عادت قضية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية لتلقي بظلالها على الوضع العام في المنطقة العربية كأهم عقبة أمام مسار السلام العربي الإسرائيلي بما يستدعي تدخلا دوليا لإرغام إدارة الاحتلال على الإذعان للإرادة الدولية. فبينما اعتبر الرئيس المصري حسني مبارك المتواجد في زيارة رسمية إلى الولاياتالمتحدة أن عملية السلام اصطدمت بسياسة الاستيطان أكدت صحيفة "هاريتس" الإسرائيلية أمس أن حكومة بنيامين نتانياهو تعمدت في المدة الأخيرة تكثيف عمليات الاستيطان في أراضي الضفة الغربية تحسبا لقرب موعد استئناف مفاوضاتها مع الإدارة الأمريكية حول هذه القضية الشائكة. وكتبت الصحيفة نقلا عن تقارير رسمية إسرائيلية أن المستوطنين عمدوا إلى هذه الحيلة لفرض منطق الأمر الواقع في حال استؤنفت مفاوضات حكومة نتانياهو مع إدارة الرئيس الأمريكي اوباما الساعية هي الأخرى إلى تحريك عملية السلام المعطلة منذ أكثر من ثلاث سنوات. ففي حين تعمدت إدارة الاحتلال انتهاج مثل هذه السياسة رغم علمها أنها تعيق عملية السلام قال الرئيس المصري في حديث مطول نشر بالعاصمة المصرية أمس يوما قبل لقائه بالرئيس باراك أوباما أن استعادة الثقة لتحقيق السلام تستدعي وقف الاستيطان، وطالب نظيره الأمريكي بممارسة ضغط على حكومة الاحتلال لوقفه. وربط الرئيس المصري حسني مبارك مثل هذا الأمر كشرط مسبق لأية عملية تطبيع مع الدولة العبرية وقال أن الدول العربية التي تقيم علاقات أو تلك التي تحتضن عواصمها لمكاتب مصالح إسرائيلية مستعدة لإعادة فتحها ولكن شريطة أن يتم وقف الاستيطان. وهي رغبة بقيت دون صدى رغم أنها الشرط الذي تضمنته مبادرة السلام العربية التي صادقت عليها القمة العربية سنة 2002 ولكنها إدارات الاحتلال المتعاقبة تعاملت معها بطريقة سلبية بل أنها تعمدت تكثيف الاستيطان غير مكترثة لا بعملية السلام ولا بالنداءات الدولية التي طالبتها بوقفه. والواقع أن حكومات الاحتلال تجاهلت هذه النداءات بعد أن تيقنت أن تلك الضغوط لم تكن إلا مجرد تصريحات لا ترقى أن تنتقل إلى مرحلة التنفيذ لافتقادها للصرامة اللازمة التي عادة ما يتم التعامل وفقها مع دول أخرى. والأكثر من ذلك فإن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لم تجد حرجا شهر جويلية الماضي وفي وقت بلغ الاستيطان ذروته سوى مطالبة الدول العربية باتخاذ خطوات عملية أخرى للتطبيع مع إسرائيل. وتجاهلت كلينتون عن قصد مواجهة الحقيقة كما هي ووضع إسرائيل في موقع المعرقل لهذا التطبيع الذي نادى به العرب منذ سنة 2002 وانحازت إلى موقف إسرائيل المطالب بمزيد من التنازلات العربية. وهو الانحياز الذي يفسر رفع المستوطنين اليهود لوتيرة إقامة بؤر استيطانية جديدة في الضفة الغربية وفرض تواجدهم بها في خطوة تسبق الحوار الأمريكي الإسرائيلي المرتقب حول تجميد عمليات الاستيطان. ويكون هذا الواقع الميداني هو الذي جعل رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض يرجئ ضمن خطة عمل حكومته إلى غاية سنة 2011 موعد إقامة الدولة الفلسطينية وهي التي كان من المقرر إقامتها نهاية العام الماضي وفق التعهدات التي التزم بها الرئيس الأمريكي المغادر جورج بوش قبل أن يتم التأكد من زيفها. ورفض الرئيس محمود عباس أمس العودة إلى نقطة البداية في أية مفاوضات قادمة واشترط لأجل ذلك وقفا فوريا لكل عمليات الاستيطان وقال إنه يتعين مواصلتها انطلاقا من النقطة التي توقفت عندها في ظل حكومة الوزير الأول الإسرائيلي السابق ايهود أولمرت.