سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لا بدّ من إدخال تدابير تشريعية وتنظيمية جديدة مكيَّفة وأكثر فعالية المدير الأسبق لحماية الممتلكات الثقافية وتعزيز التراث بوزارة الثقافة، الدكتور مراد بتروني:
❊ فعالية الحماية تنطوي بالضرورة على تجاوز مفهوم "التراث" للاستثمار في "الممتلكات الثقافية" ❊ الجلسات خيار جيّد للديمقراطية التشاركية يرى الدكتور مراد بتروني المدير الأسبق لحماية الممتلكات الثقافية وتعزيز التراث الثقافي بوزارة الثقافة، أنه لا يمكن إعادة النظر في القانون رقم 98- 04 المتعلق بحماية التراث الثقافي والحفاظ عليه، بل يتم تنقيحه أو تعديله أو استكماله. ويجب أن يأخذ ذلك، أوّلا، بعين الاعتبار، اتّجاه التطور التاريخي للنصوص التشريعية والتنظيمية التي سبقته، والتي ارتكز عليها. وأضاف: "وعليه، إذن، أن يستجيب للتغيرات والتحولات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تحدث على المستويين الوطني والدولي، والتي تتطلب إدخال تدابير تشريعية وتنظيمية جديدة، مكيّفة، وأكثر فعالية". قال الدكتور بتروني الذي خدم القانون رقم 98- 04 لحماية التراث الثقافي لأكثر من عشر سنوات (2003- 2017)، أوّلا، كمدير للتراث الثقافي، ثم كمدير حفظ وترميم التراث الثقافي، وأخيراً مدير حماية الممتلكات الثقافية وتعزيز التراث الثقافي، إنّ مبادرة وزارة الثقافة والفنون "جديرة بالثناء. وننتظرها بفارغ الصبر. ونحن سعداء بها". أما في ما يتعلق بطبيعة النهج الموصى به، ألا وهو "ورشة عمل وطنية كبيرة"، فأشار محدّث "المساء" إلى أنه يعني ضمنا، مشاركة واسعة من الجهات الفاعلة وأصحاب المصلحة. وهو خيار جيد للديمقراطية التشاركية إذا تم احتواؤه بشكل جيد، وتأطيره بشكل منهجي؛ لأن الموضوع يندرج ضمن السجل التشريعي، الذي هو في حد ذاته، ترجمة لنص دستوري: "تحمي الدولة التراث الثقافي الوطني المادي وغير المادي، وتعمل على صيانته"، موضحا أن وزارة الثقافة والفنون تشكل الإدارة المركزية المسؤولة عن ضمان تنفيذ القانون رقم 98- 04؛ من خلال تعبئة الأدوات والآليات اللازمة، ومن ثم فمن الناحية المنهجية، يجب أن يكون فحص القانون جزءاً من تماسك هذا التعبير: الدستور - التشريع - الإدارة. وزاد الدكتور بتروني أن التشخيص الذي سيتم وضعه في إطار ورشة العمل هذه، يجب أن يسلّط الضوء على الحجج التي تدعم خيار تعديل القانون؛ بحيث يؤثر، فقط، على بعض الأحكام الفنية، أو خيار الإصلاح الذي يمسّ جوانب من العقيدة، والتوازن ذاته للنص. هذا الخيار الثاني هو الأثقل، لكن أحدهما لا يستبعد الآخر؛ فالخياران يمكن أن يكونا جزءا من نفس العملية على المدى القصير، والمتوسط، والطويل. وعن سد الثغرات في قانون 98- 04، أشار المتحدث إلى أن لاتزال هناك حاجة إلى التشخيص لتحديد الثغرات، وأوجه القصور، والتناقضات أيضا. لكن هذا التشخيص لم يتم إثباته بعد، قائلا: "إن أهمية وفعالية القانون لا تقاس بمجرد قراءة القانون – وهو وثيقة قانونية قابلة للتنفيذ حتى يثبت خلاف ذلك – بل يتم تقييمها من خلال دراسة نصوصه التنفيذية (المراسيم والأوامر)، والتي وحدها تواجه الواقع على أرض الواقع. إن دراسة القانون من وجهة نظر نقدية، هي بمثابة التشكيك في نصوصه التطبيقية، وهذا جانب مهم، يجب دمجه في النهج المنهجي". أما بالنسبة لانتظار 26 