على بعد كيلمترات من بلدية افليسن التابعة لمنطقة تيقزيرت الساحلية تقع قرية اسناجن التي برهنت على مدى تشبت سكانها بروح التضامن والشجاعة التي كانوا ولا يزالوا يعرفون بها، قصص عديدة تروي تميز القاطنين، بهذه الناحية بصفات مختلفة والتي اثبتوا خلالها عزيمتهم على التصدي لكل ما من شأنه ان يزعزع استقرارهم، أمثال عديدة عن ذلك بدا من قصة عمي ارزقي نتسنانت الذي تحدى بالامس الاستعمار وتصدى لأعداء الوطن وصولا إلى العمل البطولي الذي قام به عرش افليسن التي وقفت وقفة رجل واحد لاسترجاع ابنها المختطف ولمعرفة تفاصل أكثر عن القضية تنقلت المساء إلى القرية، حيث كان أعضاء لجنة اسناجن في الانتظار وتمكنا من جمع بعض المعلومات حتى وإن لم نتمكن من نقلها من فم الضحية. بجامع محمد الراشد السبوسي بدأ العمل البطولي وانتهى في ليلة ال 30 أكتوبر بينما كان الضحية المختطف عبد الله البالغ من العمر حوالي 50 سنة أب لثلاثة أطفال بمطعمه الواقع على حافة الطريق الوطني رقم 24 يقدم خدماته لنحو 20 زبونا كانوا يتواجدون بالمطعم وكانت الساعة، تشير إلى الثامنة ونصف ليلا، دخلت مجموعة مسلحة مجهولة الهوية متكونة من حوالي 15 عنصرا وتحت طائلة التهديد سألوا عن أخ الضحية المدعو ارزقي ولما لم يجدوه اخذوا بدلا عنه عبد الله وقبل ذلك أرغموا احد الزبائن على نقلهم على متن مركبته من نوع كيا بريجيو ومعهم الضحية وانطلقوا باتجاه ازفون، انتشر الخبر كالبرق في قرية اسناجن مسقط رأس الضحية وفي أوساط أفراد عائلة المختطف الذين تذكروا سيناريو 2006، حيث انقلبت القرية رأسا على عقب بعدما قام أخ الضحية بإخبار سكان قريته بالأمر، حيث عاش سكان اسناجن ليلة بيضاء سادها الخوف والقلق، وحسب ما صرح به أعضاء لجنة القرية ل "المساء" فإنه مباشرة بعد تلقيها الخبر من طرف أخ الضحية الذي اسند كل مسؤولية اتخاذ القرارات إليها تحركت في اليوم الموالي أي السبت31 أكتوبر، حيث نظمت عدة اجتماعات بمسجد محمد الراشد السبوسي لدراسة القضية والوصول إلى اتخاذ قرارات بكل عقلانية وكان أول اجتماع لهم على الثانية زوالا، حيث توصلوا الى قرار تنقل 10 أشخاص من القرية إلى مصالح الدرك بتقزيرت وإخطارها بالأمر، في حين اخذ السكان يتوافدون على اسناجن بعد سماعهم الخبر قام سكان القرية وبعض القرى المجاورة بتنظيم موكب وطافوا بسيارتهم المقدرة بحوالي 100مركبة جميع القرى والمداشير معتمدين على مكبرات الصوت وجابوا القرى والمناطق الغابية المحاذية لقرى افليسن لمخاطبة ومطالبة المختطفين إطلاق سراح الرهينة، كما شكلوا مجموعتين من السكان واحدة تتكفل بتوزيع وإلصاق الإعلانات وأخرى تتولى دعوة سكان 38 قرية المشكلة للعرش افليسن عبر مساجدها لحضور الاجتماع والتي تهدف كلها إلى إخلاء سبيل عبد الله بدون دفع فدية.
