قدم مجموع المتدخلين من الأخصائيين الاجتماعيين والنفسانيين العرب المشاركين في ندوة استراتيجيات الدفاع الاجتماعي لمقاومة ظواهر الانحراف والمشاكل الاجتماعية والتفكك الأسري وإهمال الطفولة، عدد من التدخلات القيمة التي استند أصحابها على دراسات حديثة وفق مناهج علمية واضحة لتطويق الظواهر السلبية في المجتمع وإيجاد حلول فعالة لها، حيث سنعرض تدخلات البعض حيال موضوعات التحول الاجتماعي على غرار جنوح الأحداث، تطوّر السلوك الانحرافي والإجرامي، فلسفة الرعاية الاجتماعية واشتراطاتها. تشغل قضايا الدفاع الاجتماعي فكر القائمين على المجتمعات، نظرا لتداخلها وتقاطعها مع كثير من القضايا التي تؤرق مجتمعاتنا العربية، والتي لها تأثير مباشر عليها ذلك أنه كلما زادت حدة الفقر وانخفض مستوى التعليم وتدهورت الأوضاع الصحية، اتسعت بؤر الجنوح وتعاظمت معدلاتها وازدادت فرص التفكك الاجتماعي، وقد عرف المشاركون الدفاع الاجتماعي بأنه تلك الجهود الإنسانية المخططة لوقاية المجتمع من الانحراف والجريمة وتقديم الرعاية اللاحقة لأولئك المنحرفين وتأهيلهم حتى يعودوا أشخاصا أسوياء للمجتمع وهي مسؤولية جميع مؤسسات المجتمع المدني. حيث تقوم فلسفة الدفاع الاجتماعي على فكرة وجوب تحصين المجتمع من انحرافات بعض أفراده والعمل على علاج المنحرف وتعديل سلوكه وإعادته مرة أخرى للمجتمع مواطنا صالحا، وذلك على أساس أن المنحرف مريض يحتاج للعلاج وليس مجرما يقع تحت طائلة القانون، حيث أكد الدكتور جاسم خليل ميرزا رئيس جمعية توعية ورعاية الأحداث وضابط شرطة بدولة الإمارات العربية المتحدة أن الجنوح بمختلف تجلياته ليس مجرد مسألة قانونية أو موضوع لوائح وقانون جزائي، بل تتطلب قبل كل شيء إنهاء مظاهر الإقصاء والتهميش الاجتماعي، والعمل على تحقيق الاندماج في وحدة النسيج الاجتماعي من خلال بيئة تمكينية تتسم بالتوازن لجميع أفراد المجتمع وفئاته، حيث قدم مجموعة من المقترحات نذكر منها التزام الجمعيات ببرامج هادفة ومدروسة منها مسابقات صيف بلا فراغ، المحاضرات التوعوية،ا لمجالس الرمضانية، الحملات التوعوية، الأنشطة الإعلامية، الخط الساخن (الأخضر)، المعونات المادية، التوعية الالكترونية إصدار مطبوعات، إنتاج الأعمال الدرامية التوعوية في إطار التواصل مع الأبناء وبث القيم الاجتماعية الإيجابية ونبذ السلوكيات السلبية.