سنة لمراجعة المنظومة القانونية لحماية التراث الثقافي، فنفى الدكتور أن يكون بسبب غياب الإرادة السياسية، أو بعض الكسل الفكري. ويأتي، في نظره، من صعوبة التوصل إلى مقاربة منهجية توفق بين الأنظمة المعرفية الثلاثة المعنية: القانونية (الفقهاء)، والعلمية التقنية (علماء الآثار، المؤرخون، المهندسون المعماريون، علماء الأنثروبولوجيا، المجتمع المدني… إلخ)، والسياسي والاستراتيجي (الحكومة والبرلمان). ولا يبدو أن مجالات الاهتمام الثلاثة هذه تشترك في نفس المسرد ونفس المصطلحات المتعلقة بمفهوم ذاتي بطبيعته: التراث الثقافي. وفي ما يخص المساعي السابقة لمراجعة القانون، أكد المدير الأسبق للحماية القانونية للممتلكات الثقافية، ذلك؛ إذ كان معنيا بها من خلال أشغال مشروع تعديل قانون 98- 04. وكانت إحدى أهم العبارات الأساسية المدوّنة والمتعلقة بالحماية القانونية، تتعلق ب"كيفية الإعداد المنهجي لمشروع تعديل قانون 98- 04" ؛ لضمان اتساق عملية التطوير. وأوصي باعتماد منحنى "غاوس" ثلاثي الأجزاء: التقنية، والقانونية، والسياسية الاستراتيجية، مع اقتراح شكل لدمج الأفكار والمقترحات في الفئات المقابلة: أحكام عامة - حماية المعالم التاريخية - الجرد العام للممتلكات الثقافية - المتاحف - حماية المجموعات - تداول الممتلكات الثقافية - الحفريات الأثرية والاكتشافات الصدفة - الأماكن المحمية - حماية التراث الثقافي غير المادي - الرقابة والعقوبات - المزايا الضريبية والمالية. وواصل محدّث "المساء" : "بمجرد تشكيل المجموعة وتنظيمها في الفئات المقابلة على نطاق الجزء الفني، كان لا بدّ من تناولها بعد ذلك، في الجزء القانوني"؛ حيث يتم استدعاء القانون لاحتواء وتحديد وصياغة الأفكار والمفاهيم بشكل قانوني. فئات التعريف؛ من خلال تنظيم أنظمة الملكية والحماية وفقا للقانون الخاص والقانون العام، عبر مواءمتها وامتثالها للنصوص التشريعية الأخرى، والاتفاقيات الدولية. ويشكل الجزء السياسي الاستراتيجي الذي يقع ضمن نطاق عمل الحكومة والبرلمان، المستوى الأخير من استكمال العملية. وتساءل: "لماذا لم تنجح هذه العملية؟" ، مجيبا: " أعتقد أن الأمر يتعلق بجمود بيروقراطي بسيط، ينسجم مع تعقيد موضوع ذي ملامح ذاتية تمامًا: التراث الثقافي المادي وغير المادي". وقدّم الدكتور بتروني بعض الأفكار التي تندرج في مسعى تقوية قانون 98- 04، من منطلق كونه مديرا مركزيا أسبق بوزارة الثقافة، مسؤولا عن التراث الثقافي، ومن ثم كخبير، وذلك من زاويتين؛ الأولى تتعلق بالجانب العقائدي للقانون، والثانية بالبعد الفني والتشغيلي. فمن الناحية الأولى الفقهية، اعتبر المتحدّث أن القانون رقم 98- 04 كان له الفضل في تحقيق الترجمة من حماية الآثار والمواقع التاريخية، إلى حماية التراث الثقافي للأمة. وفي عام 1998 كان ذلك بمثابة اختراق سياسي كبير؛ لأنّ الأمة الجزائرية كانت مدعوة للاستحواذ على تراثها الثقافي؛ من خلال تزويد نفسها بالوسائل اللازمة. ويتمتع هذا القانون أيضا، بالقوّة؛ لأنه تم المصادقة عليه من قبل غرفتي البرلمان، في سياق الحكم التعدّدي. لكن في نظر المتحدث، وهو العائق، في رحلة القطيعة مع النظام القديم، لم يُستبدَل بنظام جديد؛ في إشارة إلى عقيدة وطنية. فبينما تمّ التخلي، من حيث المبدأ، عن التراث القانوني الفرنسي، استعيرت صكوكه