دعا المشاركون في الملتقى الوطني حول الصناعات والحرف التقليدية بين الواقع والمأمول، إلى تشجيع ودعم فكرة "صُنع في الجزائر" للصناعات التقليدية؛ لحمايتها من السرقة، مع مراجعة المنظومة القانونية التي تنظم قطاع الحرف التقليدية، واستغلال الصناعات التقليدية في الترويج للسياحة الجزائرية. أوصى المشاركون في الملتقى الوطني الذي نظمته مؤخرا، كلية الحقوق بجامعة الإخوة منتوري بقسنطينة والذي جاء ليعالج إشكالية وأسباب عزوف الشباب عن الحرف التقليدية كقطاع بديل قادر على خلق الثروة، بالعمل على تشجيع المؤسسات الناشئة الحرفية، ودعم الأفكار المبتكرة من الشباب، مع التنسيق بين الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية في مجال ترقية الصناعات التقليدية ومختلف الهيئات العمومية، خصوصا الجامعات؛ باعتبارها شريكا اقتصاديا لدعم وتحفيز الابتكار، فضلا عن تأسيس مراكز حرفية لتدريب وتطوير مهارات الحرفيين المبتدئين والمهتمين في المجال، بالتنسيق مع الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية. وطالب المشاركون في الملتقى، حسب رئيسة لجنة التوصيات الأستاذة سوسن بوصبيعات، بتشجيع إنشاء جمعيات ولائية ووطنية تعنى بالصناعات التقليدية والحرف اليدوية، بالتنسيق مع الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية، هدفها نشر الوعي المجتمعي، مع الحفاظ على مثل هذا النوع من الصناعات، والتعريف به، وخلق التنافسية بين المؤسسات المصغرة في مجال ترقية الصناعات التقليدية والحرف، التي تؤدي دورا كبيرا في إظهار صناعات وحرف تقليدية جديدة، داعين إلى تحفيز الحرفيين على إقامة صالونات ومعارض وطنية، مع المشاركة الدولية في مختلف التظاهرات؛ بغية إحياء التراث الثقافي، والتعريف به ودعمه، فضلا عن التنسيق بين الحرفيين ومعاهد ومراكز التكوين؛ بغية تجسيد الثقافة الحرفية عند الشباب عن طريق فتح عروض تكوين متخصصة في مثل هذا المجال. من جهة أخرى، أجمع المشاركون في الملتقى الذي عرف مشاركة حقوقيين من عدة جامعات وبعض صناديق الدعم، على أن ضعف تحديث ومراجعة النصوص القانونية التي تحكم قطاع الصناعة التقليدية بالجزائر وإلى غاية اليوم، لم يعد يواكب المستجدات والتوجهات الجديدة، مطالبين بإثراء قائمة نشاطات الصناعات التقليدية المنصوص عليها منذ 1997، والتي عُدّلت مرة واحدة فقط بموجب المرسوم رقم 07/339، مع الارتقاء بدور الحرفي؛ من خلال إلغاء طرق الدعم المباشرة من الدولة، التي دفعت الحرفيين لأن لا يعملوا بمنطق سوق المنافسة، وإنما بمنطق الاتكالية. تكوين الحرفيّ على أساس منطق المنافسة والربح ضرورة قال المختصون والمشاركون في الملتقى، إن المعارض التي يشارك فيها الحرفيون تجعل منتجاتهم تكتسي الطابع الفلكلوري أكثر من الطابع التنافسي؛ الأمر الذي يستدعي، حسبهم، تكوين الحرفي على أساس منطق المنافسة والربح، مؤكدين أن الحرفيين الذين ليس لهم علاقة مباشرة بالتراث هم وحدهم الذين يعملون بهذا المنطق؛ إذ طالبوا بوضع نظام لحماية الصناعات التقليدية والحرف التي لها علاقة مباشرة بالتراث، بالتنسيق مع الوكالة الوطنية للحرف التقليدية والمعهد