زكريا قورشون، رئيس قسم التاريخ بجامعة مرمرة باسطنبول، رئيس جمعية باحثي الشرق الأوسط وإفريقيا، مختص في تاريخ دول المشرق العربي وله أيضا أعمال عديدة عن المغرب العربي ومن بين أعماله: "تاريخ المشرق" و"تاريخ الخليج" و"العلاقات التركية العثمانية"، كما كتب مقالة عن حمدان بن عثمان خوجة ويشتغل حاليا في موضوع "الحياة الاجتماعية في المغرب العربي في العهد العثماني". "المساء" التقت الدكتور زكريا على هامش تسليم تركيا مؤخرا، لبعض الأرشيف المتعلق بالجزائر أثناء العهد العثماني، وأجرت معه هذا الحوار. * ماهي خصائص الحكم العثماني بالجزائر؟ - جاء العثمانيون إلى الجزائر بطلب منها وهذا بعد التهديدات التي كانت تتعرض لها من طرف الأوروبيين وبالأخص من اسبانيا، وعند وصول العثمانيين إلى الجزائر بدأوا في تأسيس حكومة جديدة بالتعاون مع أهل الجزائر. وأسس خير الدين بربروس وعروج وآخرون الإدارة والمعسكرات وجلبوا العساكر من الأناضول بصفة عامة بيد أنهم كانوا يعتمدون على الجيش الانكشاري في الدول غير المغربية وهذا راجع إلى كون طبيعة الجزائر شبيهة بطبيعة الأناضول، كما أنهما ينتميان إلى منطقة البحر المتوسط، وأدى هذا إلى الاختلاط بين الجزائريين والأناضوليين. أما بالنسبة للحكم، فيقوم العثمانيون باختيار الحاكم فيما بينهم ومن ثم يقدمونه للشعب وفي معظم الأحيان يقبل هذا الحاكم من طرف الأغلبية ويبقى فقط توقيع السلطان لتنصيب الحاكم الجديد. * وماذا لو لم يوافق الشعب على الحاكم الجديد؟ - أحيانا يكون الرفض وتحدث حتى ثورات داخل الحصن وهنا يتم تغيير الحاكم ويختار شخص آخر من بين العثمانيين، وهذا استنادا إلى الشعب والوجهاء ورجال الدين، وفي حالات استثنائية فقط يتدخل السلطان في هذه العملية. * وماذا عن نصيب الجزائريين في الحكم؟ - حكم في العهد العثماني، حكام من أصول أناضولية تحولوا إلى جزائريين بحكم الاختلاط مع السكان الأصليين، بالمقابل، أقول انه صحيح أن الداي يكون تركيا ولكن حاشيته تتكون بالضرورة من جزائريين وكمثال عن ذلك المكلف بالخزينة الذي يكون جزائريا. * إذن الأولية هي للتركي عن الجزائري في العهد العثماني بالجزائر؟ - هذا غير صحيح، ومن يقول هذا فيجب أن يؤيد أقواله بالشهادات والمستندات، وكما ذكرت سابقا أن الكثيرين جاؤوا من الأناضول إلى الجزائر وأصبحوا جزائريين أي جزءا من أهل الجزائر ومن ثم عملوا في التجارة بصفة خاصة، وبناء على هذا لا تستطيع الدولة أن تفرق بين الجزائري الأصل والجزائري ذي الأصول الأناضولية، أيضا الدولة العثمانية لم تتدخل قط في تقاليد وأعراف بلد حكمته وهو ما لم يحدث سنة 1830 أي عندما احتل الاستعمار الفرنسي الجزائر سنة 1830 وعمل على تغيير الكثير من أوضاع البلد. * يعني انه لم يكن هناك سخط من أهل الجزائر على الحكم العثماني؟ - لا لم يكن هناك سخط، بل بالعكس كان هناك قبول فكان الجزائريون يرون في السلطان خليفة المسلمين، وهنا أريد أن أوضح الفرق بين عدم قبول سيادة حاكم محلي رفض الخلافة، أي قد يحدث تمرد ضد الحكم المحلي ولكن حسب التاريخ لم يكن هناك أي عصيان ضد الحكم العثماني. * وما هي أسباب تمرد الجزائريين على الحكم المحلي العثماني؟ - في بعض الأحيان لا يتكيف الحكام مع أهل الجزائر، أي أنهم لا يوفرون متطلبات الشعب، أيضا يمكن أن يكون الحاكم مستبدا، وهنا أشير إلى أن الحكم العثماني كان يعتمد على التناوب في الحكام على المستوى المحلي. أي يعين الداي لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات في أغلب الأحيان حتى لا يستغلوا مناصبهم ويضرون الشعب. * حدثنا عن الضرائب التي كانت تفرض على الجزائريين؟ - الضرائب هي ما تجلبه الدولة من الأهالي ونحن نسميها "السليانا"، فكل حاكم محلي يجمع الضرائب من الأهالي ويرسلها إلى خزينة الدولة واستمر هذا الفعل ثلاثة قرون ولم تتغير تقريبا نسبة الضرائب، إلا في حال الحروب فهنا تزيد الضرائب ولكن بنسبة محددة. ولكنني يجب أن أشير إلى ضيم بعض الحكام المحليين في جمع الضرائب أي أنهم كانوا يطلبون من الأهالي المزيد من الضرائب لمصالحهم الشخصية، وهنا أمام تقديم الأهالي لشكاوى إلى الدولة، تطلب هذه الأخيرة من الحكام المحليين تنفيذ أمر الضرائب من دون زيادة. * علاوة على ما ذكرتم، ما هي المشاكل الأخرى التي اعترضت الحكم العثماني بالجزائر؟ - أكبر مشكل كان استمرار التهديدات الأوروبية بالنسبة للجزائر، خاصة من طرف الأسبان الذين حاولوا كذا مرة احتلال البلد، وسبب ذلك حدوث الكثير من الأزمات الداخلية، ورغم ذلك أؤكد كمؤرخ عدم وجود مفردة غير حسنة أوطيبة عن الجزائر في المصادر التركية، مثل كلمة تمرد أوغيرها. صحيح انه كان يكتب بأن الجزائريين يحبون حرياتهم ومن الصعب السيطرة عليهم، ولكن يضاف إلى ذلك أنهم يحترمون السلطة ولا يتسببون في مشاكل مع الحكم. * كيف كانت مكانة الجزائر بالنسبة للعثمانيين؟ - كانت الجزائر تعتبر منطقة إستراتيجية هامة بالنسبة للعثمانيين، لا ننسى أن الدولة العثمانية كانت تسيطر على كل البحر المتوسط وان أهم منطقة من مناطق البحر المتوسط هي الجزائر، فلو لم يستقر العثمانيون بالجزائر لما استطاعوا التحكم في المتوسط، أبعد من ذلك ولأن الدولة العثمانية كانت تحكم الجزائر، كانت محترمة جدا من دول العالم وهذا لأن منطقة العبور البحرية كانت تحت حماية الجزائريين، حتى الأمريكان كانوا يتفاوضون مع الدولة العثمانية لأن هذه الأخيرة موجودة بالجزائر. * كيف هو حال الأرشيف العثماني الخاص بالجزائر في دولة تركيا؟ - كل المجموعة موجودة في الأرشيف العثماني وهناك كتب مخطوطة موجودة في مكتبات مختلفة ومعظمها باللغة العثمانية وجزء منها باللغة العربية، ففي تركيا نوعان من الأرشيف عثماني وتركي وطني. بالمقابل، في العهد العثماني بالجزائر كان كل شيء يكتب في نسختين واحدة ترسل إلى المركز أي إلى تركيا والثانية تحفظ بالجزائر، النسخة الأولى ماتزال باسطنبول بينما النسخة التي كانت موجودة بالجزائر أخذتها فرنسا، وهذه كارثة لأن هناك أرشيفا عن هذه الفترة لا توجد له نسخة ولا صورة في اسطنبول، وبالأخص ذلك الذي يتعلق بالأمور المحلية والذي لم يتم إرساله إلى المركز، ويعتبر هذا الأرشيف في غاية الأهمية لأنه يصف الحياة الاجتماعية بالجزائر. * هل ستقدم تركيا للجزائر الأرشيف المتعلق بها في العهد العثماني؟ - هذا يعود لطلب الجزائر، فهناك اتفاقية بين الطرفين في هذا المجال، وتركيا قدمت العام الماضي بعض الأرشيف للجزائر، وهذه السنة قدمت أكثر من خمسين وثيقة ونحن كجمعية البحوث في الشرق الأوسط وإفريقيا قدمنا أيضا للجزائر، مخطوطا أصليا لكتاب لابن حمدان خوجة، وكذا كتاب أصلي لحمدان خوجة. * هل هناك رسائل تخرّج حول الجزائر في الجامعات التركية؟ - سأتحدث عن طلابي وأقول أن هناك طلابا كثيرين يحضرون رسائل الماجيستير والدكتوراة عن الجزائر وأذكر من بين هذه الرسائل، رسالة ماجيستير عن الأمير عبد القادر ورسالة دكتوراه تتعلق بتأثير المجتمع الجزائري على الفلكلور التركي. * كيف تعرّف تركيا اليوم التي تحولت من إمبراطورية إلى دولة؟ - معظم الإمبراطوريات انتهت في القرن العشرين كروسيا والنمسا وحتى الدولة العثمانية، صحيح أن التحول من إمبراطورية بعشرين مليون متر مربع إلى دولة بأقل من مليون متر مربع ليس بالأمر السهل، ولكن تمكنت تركيا من تحقيق النفوذ في العالم الإسلامي والأوروبي وهي اليوم من الدول الاقتصادية الكبرى.