اختيار عنوان "رحلة في قلب الألوان" لمعرض ماريا التسوفا وكمال بلطرش، مقصود وبعيد عن كل عفوية، باعتبار أنّ لوحات الزوجين المعروضة حاليا برواق "محمد راسم" مفعمة بالألوان التي تغمر الجزائر وتعبّر عن تنوّعها الجغرافي والثقافي المميزين، تعبرّ الفنانة ماريا التسوفا عن حبها للجزائر، بلدها الثاني، من خلال رسمها لمعالمها ومناظرها الطبيعية ونسائها ورجالها، فهي منبهرة فعلا بكلّ هذا التنوّع الذي تتميّز به الجزائر بعد أن تعرّفت عليها حينما استوطنتها رفقة زوجها كمال بلطرش، مخلّفة وراءها بلدها روسيا، تنوّع ألهمها فعلا، فالجزائر القارة، مصدر خصب للفنان التشكيلي الذي يرسم أوجهها المتعدّدة والتي قد تكون مختلفة عن بعضها البعض إلى درجة كبيرة جدا، وفي هذا رسمت ماريا لوحات صغيرة وكأنّها بطاقات بريدية عن بعض معالم الجزائر مثل القصبة ومساجدها العتيقة والبحرية والبحر، لتؤكّد الفنانة تعلّقها الكبير باللون الأزرق الموجود بكثرة في الجزائر خاصة في بحرها الجميل وسمائها الهادئة. ودائما مع البطاقات، رسمت ماريا تمثال الأمير عبد القادر والعديد من أبواب البهجة الشامخة ومن بينها باب رسمت نفسها بجواره، فهي تهوى التجوّل في الجزائر العاصمة تحديدا ورسم كل ما يحلو لها، وغمر اللون الأزرق العديد من لوحات الفنانة، وها هو غامق لحدّ كبير في سماء غرداية التي اختارت ماريا أن ترسم بناياتها التقليدية بألوان مختلفة، في حين اختلفت تدرّجاته في لوحات عن منطقة سياحية تتوزّع فيها شاليهات البحر، بالإضافة إلى لوحات أخرى أبرزت فيها الفنانة تناغم البنايات بزرقة ميناء الجزائر. وتهتم ماريا كثيرا برسم المرأة الجزائرية، طبعا لأنّها من بني جنسها وكذا لأنّها سفيرة اللباس التقليدي وحليّ المنطقة التي تنحدر منها، وهكذا رسمت بوتري كبير للمرأة القبائلية ترتدي جبة زرقاء مزركشة بالألوان المعتادة في هذا اللباس، كما تضع حليا تقليديا أيضا، غير بعيد عنها نجد المرأة الترقية التي رسمتها ماريا بكلّ عناية خاصة وأنّها تعشق صحراء الجزائر، وفي هذا رسمت أيضا طقوس الفرح عند التوارق مثل لوحة رسمت فيها ترقيات يضربن على الطبول، بينما رسمت ماريا في أكثر من لوحة المرأة العاصمية ترتدي حايكا ناصع البياض. وبأسلوب انطباعي، رسمت ماريا غروب الشمس من حي بالعاصمة، وكذا من عدّة مناطق من الجزائر، كما لم تستثن رسم الرجل في أعمالها مثل بوتري لرجل من التوارق. من جهته، يعرض الفنان كمال بلطرش مجموعة من لوحاته الجديدة، من بينها لوحة رسمها لأجل القدس، يظهر فيها رجلا يحمل علم فلسطين ويلوّح به تجاه القدس، وكذا لوحة تملؤها الرموز البربرية نسبة لاحتفالنا بعيد يناير، كما رسم في العديد من لوحاته التي سبق وأن عرضها في فعاليات أخرى، امرأة تدير لنا ظهرها وأخرى تتأمّل فينا وثالثة تغمض عينيها، جميعهن عاريات وفي نفس الوقت مستورات بريشة كمال الذي اعتبرهن مصدرا للحياة خاصة بعد جائحة كورونا، كما تلقى الرجل مصير المرأة أيضا إذ رسمه كمال عار أيضا وستره بمجموعة من الأشكال والألوان، وكأنه انبعث من الحياة مجددا. واهتم كمال بلطرش برسم المرأة بزيها التقليدي مثل الجبة القبائلية والكراكو العاصمي، ويعود ذلك إلى تخصّصه كسينوغراف سواء في التلفزيون الجزائري أو خلال عمله في فيلم "جبل باية"، ويعرض الفنان أيضا لوحات بتقنية الأكورال حول معالم ومناظر جزائرية مثل القصبة والبحرية والصحراء، في حين رفض وضع عناوين للوحاته، تاركا هذا المجال لزوّار المعرض لكي يطلقوا العنان لمخيّلاتهم ويقدّموا تفسيرات ذاتية لكلّ لوحة راقت لهم.