقلاوة" و"الغريبية" إضافة إلى "طمينة اللوز"، ، "القطايف"، و "كعك النقاش" وغيرها من الحلويات المشهورة. "صينية قسنطينة" مقدسة.. تخصَّص لها مبالغ باهظة لاقتنائها رغم أن الأواني المنزلية في مجملها، تشهد ارتفاعها فاحشا في الأسعار، إلا أن السيدات يحرصن على اقتناء الصينية بلواحقها. وتكلف أصغر صينية ما بين عشرة آلاف دينار وأكثر حسب حجمها ومقاسها وثقلها، حتى تصل إلى حدود 45 ألف دينار أو أكثر. أما بالنسبة للواحقها؛ من سكرية، ومرش، وحامل ملاعق، وحامل مناديل، فلا يقل ثمنها عن 4500 دينار، فيما يبدأ ثمن الفناجين من 9 آلاف دينار، بينما يتعدى ثمن "الكاضمات" والأباريق 12 ألف دينار، بدون الحديث عن الصحون، وحاملات الحلوى التي يزداد ثمنها يوما بعد يوم، وهو ما يجعل صينية القهوة بأوانيها تكلف في حدود 100 ألف دينار، إلا أن السيدات لا يتوانين عن ابتياعها لاستقبال ضيوفهن. كما أكدت الكثيرات باستهزاء، أنه "شر لا بد منه". حرفيات يروّجن للحلويات في مواقع التواصل الاجتماعي وعن الترويج للحلويات التقليدية، أكدت لنا المختصة والحاصلة على عشرات الشهادات في مهرجانات وطنية ودولية، "رشا منزر"، أن العديد من الحرفيات المحترفات منهن، تمكن خلال السنوات الأخيرة، خصوصا عبر صفحات "فيسبوك" و«أنستغرام" إضافة إلى قنوات "اليوتوب"، من تقديم صورة مميزة عن الحلويات التقليدية، التي أصبحت بفضل لمسة عصرية متقنة، أقرب ما تكون إلى لوحات وتحف فنية. وبغية الظفر بأكبر عدد من الطلبيات، تحرص جل الحرفيات المختصات في صناعة الحلويات، على تقديم صور مميزة لصنيع أناملهن بدقة عالية، تعكس أصالة المطبخ القسنطيني بصفة خاصة، والجزائري بصفة عامة. مهنة متوارَثة جيلا بعد جيل وتأبى الانقراض تعرف الحلويات التقليدية رواجا كبيرا، بل وانتشارا واسعا خاصة في الآونة الأخيرة بعد ظهور كثير من الحرفيات، اللواتي تمكنّ من إعادة إظهارها من جديد والترويج لها، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وعن سبب عودة الاهتمام بهذه الأنواع التقليدية، أوضحت المختصة في الحلويات التقليدية القسنطينية، الشاف "رشا منزر"، أن العائلات بقسنطينة مازالت متمسكة بالحلويات التقليدية التي تزين الصينية؛ سواء خلال المناسبات الدينية كعيدي الفطر والأضحى، أو الأعراس، أو احتفالات النجاح أو غيرها من المناسبات؛ فهي تتصل بعراقة المجتمع الجزائري، مشيرة إلى أنه مهما طرأت على الحلويات التقليدية من تعديلات من حيث الشكل واللون والذوق، إلا أن اللافت أن الحلويات التقليدية بقيت صامدة أمام أنواع لا تُعدّ ولا تُحصى من الحلويات العصرية، بديكوراتها المستحدثة. وأضافت محدثتنا أنه رغم المنافسة الشرسة من الحلويات العصرية أو كما يطلق عليها "حلويات بريستيج" التي اقتحمت الأعراس والمناسبات والولائم مؤخرا، إلا أن الحلويات التقليدية القسنطينية تبقى حاضرة بقوة، ورمزا من رموز هويتنا وتراثنا، كما تبقى اختيار أصحاب الذوق المميز والرفيع، حسب المتحدثة. وأشارت المختصة إلى أن الظروف الاقتصادية دفعت بالكثيرين إلى التوجه مجددا، نحو تحضير الحلويات التقليدية في البيوت على حساب عشرات أصناف الحلويات الجديدة، مبررة ذلك بالقدرة الشرائية للمواطن. فبعض الأنواع العصرية، كما