يؤكد العديد من المختصين في مجال البناء والتعمير أن تطبيق المرسوم التنفيذي الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 6 ماي من السنة الجارية، والخاص بتسوية ملف البنايات غير المكتملة، سيكون صعباً ومليئاً بالمشاكل التي تراكمت لعقود من الزمن، وأن أصحاب البناءات الخواص سيبررون عدم التزامهم بالآجال المحددة بخمس سنوات، لأن الأمر يتعلق بذهنية الجزائري الذي تعوّد على "الغموض السائد وترك الحبل على الغارب"، لكن المختصين يجمعون على ضرورة أن تصاحب القوانينَ التنظيمية تحفيزاتٌ وتسهيلات إدارية ومالية، حتى تظهر مدننا وأحياؤنا على أحسن صورة ووفق مقاييس مخططات التعمير والبناء. ويعترف أصحاب البناءات غير المكتملة أن الوضعية التي صارت عليها أملاكهم العقارية لا تبعث على الارتياح، وأن وجه فيلات شاهقة ظل شاحباً منذ عقود، فلا توجد بها نوافذ أو سطوح، وأخرى بها أعمدة بعضها لا تزال هيكلاً حديدياً خاليا من الخرسانة... وغيرها، مؤكدين أن العديد من الملاّك الذين استنفدوا كل ما في جعبهم من أموال لاستكمال الهياكل والجدران والتوسع عمودياً لم يفكروا في تحسين الوجه الخارجي وغلق كل المنافذ المخلة بالمنظر العام للمباني. الملاّك الأثرياء غير مبالين والبسطاء حائرون.. ويفسر العديد من المواطنين، الذين سألناهم عن الظاهرة، أن معظم أصحاب البناءات يسارعون في إنهاء الأشغال الكبرى، وكأنهم خائفون من أن يطالهم قانون جديد يمنعهم من استكمال مشاريعهم العقارية، وفي هذا السياق ذكر لنا صاحب بناية من خمسة طوابق ببرج الكيفان، أنه صار لا يأتمن بقاء القوانين على حالها، وأنه عمل كل ما في وسعه من أجل استكمال الأصعب والأهم في مشروعه وهو إنجاز الأعمدة الحاملة وأرضيات الطوابق ورفع الجدران الأجرّية، معترفاً أنه لم يتحمس لاستكمال الباقي، كونه أنفق "تحويشة العمر" ولم يعد بمقدوره تمويل الأشغال الباقية التي ستكلفه مئات الملايين، لكن رغم ذلك فإن محدثنا أقر بضرورة استكمال الأشغال لأن الظروف الطبيعية ستؤثر سلباً على المباني، لاسيما ما تعلق بالأجزاء التي تضم الأجزاء الحديدية المعرضة للصدأ، وكذا تسرب مياه الأمطار عبر النوافذ غير المجهزة وجدران الأجرّ غير المنتهية التلبيس. وقال أحد الملاّك ببرج الكيفان من محدودي الدخل - حسب تصريحه - أنه محتار في استكمال مشروعه "الحلم"، مشيراً أن فيلته المتكونة من طابقين كاملين وآخر مغطى بالآجر ورابع عبارة عن أعمدة خرسانية ناتئة، لم ترتفع من سطح الأرض إلا بشق الأنفس وتعاون الأبناء معه، لكنه بدا محتاراً بشأن استكمال ما بقي من المشروع، وبرأيه فإن تكاليف التلبيس والتجهيز بالنوافذ والطلاء الخارجي سيكلف وحده ربع ما أنفقه على المشروع إلى غاية الآن، ولذلك يتوقع مصدرنا أن يجد عدد هائل من المواطنين صعوبة في تسوية عقاراتهم، بل سيلجأ بعضهم إلى استبدال مبانيهم غير المنتهية بأخرى جاهزة لتجاوز المشكل . وبرأي مواطن آخر؛ فإن أمر استكمال الأشغال لن يكون صعباًَ بالنسبة للأثرياء وميسوري الحال، فباستطاعتهم فعل ذلك في أيام معدودات، وقد يكون هذا القانون الجديد سبباً في دفعهم إلى تحسين الإطار المبني، أما محدودو الدخل فإن الأمر يتطلب منهم