تطور السلوك الإجرامي وعلاجه من جهته أشارالخبير صلاح الدين بن فرج أستاذ جامعي بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس إلى الظواهر الاجتماعية التي تهدد الأمن الإجتماعي وعلى رأسها الانحراف والجريمة والتفكك الأسري وإهمال الطفولة، وتحدث عن الحلول المنطقية واللازمة للظاهرة منها إستراتيجيّة الوقاية الشاملة السابقة لوقوع الفعل الإجرامي وتسمىّ كذلك الوقاية الاجتماعيّة ويتمّ فيها التركيز على العوامل الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة... المفرزة للانحراف والجريمة وكيفيّة معالجتها عن طريق التعلّم والتثقيف الأمني وتوفير العمل والسكن وملء أوقات فراغ الشباب وغيرها من البرامج الموجّهة، وترتكز جهود الوقاية على مبدأ الشراكة في معالجة الأسباب المؤدّية إلى الانحراف بدءا بإشباع الحاجيات الأساسيّة للمواطن وتحقيق رفاهيّته لثني إرادته في ممارسة السلوك المنحرف وتقويتها في مجال احترام القانون والعمل على تنمية الحسّ الأمني لديه، إلى جانب الاعتماد على الأسرة من خلال مساندتها فعليّا في مهامها المتعلّقة بالتربية والتنشئة عبر صياغة النماذج السلوكيّة التي يجب اعتمادها وصناعة النماذج الناجحة والقادرة على تحقيق الانجذاب الإيجابي نحوها. وكذا المدرسة التي يجب أن تتخذ كشريك رئيسي في كلّ البرامج والإستراتيجيّات الموضوعة في إطار مقاومة الانحراف والجريمة، دون إغفال دور الوسطاء لأنّ مبدأ الوساطة كآليّة مميّزة في المجتمعات الحديثة تحوّل إلى تخصّص علمي ينتج ملمحا متنوّع الكفاءات من ذلك حسن الاستماع والقدرة على التفاعل والإلمام بثقافة المعنيين بالوساطة وشكلا مقبولا من طرفهم وقدرة على استباق الأحداث وتمكّنا منها وقدرة على التنشيط المختص إلى غير ذلك من الكفاءات الرياضيّة والفنيّة والشراكة مع البلديات كآليّة فاعلة تنطلق من فكرة أنّ الشرطة يجب أن تقترب من المواطن بدلا من أن يقترب المواطن من الشرطة، وبالتالي هي التي تبادر إلى بناء هذه العلاقة لأنّها الجهة المستفيدة منها بالدرجة الأولى كما تمت الإشارة إلى الارتكاز أيضا على دور الجمعيّات، حيث تشكّل مؤسّسات المجتمع المدني وسائط اجتماعيّة بين المواطن والدولة ويتمحور دورها حول تنظيم الفاعلين الاجتماعيين من خلال قنوات مؤسستية تطوّعيّة تعمل على تمكين الأفراد من المشاركة في المجال العام وبالتالي المساهمة في السياسات العامّة، وللإعلام أيضا دور هام حيث تراهن عديد التجارب الوقائيّة على إيلاء الإعلام دورا هامّا في خططها عبر الاستهداف المركّز لفئات اجتماعيّة معيّنة كالمراهقين والشبان ببرامج وقائيّة وومضات إشهاريّة لإبراز مخاطر التدخين والمخدّرات وأهميّة تجنّب السلوكات المنافية لقواعد التعايش المشترك ومخاطر الانحراف بصفة عامّة. تضاف إليها آليّة "البلوّر المهشّم " وتعتمد ضرورة التدخّل المبكّر في المحيط السكني المشترك بداية من أبسط مظاهر السلوك اللاّمتحضّر تفاديا لتطوّر الأوضاع نحو إعداد بيئة مناسبة لتشكل الجريمة في ظلّ العلاقة القويّة بين الانحراف والإحساس العام بعدم الأمن أو الفوضى ممّا يجعل من كلّ مواطن هدفا جذّابا في حينه. وهناك آليّة الوقاية الموضعيّة والتي تستند على مبدأ مضاعفة الجهد والمصاعب والمخاطر أمام المنحرف لإثنائه عن ارتكاب فعله وذلك عبر الحلول التكنولوجيّة (كالمنبّهات الصوتيّة في المنازل والسيّارات والكاميرات والأسيجة العالية والمحميّة بالأسلاك الشائكة -وكلاب الحراسة المدرّبة - والأضواء الكاشفة). وكذا آليّة التحييد والتي تسند إلى فكرة حماية العدد الأكبر من الضرر الكبير الذي يمكن أن تلحقه المجموعة الصغيرة المنحرفة والخطيرة وذلك من خلال تطوير طرق التعرّف على هذه الفئة وعزلها عن البقيّة لمدة طويلة.
