لاتزال الخروقات المرتبطة بمجال انجاز السكنات الفردية أمرا قائما بولاية الجزائر وغيرها من ولايات الوطن ويطرح المعنيون من الذين يتعاملون مع هذا الجانب من التعمير كالمصالح التقنية لمراقبة البناء والمختصين في مجال الهندسة المعمارية والتعمير، مسألة وجود ثغرات قانونية وغياب المراقبة خلال مرحلة الإنجاز وهو ما يكرّس الخلل الحاصل في مجال التعمير بأبعاده الهندسية والمعمارية والتعميرية للمحيط· وتكشف حصيلة تدخل مصالح شرطة العمران وحماية البيئة لأمن ولاية الجزائر عن لجوء بعض الأشخاص إلى البناء غير المرخص وغير الشرعي وغير المطابق، حيث تم إحصاء 3122 مخالفة منها 2685 بدون رخصة و1909 بناء غير شرعي، تم منها هدم 378 بناء وهذا خلال 11 شهراً من سنة 2007· وتندرج صلاحيات تدخل مصالح الأمن في اطار المادة 76 مكررة من القانون الصادر في 2004 المعدل للقانون الصادر في 1990 والخاص بالتهيئة والتعمير، والتي تنص على إعطاء ولأول مرة لضباط وأعوان الشرطة القضائية المحددة مهامهم في اطار التشريع بالاضافة الى عمال إدارة التعمير والهندسة المعمارية ومفتشي التعمير وأعوان البلدية المكلفين بالتعمير صلاحية البحث ومعاينة الخروقات المحتملة الوقوع الخاصة بالاجراءات القانونية المحددة· لكن، باستثناء مصالح الأمن تبقى الأطراف الأخرى المعنية بالمراقبة بعيدة عن الميدان للوقوف على مختلف المشاريع خاصة خلال مرحلة الانجاز، وحسب السيد أحمد أشركي تقني سامي بمصلحة البناء والتعمير ببلدية برج الكيفان فإن البلديات ملزمة فقط بالتدخل عند تسجيلها أي تعد على أملاكها العقارية كلجوء أي شخص عند بنائه لمسكنه الخاص الى توسيع مساحة بنائه على حساب الرصيف، مضيفا أن البلدية لا تتمتع بأي صلاحية قانونية للتدخل ومعاينة البناء خلال مرحلة الانجاز وبالنسبة لمحدثنا فإن رخصة البناء باتت أكثر من "إلزام" فهي ضرورة بالنسبة لصاحب أي مشروع سكني، لأنها تضمن له الحصول على أي قرض بنكي يطلبه· وبوجود هذه "الحلقة المفقودة" يتضح سبب بقاء الوضع على حاله في هذا المجال· يضاف الى ذلك اعتماد الأساليب العشوائية في تشييد أي مبنى باستقدام يد عاملة غير مؤهلة علميا والأكثر من ذلك الاستعانة بالأطفال وهو ما كشفته لنا المعاينة الميدانية التي قادتنا الى بعض ورشات البناء الرديء بالعاصمة وحسب أحد العمال الذي لا يتعدى عمره 19 سنة فإنه تعلم الحرفة من أبيه وهو لا يتعدى الحادية عشرة وأصبح ملماً بأمور البناء والعمران وكل ما يعلمه "أن الحديد من نوعية جيدة وتم استقدامه من ولاية عنابة·· والإسمنت من ولاية المسيلة"، لكن لا وجود لأي مختص يعاين المواد المستعملة في البناء· وهنا يطرح دور المعاينات التقنية من طرف المصالح التقنية لمراقبة البناء التي يبقى مجال تدخلها مرتبطا بالطلب على خدمتها سواء كان ذلك من قبل الادارة المعنية بالتعمير والبناء أو الخواص وأصحاب السكنات الفردية· "السي تي سي" توفير دفتر شروط لمرحلة الانجاز ضروري يؤكد السيد أوقاسي بومدين مدير عام الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبناء لجهة الوسط ل "المساء" بأنه من الواجب والأهمية بمكان التكفل بمراقبة البناءات الفردية