مكالمة عمرها 10 دقائق انقذت حياة عبد الله خلال عملية توزيع الإعلانات ودعوة السكان الى الانضمام إلى حملة التجنيد حطت مجموعة من السكان رحالها بمسجد قرية تيمليلين، حيث كان الشيخ ارزقي البالغ من العمر 74 سنة، أستاذ في التربية الإسلامية متقاعد يتواجد بالمسجد فتكفل هو بدعوة سكان قريته ومن ثمة أبدى استعداده للمشاركة إلى جانب سكان اسناجن ونظر لكونه معروفا بشخصيته التي تمتاز بالحكمة والعقلانية في اتخاذ القرارات تم إسناد اكبر مهمة إليه والمتمثلة بالإجابة على اتصالات المختطفين، حيث أضاف أعضاء لجنة قرية اسناجن أن مختطفي عبد الله قبل مغادرتهم مطعمه جردوا ابن عمه من شريحة هاتفه النقال والتي تم بواسطتها الاتصال معهم، كما أشاروا انه ومنذ ساعة اختطاف الضحية مساء يوم الجمعة لم تتلق عائلته أية مكالمة هاتفية حول قيمة الفدية التي عليها دفعها لإطلاق سراح ابنها المختطف إلى غاية يوم السبت مساء" تلقى الشيخ ارزقي أول مكالمة في حدود التاسعة صباحا والتي كشف فيها المختطفون عن قيمة الفدية المقدرة ب 700 مليون سنتيم فاخبرهم انه عليه اطلاع سكان عرش افليسن الذين حضروا إلى القرية كما تم إبلاغ مصالح الدرك بمستجدات القضية. وفي صبيحة يوم الأحد المصادف للأول نوفمبر في حدود الساعة الثامنة اخذ سكان قرى اسناجن، تيقزيرت، ميزرانة وغيرهم الالتحاق بالمسجد وألقت لجان القرى كلمة ترحيبية لتشرع في عرض الحلول المقترحة لإنقاذ ابنها المختطف، حيث تم تنصيب خلية أزمة على مستوى مسجد قرية اسناجن تضم 38 عضوا كممثلين للقرى التابعة لعرش افليسن، حيث قرروا الخروج وإيصال صوتهم للمختطفين باستعمال مكبرات الصوت وكلهم عزيمة على تحرير المختطف ومواجهة أي طارئ بمقاومة صلبة، وانطلق موكب يضم حوالي 574 سيارة التي تقل على متنها ما يزيد عن 4 آلاف مواطن والذي يقوده الشيخ ارزقي واتجهوا نحو الأدغال والغابات بحثا عن الضحية مصممين على تحريره وهنا أكد أعضاء لجنة القرية أنهم اتبعوا طرق سلمية بعيدة كل البعد عن العنف، حيث اخذوا يبحثون بكل من تامدا اوقمون، تيمليلين، قوبلي، الساحل، احنوشان، اقني زيطوط وغيرها من المناطق وهم يرددون عبارات "الله يهديكم أخلوا سبيل عبد الله انه مواطن فقير لا يملك المال ليدفع لقد تعرض لعملية اختطاف سابقا وبسبب تلك القضية فقد والدته وهو حاليا غارق في ديون الفدية الأولى، حالة عائلته متدهورة..." وأمام الروح التضامنية التي برهن عليها سكان تيقزيرت والتي نقل صورتها أستاذ التربية الإسلامية الشيخ ارزقي، عاد المختطفون الاتصال به واخبروه بقرارهم الرامي إلى تخفيض الفدية إلى 200 مليون سنتيم وهنا يوضح أعضاء لجنة قرية اسناجن أن الأستاذ لم يفوت الفرصة ليؤكد للمختطفين أن عائلة عبد الله لا تملك المال وأن حالتها الاجتماعية جد متدهورة واخبرهم أن القرار لا يتوقف عليه وحده وانه عليه استشارة لجنة القرية وأنهم سيعاودون الاتصال على الخامسة مساء غير أن سكان ال 38 قرية المحاطين بالأستاذ اخبروهم أن لديهم اجتماعا في هذه الساعة وأن عليهم الاتصال على الساعة السادسة، حيث اطلع الشيخ خلية الأزمة بطلب المختطفين واجتمع ممثلو قرى عرش افليسن الذين خرجوا بقرار عدم دفع الفدية وأنهم سيتحملون نتائج ذلك القرار لا سيما إذا ما لم ينجح مخططهم وقتل المختطفون الضحية، حيث أنهم سيتكفلون بأفراد عائلته وتم إعلام الشيخ بالقرار وفي تمام السادسة رن الهاتف وأجاب حيث أخبرهم بقرار الخلية والذي يقضي بإطلاق سراح الرهينة دون دفع الفدية فقال له المتصل انه سيخبر جماعته بهذا القرار وبعد حوالي 10 دقائق رن الهاتف مجددا ليخبر المختطفون الأستاذ أنهم سيطلقون سراح عبد الله فنواحي اث رهونة.