الوطني للملكية الصناعية؛ من أجل تتبّع الموروث الثقافي اللامادي، الذي هو في طور الاندثار والزوال، مع تعزيز الدعم غير المباشر للحرفيين؛ للخروج من دائرة الاتكالية، وتبنّي منطق السوق والمنافسة، لتكون المؤسسات الحرفية شريكا فعالا في التنمية الاقتصادية. ومن جهتها، أكدت رئيسة جمعية رواد الأمل لذوي الإعاقة والأخصائية النفسانية نسيمة يسعد، في مداخلتها حول البحث في سبل تفعيل الاقتصاد الاجتماعي لفئة ذوي الإعاقة، أن المعاقين يواجهون مشاكل كثيرة في المجتمع، أهمها التمييز العنصري في التعليم، والتكوبن، والعمل. وقالت إن من بين 100 شخص تقدموا لطلب عمل في العالم العربي، تم استبعاد حوالي 82 ٪ من النساء عامة، من بينهن 77 ٪ من النساء ذوات الإعاقة الخفيفة، و25 ٪ من الذكور ذوي إعاقة خفيفة، وهو ما دفع بهم كجمعية تعنى بهذه الفئة، إلى العمل على تأطير وتكوين هذه الفئة في مجال الحرف اليدوية والصناعات التقليدية؛ لأنها لا تتطلب جهدا كبيرا ولا حتى رأس مال ضخم، ولا تحتاج إلى محل تجاري. وأوضحت المحاضرة أنهم كجمعية، قاموا بتجربة على مستوى المركز النفسي البيداغوجي الخروب في المدينة الجديدة علي منجلي، سنة 2018، من خلال إنشاء قسم مكون من 8 أطفال من ذوي الإعاقة الذهنية، خاص بالصناعات التقليدية، وهي التجربة التي لاقت نجاحا كبيرا، خاصة في مجال صناعة الحلي، والأكسسوارات، والرسم على الزجاج، والتي عرفت نجاحا كبيرا. ودعت المتدخلة إلى تحسيس رجال الأعمال وأصحاب الأموال بضرورة دعم إنشاء مشاريع خاصة لذوي الإعاقة، مع العمل على تفعيل مساهمة ذوي الإعاقة في قطاع الصناعات التقليدية؛ من خلال مرافقة الجمعيات فعليا، لتكوينهم، وإيجاد الإطار القانوني لإدماج وتكوين ذوي الإعاقة الذهنية في هذا القطاع، فضلا عن تحيين قوائم الإحصائيات لذوي الإعاقة الحرفيين، وتفعيل آليات لإنشاء مراكز المساعدة عن طريق الورشات المحمية. أما مفتش قسم الصناعة التقليدية ورئيس مهمة تفتيش أنشطة الصناعة التقليدية بمديرية السياحة والصناعة التقليدية لولاية قسنطينة، ياسمينة عيبش، فأكدت أن قطاع الصناعة التقليدية هو أحد القطاعات الواعدة التي توليها الدولة الجزائرية اهتماما متزايدا نظرا لما يتيحه من فرص لتحقيق تنمية محلية مستدامة، بفضل مرونته في استقطاب اليد العاملة، ومساهمته في الدخل الوطني الخام، وحمايته للموروث الاجتماعي والحضاري للبلاد. وأضافت المتدخلة أن توفير التأطير القانوني والتنظيمي لقطاع الصناعة التقليدية، أفضى إلى إنعاشه؛ من خلال تذليل بعض العقبات أمام تطويره وترقيته؛ بهدف جعله رافدا أساسيا من روافد التنمية المحلية؛ فهو محرك لسوق العمل، ومساهم ثابت في الناتج الوطني الخام. وأكدت أنه رغم الجهود المبذولة على المستويين المركزي والمحلي، يبقى القطاع بحاجة إلى تفعيل وتنقيح الترسانة القانونية الخاصة به؛ حتى لا يبقى دوره محصورا في حماية الإرث الحضاري للأمة الجزائرية بالنظر إلى المقومات التي يزخر بها، والتي تخوّل له لعب دور محوري كقطاع اقتصادي يمكن أن يشكل قاعدة صلبة ترتكز عليها بقية القطاعات للنهوض بالاقتصاد الوطني، إذا ما أُولي مزيدا من الاهتمام.