أشهراً أو سنوات لتوفير أموال لاستكمال الأشغال بصفة نهائية، ولذلك يتوقع المختصون أن يعتري تطبيق القانون الجديد - الذي يطال الجميع- بعض النزاعات لاسيما من طرف الطبقة المتوسطة والضعيفة، مما يحتم على الدولة تقديم مساعدات واقتراحات من شأنها إحداث مرونة في تطبيق القوانين الجديدة. المهندسون: القرار صائب لكن تطبيقه صعب وذكر لنا "فريد ط" مختص في الهندسة المدنية بالعاصمة، أن إلزام الملاك بإتمام مبانيهم يعد خطوة جبارة من أجل تخليص التجمعات السكنية من فسيفساء الآجرّ الأحمر ونشاز الخرسانة، كما يدفع ذلك إلى فرض ثقافة احترام الإطار الخارجي للبناءات، مضيفاً أن المواطن الجزائري أصبح أنانياً، فهو يبالغ في تجهيز وترتيب البيت من الداخل، لكنه لا يعير اهتماماً إلى الوجه الخارجي، وكأنه غير مسؤول عنه، وأضاف محدثنا أن مدة خمس سنوات تعد كافية لمن أراد أن يتدبر أمره ويحل مشكله، لكن محدثنا لم ينف أن يتأخر عدد هائل من الملاك عن إنهاء الأشغال قبل هذه المدة نظراً لعدة اعتبارات منطقية تتعلق بنقص التمويل، وغير منطقية تتصل بالذهنية الجزائرية التي لا تتحرك إلا بالصرامة في تطبيق القوانين والتغريم. أما السيد "موسى .ب" مهندس معماري فيرى أن الإدارة تتحمل تبعات الوضعية الحالية التي تراكمت فيها الأمور، ففي الوقت الذي تفرض فيه الإدارة على مقاولات الإنجاز احترام آجال استكمال المشاريع ذات الطابع العمومي، فإن المشاريع الخاصة لم يمسها القانون، وبالنظر إلى الحجم الهائل من البناءات المشيدة منذ الثمانينيات وإلى غاية اليوم، فإن الحظيرة الوطنية صارت اليوم عبئاً ثقيلاً، قد يصعب على الإدارة حل مشاكلها المتراكمة، والمتصلة مباشرة بالمواطن. ويضيف محدثنا أن القانون الجديد المنظِّم لقطاع البناء والتعمير هادف وضروري، لكن تطبيقه على أرض الواقع سيشهد تعثراً لا محالة، وأن مدة خمس سنوات التي منحتها الدولة لأصحاب البناءات قصد استكمالها ستمتد إلى أكثر من ذلك، متوقعاً أن الدولة ستلجأ إلى إعطاء تعليمات للإدارة من أجل مساعدة المواطنين في تسوية المشاكل العقارية والتقنية وتقديم تسهيلات في مجال الحصول على القروض. البناءون والمقاولون يرحبون وينتظرون.. أما المقاولون فإنهم يرحبون بهذا القانون الذي سيوفر لهم فرصاً سانحة من أجل الحصول على مشاريع تدرّ عليهم أرباحاً معتبرة، فالعديد من الملاّك يكلفون مقاولين للإشراف على إنجاز الأشغال، هؤلاء الذين سيبحثون عن بنائين وممونين بالتجهيزات الخشبية والحديدية وغيرها. للإشارة فإن الحكومة عازمة على مرافقة مسار إصلاح التسيير العقاري مشيرا أن قطاع البناء بإمكانه إذا ما تم تأطيره بشكل محكم أن يشكل مصدراً هاماً لتوفير مناصب الشغل. كما وصف السيد عبد الكريم شلغوم رئيس نادي المخاطر الكبرى القانون بأنه أتى متأخراً وأنه غير كامل كونه لم يأخذ بعين الاعتبار مخطط المخاطر الكبرى، انطلاقا من أن العديد من هذه البنايات "غُرست" بمناطق غير صالحة للبناء، مما سيعرّض المواطنين القاطنين بها للخطر. مستدلاً في ذلك بمنطقة الحميز التابعة لبلدية الدارالبيضاء بالعاصمة، مؤكدا أنها مدينة فوضوية، وأن الدراسة كشفت أنها مبنية بمنطقة جيوفزيائية غير صالحة للبناء.