قالت، "غير صحية، وتتضمن الكثير من الملونات والمنكهات، بالإضافة إلى كميات معتبرة من عجينة السكر، فضلا عن تكلفتها العالية، والتي ترجع إلى الاستخدام المفرط للمكسرات في تحضيرها، حيث تكلف القطعة الواحدة من بعض الأنواع 150دج"، لتشير الحرفية رشا إلى أن سبب زيادة الطلب على الحلويات التقليدية وبالأخص "المقرود" و"البقلاوة" و"طمينة اللوز"، مكوناتها، خاصة ماء الزهر والورد المقطر بطريقة تقليدية دقيقة بأنامل قسنطينية، وهو مكون يدخل بشكل أساسي، في تحضيرها. "صينية الأعراس" القسنطينية لا تفرق بين غني ولا فقير رغم ارتفاع أسعار المواد الأولية المستخدمة في صناعة الحلويات التقليدية القسنطينية، سواء ما تعلق بالمكسرات وفي مقدمتها الجوز واللوز الذي يُستخدم في صنع "البقلاوة" و"طمينة اللوز"، وحتى عجينة التمر الخام أو كما تسميها القسنطينيات ب "غرس البطانة" لصنع "المقرود"، وكذا ماء الزهر والورد المقطرين، غير أن العائلات لا تتنازل عن "البقلاوة" في أعراسها، ولا عن "المقرود" و"طمينة اللوز" ولو لجأت إلى الاستدانة من أجل تحضيرها وتقديمها في أعراسها لضيوفها، متبعين مقولة "لازم نحمر وجهي"، و"العرس مرة فلعمر"، فنجد صينية الأعراس، و"صينية الطهارة" الخاصة بحفل "الختان" تختلف عن "صينية النجاح" أو "صينية النفاس" الخاصة ب "الاحتفال بالمولود الجديد"؛ إذ إن الأولى يقدَّم فيها "المقرود" و"القطايف" و"طمينة اللوز" و"الغريبية" وكذا "الصابلي"، الذي أُدخلت عليه تعديلات "البريستيج". أما "صينية البقلاوة" في الأعراس القسنطينية فتحضّرها أم الفتاة العروس، أما أم العروس الرجل فتكتفي بتحضير "القطايف" بدل "البقلاوة" في يوم الزفاف، عندما يتم إحضار الزوجة إلى منزل الزوجية. ويحدث العكس في عرس الفتاة أو حنّتها، عندما يستقبلون أهل الزوج، الذين يحضرون معهم "البقلاوة "، فيما تحضر أم العروس "القطايف". صينية الحلويات التقليدية تختلف باختلاف المناسبات لعل ما يميز الصينية التقليدية تنوع حلوياتها التي تختلف من مناسبة لأخرى؛ إذ نجد الحلويات التي توضع في صينية الأعراس تختلف عن التي توضع في صينية الأعياد من حيث الأنواع، وحتى الأشكال والألوان؛ فصينية الأعراس قد تضم البقلاوة و"طمينة اللوز" و" المقرود" و " الغريبية" ونوعا آخر من حلويات العجينة؛ على غرار "الصابلي"، وكذلك نوعا من أنواع الحلوى التي تحضَّر بدون فرن؛ على غرار "البنيون" على اختلاف شكله ومكوناته، إلى جانب المربى، الذي يكون حتما بفاكهة الموسم، ك"مربى الفراولة، والكرز، والسفرجل، والتشوينة" وغيرها من الأنواع التي منها مستحدثة، لتضم بذلك الصينية 7 أنواع من الحلويات. وفي عيد الفطر، تتفنن السيدات في تحضير أنواع مختلفة من الحلويات الثقيلة نوعا ما؛ فبخلاف "المقرود" و"الغريبية"، تكون حلوى المكسرات حسب ذوق كل سيدة ورغبة أفراد عائلتها "بقلاوة، قطايف، طمينة اللوز، طمينة الجوز، صامصة، بوراك الرنة" وغيرها، إلى جانب أصناف أخرى. أما صينية عيد الأضحى فتكون فيها جل الحلويات البسيطة وغير المكلفة ك"الصابلي" و"الكروكي". وأما صينية النجاحات والاحتفالات الخاصة، فنجد أن الغالب فيها هو حلويات "البريستيج" بالنظر إلى عدد الضيوف غير الكبير؛ مما يجعل السيدات يبدعن في