الفنية والإدارية، وأُفرغت من مضمونها التاريخي والقانوني، وأُعطي لها معنى إداري بسيط، ومن ثم فإن مفاهيم "التصنيف" ، و"التسجيل في الجرد التكميلي"، و"المعالم الأثرية والمواقع التاريخية"، و"الجرد العام للممتلكات الثقافية"، و"القطاعات المحمية"، ستشكل أدوات آلية إدارية، خالية من أيّ معنى قانوني. ويواصل محدّث "المساء" أن القانون رقم 04-98 يظلّ رهينة نظام "حجب الآثار التاريخية"، الذي يحافظ بقوّة، على روابط البنوة بين المجالين القانونيين الفرنسي والجزائري. إن ترك هذا النظام للوصول إلى التراث الثقافي، ينطوي، بالضرورة، على التفكيك، ومن ثم البناء على مواد جديدة ذات نطاق وطني. وقال: "في نفس السياق، لا بدّ من إزالة التناقض القائم بين النسخة العربية (الرسمية) للنصّ القانوني، والنسخة الفرنسية. الأوّل يدافع عن التراث الثقافي (التراث)، والثاني عن التراث بمعناه الفرنسي الخاص. مفارقة ثقيلة العواقب؛ بمعنى أن الجزائر معنية ب"تراث" عرضي وعالمي وإفريقي ومتوسطي وإسلامي، و"تراث ثقافي" وطني. أما وجهة النظر الثانية، التقنية والعملياتية، فستكون، حسب الدكتور، مسألة التحقّق مما إذا كان القانون رقم 04.98 لايزال متسقا مع الواقع المادي الذي يصفه ورؤية ما تغيّر، أولا على المستوى الوطني؛ مثل إصدار قانون المخطط الوطني لاستغلال الأراضي (SNAT)، وقانون المناطق المحمية، وقوانين الولاية والبلدية، ثم على المستوى الدولي؛ اعتماد الجزائر الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالملكية الثقافية والتراث، وإدخال مفاهيم جديدة ومصطلحات جديدة في مجال التراث الثقافي (المواقع المختلطة، المواقع المتسلسلة، المناظر الطبيعية الثقافية، المناظر الحضرية التاريخية… إلخ). وتساءل الدكتور بتروني: "الآن ماذا ينقص"؟". وأجاب أنّه فصل طويل يجب تطويره، ولا يمكنه إجراء جرد كامل لأوجه القصور والتناقضات. واقتصر على أكثرها هيكلية، وهي غياب الأحكام المتعلقة بالمتاحف والمجموعات الفنية، والتراث المغمور بالمياه، وتداول السلع المنقولة الثقافية، والتدابير الضريبية والتراث الطبيعي، والتدابير المتعلقة بأدوات التنمية وتخطيط المدن؛ ترسيخ حماية التراث الثقافي غير المادي في اتفاقية اليونسكو لعام 2005، ومواءمتها مع قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة. أما بالنسبة للتناقضات، فأشار إلى الخلط بين مفهوم "النصب التذكاري" و"النصب التاريخي"؛ الخلط في الفصل المتعلق بالبحث الأثري، بين "التنقيب الأثري" كموضوع لحماية التراث، والبحث الأثري كعملية إنتاج للمعرفة الأثرية. وزاد محدّث "المساء" قائلا إن فعالية الحماية تنطوي، بالضرورة، على تجاوز مفهوم "التراث"، وهو مفهوم ذاتي للغاية، للاستثمار في فئات قانونية أكثر دقة، وقابلة للقياس، وهو ما يطلَق عليه "الممتلكات الثقافية" التي يسهل التعرف عليها، وامتلاكها، مشيرا إلى أن الدول التي تتحمل عبءا تراثيا قويا مثل إيطاليا، لديها قوانين تحمي الممتلكات الثقافية، وبالتالي حماية التراث الثقافي تتطلب حماية الممتلكات الثقافية، خاتما اللقاء بالترحيب بجميع المبادرات التي تتوخاها وزارة الثقافة والفنون في ما يتعلق بالتراث الثقافي. وقال: "إن قدراتها المؤسسية والمهاراتية رائعة طالما تم استغلالها وفق ما يتناسب مع تماسك النهج وأهمية الاستثمارات".