خاصة وأن هذا النوع من البناءات عرف خلال زلزال ماي 2003 انهيارات جزئية أو كاملة وهنا تطرح اشكالية كيفية تنظيم التدخل وإذ لم تحص الهيئة المذكورة طلبات الأفراد لإجراء المعاينة التقنية يقول السيد بومدين إلا أنه لايمكن الاستجابة في حال وجود طلبات من هذا النوع لأن المصالح التقنية في إطار مهام المراقبة يتوجب عليها تجنيد إمكانيات بشرية ومادية جد هامة لدراسة كل حالة فالأمر يستدعي معاينة توزيع البناءات وموقعها، وهنا يجب التفكير في كيفية تنظيم التدخل في الميدان· من جانب آخر، أكد محدثنا بأن القانون الصادر في 2004 يجبر مكاتب الدراسات على التكفل بهذا الأمر لكن بقي الأمر حبرا على ورق قائلا: "لم نلمس أي تغيير باستثناء الإجراءات الخاصة بالحصول على رخصة البناء التي تم فيها تشديد إجراءات الحصول عليها لتفادي أي كارثة خاصة وأن الجزائر العاصمة ذات خصوصية جيولوجية معروفة"، وتتافدى أي كارثة من النوع الذي سجل خلال الزلزال فإنه يترتب على المعنيين يؤكد محدثنا اشتراط توفر دفتر شروط يخص متابعة أشغال إنجاز أي مسكن فردي وهذا لضمان أمن العمل وفرض ضرورة اختيار المقاول الكفء وتخصيص مكتب دراسات للمتابعة وعليه يضيف محدثنا يجب اتخاذ إجراءات جديدة للمتابعة والأخذ بعين الاعتبار الاختلالات المطروحة على مستوى عدم تطبيق القوانين أو غياب الآليات أصلا ومن ثم معالجتها ولايمكن أن يكون ذلك حسبه إلا من خلال متابعة أهم مرحلة وهي "مرحلة الانجاز" وهنا تطرح مسؤولية المقاول ومكتب الدراسات المرافقين للمشروع والمادة 554 من القانون المدني يضيف محدثنا تضمن المشروع محل الانجاز لمدة 10 سنوات اعتباراً من انتهاء مرحلة الأشغال وتكون المسؤولية واقعة على عاتق الطرفين المذكورين وعليه يجب توفر وثائق تثبت هذه المسؤولية وعلى المواطن التفطن لهذا الأمر وعدم الاعتماد على العشوائية في إنجاز سكنه الخاص· ويرى السيد أكلي عمروش مهندس معماري ومدير نشر المجلة المتخصصة "حياة المدن" ل "المساء" بأن حجر العثرة الذي يقف في وجه المتلاعبين من الأشخاص الذين يلجأون الى اعتماد العشوائية في انجاز أي مشروع سكني خاص هي رخصة المطابقة· هذه الوثيقة التي تعد إجراءً يتحتم القيام به عند نهاية مرحلة الانجاز والتي يكون الهدف منها التأكيد على أن الأشغال تمت مثلما حددته رخصة البناء المحررة، وتظهر أهمية هذه الوثيقة عند لجوء صاحب السكن الى بيع عقاره حيث يتم إدراجها ضمن قائمة الوثائق الواجب توفرها عند أي توقيع على عقد بيع· وحسب محدثنا فإن رخصة البناء كانت مجرد إجراء إداري لايتم فيه الاعتماد على الدراسات التقنية ولا حتى مراعاة مخططات البناء وهذا في اطار مراجعة مخطط التهيئة، وأن المهندس ملزم بمتابعة المشروع، مضيفا أن أموراً عديدة تسجل وقد قدم مجلس عمادة المهندسين مقترحات لإيجاد الحلول الكفيلة بتحسين وجه المدينة من حيث طابع العمران والوقوف على نوعية المشاريع المنجزة سواء تعلق منها بالسكنات الفردية أو الجماعية، وذلك للوصول الى تكريس ثقافة احترام مبدأ العيش في المدينة·· وهو ما يفتح مجالا آخر للنقاش والذي يتمثل في عدم التناسق العمراني لمدينة الجزائر فيما يخص البناءات الفردية·