فلسفة الرعاية الاجتماعية أما الدكتور محمود علي حافظ مدير إدارة الشؤون الاجتماعية بالمكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل الخليجي قدم ورقة هامة حول فلسفة الرعاية الاجتماعية واشتراطاتها، حيث قدم فلسفة الرعاية الاجتماعية للأحداث الجانحين انطلاقا من مبادئ الشريعة الإسلامية التي تجعل مصالح الطفل والحدث هي المرجع في أي تشريع أو إجراء قانوني أو تنظيمي أو نشاطي وكل ما يتعلق بمصالحة وأمنه ونموه المعافى واندماجه الاجتماعي والتي هي تتوافق مع اتفاقية حقوق الطفل وأحكامها. وتتمثل هذه المبادئ الأساسية في السعي إلى غرس القيم الإسلامية في نفوس الأحداث وتعزيز إيمانهم الحقيقي من خلال التأكيد على إيجابيات الدين الحنيف على صعيد الذات والجماعة والعمل، وتقوم شخصياتهم وسلوكهم وعلاج عللهم واضطراباتهم السلوكية والخلقية بما يكرّم إنسانيتهم كمؤمنين. إبعاد التعامل مع الحدث الجانح أو المعرّض لخطر الانحراف عن نطاق القانون الجزائي، وتغيير النظرة من الخطيئة والعقوبة والتوبة إلى التأهيل والتمكين وصولاً إلى صلاح النفس والجماعة والعمل بالمبدأ الذي يقول بأن الرعاية في البيئة الطبيعية أسرياً واجتماعيا هو الأساس في تقرير الإجراءات وتنفيذها إلا إذا تعذّر فيحول إلى الرعاية المؤسسية الأفضل لصلاح الحدث ونموه وتأهيله إلى جانب العمل على علاج الانحرافات السلوكية على أساس العمل على الاندماج الاجتماعي والوصول إلى بناء الأهلية الاجتماعية شخصياً وأسرياً ومهنياً، مما يشكّل الغاية الكبرى لكل رعاية. مبدأ تخطيط الرعاية وإجراءاتها انطلاقا من الخصائص النمائية المميزة لكل حدث وصولاً إلى غرس الثقة بنفسه واحترام ذاته والاعتزاز بكرامته الإنسانية، وخصوصاً من خلال تنمية حسّه بالمسؤولية عن ذاته وأهله وجماعته. توجيه الجهود في الإجراءات والبرامج على اختلافها إلى اكتشاف القدرات والطاقات والإمكانات والدوافع الإيجابية والبناء عليها والعمل على تنميتها إلى حدودها الفضلى. مبدأ اعتبار مؤسسة الرعاية بيئة علاجية، وينبغي استشعار المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع لإصلاح حال الحدث الجانح وتمكينه. هناك كذلك مبدأ بناء مناخ إنساني إيجابي في المؤسسة الرعائية الذي يؤدي إلى قيام علاقات التنسيق والتعاون بين العاملين، وشيوع روح العلاقات الاجتماعية الطيبة فيما بينهم وبين النزلاء. مبدأ التعرّف الواضح على الوظائف والأهداف الرعائية النمائية لكل الأنشطة على اختلافها داخل المؤسسة وخارجها ودور كل منها في البرنامج والتخطيط لها وممارستها على هذا الأساس، وليس مجرد ملء فقرات البرنامج وإشغال وقت النزلاء. مبدأ التنسيق بين جميع وحدات الرعاية ومستويات التدخّل في البيئة الطبيعية وبيئة المؤسسة. وخصوصاً التنسيق مع مؤسسات المجتمع والإشراك النشط للجمعيات والهيئات العاملة مع الأسرة والطفولة والناشئة وذلك على صعيد الحماية والوقاية والمراقبة الاجتماعية والرعاية المؤسسية والإدماج اللاحق. الاندماج والانتماء والوصول إلى الأهلية الاجتماعية من خلال تجنّب الوصمة وتفريد الإجراءات وتنمية مهارات الحياة ومواجهة المستقبل بشجاعة ومسؤولية يلخّص الأسس العامة لكل تشريعات الرعاية وإجراءاتها وبرامجها.