يحتضن المتحف العمومي الوطني بسطيف من 27 إلى 29 فيفري الجاري، فعاليات التظاهرة الوطنية "أيام الفسيفساء" في طبعتها الأولى، تحت عنوان "الفسيفساء الإفريقية، التقنيات والمواضيع" . ويتناول تاريخ هذا الفن عبر العصور، ومدى التقدم والإبداع الذي شهده. يسعى الملتقى إلى إبراز تراث القارة السمراء الثقافي من خلال فن الفسيفساء، علما أن متحف سطيف لديه الكثير من المقتنيات الإفريقية الموجودة في مختلف أجنحته، يطّلع عليها الجمهور في العديد من المناسبات. وتخص تلك اللوحات والقطع الفنية والأثرية التي عُثر عليها بالمنطقة والتي لها علاقة بالقارة السمراء، حقبات تاريخية معيّنة، تتمثل أغلبها في حقبة ما قبل التاريخ، والحقبة القديمة. وفي ما يخص حقبة ما قبل التاريخ ففيها العديد من الشواهد الأثرية للبيئة الإفريقية بمنطقة سطيف؛ على غرار عظام حيوانات منقرضة لفصائل إفريقية؛ مثل الفيل، والسنوريات (النمور والفهود)، والنعام، والبقر، والحمار الوحشي، والضباع، والغزال، والجاموس العتيق، بالإضافة إلى العملات والنقود النوميدية التي تظهر على وجهيها حيوانات ووجوه ملوك إفريقية، وأوان فخارية، ومصابيح زيتية منقوشة. وهناك في متحف سطيف فسيفساء فريدة من نوعها في العالم من حيث التقنية (ثنائية الأبعاد حيث يلاحَظ وجود ظل الأشخاص)، وهي فسيفساء معروضة بمتحف سطيف منذ اكتشافها بالمدينة قبالة مستشفى "محمد سعادنة عبد النور حاليا" سنة 1965، تبرز التقنية، وغناها بألوان الحجارة الطبيعية، وفريدة كذلك بتواجد حيوانات إفريقية في هذه الفسيفساء؛ مثل الزرافة، والفيل، والنمر، والفهد الأسود والأسد، وهي فسيفساء تعكس، أيضا، التراث الثقافي في الجزائر، وامتداداته الإفريقية. ويتناول محورا اليوم الأول للملتقى "مدارس الفسيفساء الإفريقية" ، و " ترميم الفسيفساء في المتاحف والمواقع الأثرية" . وتقدّم في هذا الإطار عدة محاضرات، وهي "إنتاج الفسيفساء بالجزائر في الفترة الرومانية"، و "تجسيد الأساطير الإغريقية في الفسيفساء الإفريقية – فسيفساء أولاد عاقلة نموذجا-" ، وكذا "فسيفساء ركب ياخوس تُكتشف من جديد" ، و " ورشة تيبازة" ، و " حالة حفظ الفسيفساء" . ويتضمن اليوم الثاني من الملتقى 3 محاور، وهي "مواد وتقنيات صنع الفسيفساء" ، و " المواضيع المجسدة على الفسيفساء" ، و " تثمين وترويج الفسيفساء سياحيا" . وتقدَّم فيها ضمن جلسات "التقنيات والأساليب المستعملة من قبل الحرفيين للتعبير عن المشاعر والأحاسيس في الفسيفساء"، و "تجسيد الوقت في الفسيفساء" ، و " رمزية الحيوانات الإفريقية في اللوحات الفسيفسائية"، فيما يخصَّص اليوم الأخير للملتقى لخرجة ميدانية إلى موقع متحف جميلة. ويشهد الملتقى، أيضا، تنظيم عدة معارض للمتاحف المشاركة والخاصة بفن الفسيفساء؛ كمعرض سيرتا بقسنطينة، ومتحف الآثار القديمة، ومعرض القطاعات المحفوظة لملحقة الشلف. للإشارة، الفسيفساء أحد أقدم الفنون التصويرية التي تعطي خلفية عن تجليات أيّ حضارة؛ فمن خلال المواضيع المصوَّرة تتجلى فكرة شاملة عن الفترة التي جسّدتها الصورة. ويبدو ذلك جليا من خلال اللوحات المعروضة بمختلف متاحف الوطن، فبعضها تتناول المواضيع الميثولوجية والأسطورية؛ حيث استعمل الفنانون صور للآلهة في لوحاتهم، ولوحات ذات كتابات جنائزية مسيحية، وأخرى ذات مواضيع زخرفية هندسية أو نباتية؛ فمثلا فسيفساء ركب الإله باخوس (ديونيزوس) بقسنطينة التي تُعرض في هذا الملتقى، هي من أندر اللوحات الفسيفسائية المكتشفة بشمال إفريقيا؛ لما تحتوي عليه من دقة وإتقان في الصنع، وجمال في المنظر. اكتُشفت هذه اللوحة عام 1965 بأحد المباني الموجودة بحي المعبد، وتؤرَّخ بالقرن الرابع ميلادي.