أكّد الدكتور بومدين بوزيد أمس الأوّل بالصالون الثقافي المنظّم ضمن الأيام الثقافية الجزائرية في احتفالية ''الدوحة عاصمة الثقافة العربية'' أنّ حوار المشرق- المغرب على المستوى الفكري والثقافي، اتّخذ في زمننا الحاضر ثلاثة أشكال هي حوار بين مفكرين أو أكثر، حوار بين مؤسّسات علمية جامعية وكذا تنشيط ندوات ومحاتضرات حوا العلاقة المغاربية الخليجية وتجسي الحوار الثقافي - العلمي بين نخب هاتين المنطقتين العربيتين. وأوضح الدكتور في محاضرته المعنونة ب''الحضور المعرفي للجزائر في التاريخ الثقافي العربي'' وجود حرص على اللقاء التحاوري وامتزاج وتنوّع الخصوصية التي يتميّز بها مفكرو المغرب العربي مع ما يتميّز بها مفكرو ومثقفو المشرق العربي والخليج على تباينهم هم أيضا، خصوصا التمايز بين الدوحة والكويت والرياض ودبي أو بيروت ودمشق، وهي جلسات -حسب المحاضر_ تعمّق العلاقة والتحاور المشرقي - المغربي. وفي سياق متّصل، أشار ضيف ''الصالون الثقافي إلى أنّ ''الصناعة المعرفية'' اليوم رغم حياديتها، تبقى اللغة التي يتحدّث بها المجتمع هي الوسيلة الأكثر قوّة في وصول أكبر عدد من المواطنين، وبالتالي وجب تطويرها وتكييفها مع جمالية وسرعة المعلومة وانتشارها و''الذين يعتقدون أنّ الحداثة أو المعرفة المعاصرة الغربية لم تأخذ من خصوصية اللغة والتاريخ أمر مجاف للحقيقة ويبلغ به الشطط حين يطالبون الآخرين بنسيان التاريخ''. وحصر الأستاذ بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة وهران، تاريخ التأثير في الرحلة من المشرق والمغرب التي كانت رحلة دينية ومعرفية وتأسيسا للدولة، وقال ''بعد الفتوحات الإسلامية تميّزت رحلة المعرفة من المشرق نحو المغرب بكونها تأويلا مخالفا للسلطة القائمة في العهد الأموي والعباسي، تبحث عن فضاء اجتماعي وسياسي آخر، فكانت العصبية الحاضن لهذه المعرفة فأقيمت دول على شرعية النسب الديني الذي يعتبر أيضا القوّة الاجتماعية والتاريخية لهذا التأويل''. واعتبر الدكتور بومدين أنّ المعرفة الجديدة في المغرب، معرفة منتصر لها بفضل قوتين أو شرعيتين تحدّث عنهما ابن خلدون هما ''القوّة التاريخية المتمثّلة في النسبية الشريفية'' و''القوّة الاجتماعية العصبية''، وكلتا القوتين تحتاجان للمعنى المتدفّق من خلال تأويل النص وتنشيط مخيال العودة إلى السلف الصالح، مؤكّدا أنّ الرحلة من المغرب إلى المشرق فجوهرها في الأساس ''رحلة حجازية للحج لكنّها اصطبغت في مراحل تاريخية بالسياسة، فكانت رحلة للتجييش. وذكر المحاضر محطات أثّر فيها الجزائريون على الثقافة العربية، واستعرض أهمّ الأسماء على غرار شيخ الأزهر الذي أسّس مجلة ''الوعي الديني'' وكان مجتهدا ومجدّدا من بسكرة، وهو من سلالة الشيخ الأخضري الذي اختصر المنطق الأرسطي في أرجوزة شعرية سماها ''السلم المرونق في علم المنطق''، وإلى اليوم يعود إليها المشارقة في الدراسات التقليدية وكانت ضمن البرنامج الدراسي للأزهر الشريف إلى جانب كتب جزائرية أخرى في أصول الفقه وعلم الكلام ك''مفتاح الوصول إلى علم الأصول'' للشريف التلمساني، و''العقائد السنوسية الصغرى والوسطى والكبرى''، علاوة على عبد الكريم المغيلي الذي انتصر للمنطق الأرسطي ووقف ضدّ السيوطي الناكر له وحارب اليهود في توات. وواصل الدكتور حديثه باستعراض أسماء لجزائريين أثّروا في الآخر على غرار بومدين الغوث في زمن الموحدين الذي أثّر في ابن عربي ومتصوّفة الغربي الذين هاجروا نحو الشام والإسكندرية، واستمر هذا التأثير لقرون لاحقة بفضل تأثير هجرة النخب الجزائرية بالخصوص في القرن التاسع عشر بما فيها لجوء الأمير عبد القادر إلى سوريا مصحوبا بعائلات جزائرية فيها الأدباء والفقهاء والعلماء، وأشار المحاضر إلى أسماء عديدة من بينها محمد بن علي السنوسي، عائلة الشيخ العقبي، خليفة الأمير في البويرة أحمد الطيب بن سالم، ومن مشاهير الجزائريين بالحجاز عدّد الدكتور بومدين كلا من حمدان الونيسي، محمد البشير الابراهيمي، أحمد رضا حوحو وعمار بن الأزعر، كما نفي إلى الاسكندرية المفتي الحنفي ابن العنابي ولحق به زميله المفتي المصطفى الكبابطي. وممن يذكرهم المؤرّخون حسب ضيف ''الصالون الثقافي'' محمد المهدي السكلاوي الذي أفتى بالهجرة وتوفي بدمشق وله تأثير في الحركة الصوفية وتولى مشيخة الخضرية إضافة إلى محمد الطيب المبارك وصالح السمعوني الذي تولى فتوى المالكية. وفي آخر محاضرته، تساءل الدكتور بوزيد بومدين عن كيفية إعادة قراءة تاريخنا بعيدا عن وهم المركزية والتمركز حول الذات، كما انّ الطريق نحو مدن المعرفة الذكية سيكون من نتيجته انصهار القدرات العربية الذكية نحو تقديم خطاب جديد يكون إقلاعا نهضويا متميّزا وليس كتابة الحواشي على المتن الغربي والاوروبي وكتابة الحواشي على متون عربية استجابت لعصرها وأسئلته في أزمة معيّنة محدّدة.