تحضير حلويات مختلفة وفق ذوق ورغبة الناجح من أبنائهن. "صينية قهوة العصر".. نكهة متوارَثة منذ قرون ومع كل هذا الزخم تبقى "قهوة العصر" في قسنطينة، عادة اجتماعية عريقة تمتد جذورها إلى القرن التاسع عشر؛ حيث تجتمع النساء أو العائلة في قسنطينة بعد صلاة العصر، لشرب القهوة وتناول الحلويات، والتحدث مع الأصدقاء والعائلة، كنوع من أنواع "السناك" الحلو باللغة الحديثة. ويعود أصل "قهوة العصر" في قسنطينة، حسب بعض المؤرخين والعارفين من أعيان المدينة، إلى أحمد باي، الذي كان يجتمع بزوجاته الأربع وابنته الوحيدة بعد صلاة العصر، لشرب القهوة وتبادل الحديث. وسرعان ما انتشرت هذه العادة بين الناس في المدينة، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الثقافة القسنطينية. وفي الوقت الحاضر، تُعد "قهوة العصر" في قسنطينة، نشاطا اجتماعيا شائعا، عادة ما تكون "قهوة العصر" في قسنطينة، عبارة عن قهوة عربية قوية مصنوعة من أجود أنواع البن، يتم تقديمها مع الحلويات التقليدية المتوفرة لدى ربة البيت، أو مرفقات أخرى بخلاف الحلويات؛ سواء "البسيطة أو الثقيلة" على غرار "كسرة رخسيس"، و " السمنيات" أو "المسمن"، و " السفنج" وغيرها، إلا أن ما يميزها هو "مرش الزهر"، حيث تعبق رائحة القهوة الساخنة وقطرات الزهر المقطر الموضوعة داخلها، المنزل، مخلفة "نوستالجيا" مميزة لهذا النشاط الاجتماعي. و"قهوة العصر" في قسنطينة فرصة للالتقاء الناس والتواصل مع بعضهم البعض. كما إنها فرصة للاسترخاء والتمتع ببعض الوقت مع الأحباء، بعد يوم طويل من العمل. وعادة ما تبدأ قهوة العصر في قسنطينة في حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر، وتستمر حتى الساعة السادسة أو السابعة مساء، حسب الموسم أو الفصل. وتتميز هذه الجلسة بنكهة خاصة وسط العائلات القسنطينية، والتي اعتاد عليها سكان سيرتا منذ القدم. وعلى الرغم من التطور التكنولوجي الحاصل وتغير بعض العادات والتقاليد المعيشة، لايزال وقت "قهوة العصر" يحافظ على طقوسه؛ حيث تجتمع العائلة بكاملها خاصة مع رجوع الأطفال من المدرسة، فتقدَّم القهوة في صينية من النحاس مع الحلويات التقليدية المحضرة في المنزل. ويبقى ارتشاف "قهوة العصر" من الأمور المقدسة وسط العائلات القسنطينية، التي لا يمكنها الاستغناء عنها. تسميات طريفة وعادات قديمة حول "صينية القهوة" لاتزال بعض التعابير والتسميات الطريفة تطلَق على القهوة منذ القدم؛ حيث إن هناك بعض التعابير المرتبطة بقهوة العصر، فعندما تقدَّم هذه القهوة بدون حلويات وتكون مقتصرة فقط على الزبدة والمربى المصنوع بالمنزل كمربى المشمش أو السفرجل، يطلَق عليها "صينية حفيانة" لغياب الحلويات. وإذا كانت تحوي بعض الأنواع من الحلويات فيقال عنها "صينية مصبطة" نسبة إلى "الصباط" أو الحذاء؛ فالذي ينتعل الحذاء أحسن من حافي القدمين. وإذا ما كانت القهوة التي تحضّرها ربة العائلة أو ابنتها ثقيلة؛ بمعنى فيها الكثير من البن، نقول عنها ثقيلة كي "التلوة "، أو يقول من يرتشفها "إنها قهوة سميكة؛ بحيث يستطيع صرصور المشي فوقها منتعلا قبقابا بدون أن يهوي بقعرها (قهوة يمشي عليها قرلو بالقبقاب)، ويقال عن القهوة الخفيفة "ماء ساخن وزغاريد"، أو بلا وجه.