لا تزال قلوب الجزائريين معلّقة مع غزة ومقاومي غزة وشهداء غزة التي تقدّم أسمى صور الصمود والثبات للعالم القابع تحت نير الخذلان والتواطؤ، ومثلما لم تتوان الجزائر شعبا وقيادة في تجديد موقفها الثابت من "القضية الأم" على جميع المستويات، كان للفن نصيبه من خلال حفل "سلاملفلسطين" الذي اختزل المسافات وترك العنان للكلمة المؤثرة واللحن القويّ الذي دوى بأوبرا الجزائر "بوعلام بسايح"، سهرة أوّل أمس، مجسّدا التضامن اللامشروط مع "غزة الشاهدة والشهيدة". رفرفت غزة الجريحة، التي تواجه الإرهاب الصهيوني وحربه العرقية بصمود ومقاومة، عاليا سهرة السبت، وكانت حاضرة في كلّ نفس وكلّ إيحاءة وكلّ إيماءة، كيف لا وهي التي تقدّم كلّ يوم، دروسا في التضحية، والتشبّث بالأرض، وتعطي البشرية أسمى صور الإيمان، ومن أجلها اجتمع الفنانون الجزائريون في صفّ واحد معلنين وقوفهم على قلب واحد نبضاته غزاوية، واستمع الرسمي والمثقف والبسيط إلى آهات تترجم الإصرار على "النصر أو الشهادة". «سلاملفلسطين" هو التفاتة فنية لمست أديم السماء، حيث أشارت وزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، في تقديمها للحفل إلى الجزائر تقف اليوم بدار الأوبرا لترفع واجب الوفاء للأخوة العميقة بين الشعبين الجزائريوالفلسطيني ولترافع في الوقت نفسه للقضية العادلة والإنسانية بلغة الفن والموسيقى واللحن الشجي والكلمة، وهي من دون شكّ السفير الأمثل لإيصال آلام الجراح وأهات الثكالى ودموع الأطفال إلى قلوب أحرار العالم وإلى أولئك الذين لا زالوا يقفون في صفّ المعتدي أو اختاروا الحياد، وأضافت أنّ هذا اللقاء الفني الكبير سيحشد كلّ الدعم المعنوي للشعب الفلسطيني برمزية منقطعة النظير تؤكّد تضامن الجزائر الثابت مع الشعب الفلسطيني الشقيق، وقالت "في هذه الوقفة التاريخية والتضامنية نحيي في الفلسطينيين شجاعتهم وكفاحهم". وقبل بدء الحفل، أشارت مولوجي، على الهامش، إلى أنّ "قرابة 150 فنان قد أدوا أعمالا حول القضية الفلسطينية التي قال عنها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إنّها قضية وطنية بامتياز". وأضافت أنّ "صوت الفنانين سيكون لمواجهة الظلامية والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان الذي يتعرض له إخواننا الفلسطينيين في غزة"، موضّحة "إمكانية إعادة تنظيم مثل هذه الفعاليات الفنية التضامنية مع فلسطين ..". «قوة القدر" للموسيقار الإيطالي جوسيبي فيردي (1813 - 1901)، المتميزة بقوَّتها وبلحنها الذي يرمز إلى القدر، كانت المستهل مع عازفي الأوركسترا السنفونية الوطنية بقيادة المايسترو السوري ميساك باغبودريان، في إحالة إلى ما يقدّمه الفلسطينيون الذين يسطِّرون يوماً بعد يوم ملاحم قلّ نظيرها في الصمود، ومقارعة الاحتلال الإسرائيلي بكلّ همجيته وعنجهيته، وكانت أجمل ما يلي وصلة كورال أطفال مدرسة "مملكة القدس" بعنوان "بيتنا القدس" من كلمات وموسيقى مصطفى علوان وتقول "الدمع تسيل والقلب حزين على غزةوفلسطين". القصيدة المقاتلة "عابرون.. في كلام عابر" لمحمود درويش سمت عاليا بصوت جزائري منفرد هو حساس كشاش، الذي جمع بين الصوت والحضور على الركح واكّد أن الشعر يصوغ قضايا الوجود الفردي والجماعي، وترجم استبصار درويش لمعنى الوجود واللاوجود، وأنه لا يمكن الفصل بين شاعر وشعبه أو بين الشعب وشاعره، ومما جاء فيها: "منكم السيف ومنا دمنا، منكم الفولاذ والنار ومنا لحمنا، منكم دبابة أخرى ومنا حجر، منكم قنبلة الغاز ومنا المطر، وعلينا ما عليكم من سماء وهواء، فخذوا حصتكم من دمنا.. وانصرفوا، وادخلوا حفل عشاء راقص.. وانصرفوا وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء..و علينا، نحن، أن نحيا كما نحن نشاء !". من جهتها، كانت الفرقة الاندلسية لأوبرا الجزائر تحت قيادة المايسترو نجيب كاتب، في الموعد، بوصلتين أندلسيتين ، الاولى بصوت لمياء معدني وكلمات الشاعر عبد الرحيم القمودي بعنوان "سيف القدس بالعز سلا" وأمتعت سارة بلعسلوني في "فلسطين يا بلادي" على لحن "قم ترى"، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن لا يستحضر المجاهد الفنان محمد الباجي "خويا الباز" عند الحديث عن فلسطين، فحضرت "أرض فلسطين" بصوت كسيلة أجراد. ولأنّ فلسطين قضية كلّ الأحرار والشرفاء، استمتع الحضور الذي غصّت به دار الأوبرا، بإشارة المسلسل الأيقونة "رأفت الهجان" التي وقّعها الموسيقار الراحل المصري عمار شريعي، وأمتعت الجزائرية أسماء علا وهي تؤدي أغنية "أصبح عندي الآن بندقية" من كلمات نزار قباني وتلحين موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وعلى إيقاعات "أنا دمي فلسطيني" لمحمد عساف قدّم بالي الأوبرا الدبكة الفلسطينية التي رافقها الحضور بالتصفيق والزغاريد. لتتوالى الأصوات الجزائرية لتقديم باقة من الأغاني الخالدة المرتبطة ارتباطا وثيقا بفلسطين ماضيها وراهنها، والبداية ب«شدوا بعضكم يا أهل فلسطين" بصوت الطفلة ماريا سعيدي ونور الهدى غانومات، "زهرة المدائن" بصوت ندى الريحان التي أبدعت وسمت بروح الأغنية الأيقونة للسيدة فيروز. فيما قدّمت منال غربي أغنيتين، الأولى للسيدة فيروز "أجراس العودة" و«وين الملايين" للشاعر الليبي علي الكيلاني وأداها الثلاثي البنانية جوليا بطرس، السورية أمل عرفة والتونسية سوسن الحمامي. واختتم الحفل الذي ستخصّص عوائده للشعب الفلسطيني بقطاع غزة، بوصلة للكورال البوليفوني بقيادة زهير مزاري، الذي أدى "يا شهيد الوطن"، "ستاند آب فور غزة" و«تل مي واي" وكذا "فري فلسطين" لجورج توتاري. للإشارة، حضر حفل "سلاملفلسطين" رئيس المجلس الشعبي الوطني السيد إبراهيم بوغالي، ومدير ديوان رئاسة الجمهورية السيد بوعلام بوعلام وعدد من أعضاء الحكومة الى جانب سفير دولة فلسطينبالجزائر فايز أبو عيطة، و رئيس الجمعية الوطنية للجمهورية الاسلامية الموريتانية محمد بمب ولد مكت والوفد المرافق له كذا عدد من ممثلي السلك الدبلوماسي الأجنبي المعتمد بالجزائر.