تصفيقات وزغاريد تعالت بعودة عبد الله سالما بعد الأخذ والعطاء والحوار مع الجماعة المختطفة لعبد الله، انتهى العمل البطولي الذي قام به سكان افليسن والذي يعد الأول من نوعه في تاريخ الولاية بقرار إطلاق سراحه، حيث اخبر المختطفون الأستاذ بأنهم سيخلون سبيله بنواحي اث رهونة وأنهم سيعاودون الاتصال للتأكد إذا ما استلموا المختطف وبعد مرور ساعتين من الزمن عين ممثلوا خلية الأزمة شخصين من القرية، إضافة إلى الشيخ ارزقي الذين انتقلوا إلى المكان الذي تم إرشادهم إليه من طرف المختطفين، حيث وجدوا الضحية يترجل في الطريق الوطني رقم 24 في حالة مزرية، تم اقتياده مباشرة إلى المسجد، حيث كان سكان قرية افليسن ينتظرونه ولما وصل ألقى كلمة أثنى فيها على ما بذله السكان من اجله، كما تم استدعاء زوجته التي لم تتمساك نفسها وذرفت دموعها التي أبكت الحضور من شدة الفرح، حيث لم تصدق أن زوجهاسيعود سالما بعدما قضى ثلاثة أيام رفقة مختطفيه بأدغال المنطقة، لينصرف الكل إلى منزلهم فارحين بعودة ابن قريتهم، كما أنهم قرروا تنظيم زردة بالمناسبة لسكان عرش افليسن، احتفالا برجوع عبد الله. وأضاف أعضاء لجنة القرية أنه لا يمكن وصف فرحة عودة الضحية إلى عائلته وبالتالي تواجده بينهم، رغم أن حالته النفسية سيئة جيدا حيث لا يزال تحت الصدمة ويرفض أية مقابلة أو الايدلاء بأي تصريح، حيث انه ومنذ اختطافه إلى يومنا هذا لا يزال محله التجاري مغلقا، كما انه لا يغادر بيته من شدة الخوف، حيث أصيب بمرض السكري بسبب هذه الحادثة، حيث فقد والدته بعد وقوعه ضحية اختطاف في 2006 وحاليا عائلته تدهورت حالتها خاصة الحالة الصحية لأبيه.
ارزقي نتسنانت كافح الاستعمار وبعد ذلك الإرهاب منذ 1994 لم تعرف منطقة افليسن أي هجوم أو اعتداء إرهابي، حيث يقول عمي ارزقي نتسنانت المجاهد البالغ من العمر 72 سنة الذي كافح الاستعمار من اجل تحرير وطنه ولم يتوقف كفاحه عند هذا الحد، حيث واصل نضاله ضد أعداء الوطن وظل يرفع رشاشه الذي اسقط به الجنود الفرنسيين لمحاربة المجرمين الذين يسعون إلى زعزعة استقرار الدولة وهو يعود بنا إلى شتاء 1994 انه في احد ليالي شهر نوفمبر، بينما كان هو وأفراد عائلته خالدين إلى النوم سمع طرقا على الباب وشخصا ينادي باسمه ولما استفسرهم اخبروه أنهم قوات الجيش، ويضيف أن عددهم كان 10 إرهابيين يرتدون لباسا مدنيا وعسكريا ومسلحين بأسلحة مختلفة طلبوا منه الخروج وأضاف المتحدث انه أدرك حينها أنهم إرهابيون، حيث قال لهم أن الجيش يحضر نهارا وليس ليلا، فرفض الانصياغ لأوامرهم ما أفاض غيظهم ليطلقوا العنان لألسنتهم بالسب وخلالها استعد عمي ارزقي حسب تصريحه لمواجهة الإرهابيين باعتماد رشاشه من نوع ماط 49 الذي كان ذراعه الأيمن خلال ثورة نوفمبر التحريرية فأمر كل أفراد عائلته بالانبطاح على الأرض وأطلق وابلا من الرصاص، حيث افرغ خزانين يحتويان على 60 خرطوشة واسقط إرهابيا وجرده من سلاحه، كما أصاب اثنين آخرين ولاذ البقية بالفرار الى وجهة مجهولة، وتبين فيما بعد أن احد المصابين مات في الطريق والآخر تم نقله إلى المستشفى والقي القبض عليه وفي الصباح حضر سكان قرية تسنانت الى منزله، اما مصالح الدرك فقامت بنقل جثة الارهابي واسترجاع السلاح. وأوضح المجاهد ارزقي نتسنانت انه ومنذ ذلك الحين شارك في عدة عمليات مع الجيش في القضاء على العناصر الإرهابية الناشطة بغابة ميزرانة ونواحي افليسن واسترجعوا كمية من الأسلحة، حيث أن أول إرهابي سقط بجلودة الواقعة بغابة أفحام التابعة لسيدي نعمان كان على يده وأضاف انه ومنذ 1994 لم تعرف المنطقة أية حالة خوف أو لا أمن حيث لم تسجل أية حالة اختطاف أو سرقة أو ما شابه ذلك. ويقول المجاهد نتسنانت أنه عندما تعرض عبد الله لعملية اختطاف ثانية اهتزت القرية على وقع انتشار الخبر وكذا القرى المجاورة وأبدى الجميع عزيمة واستعدادا للبحث عنه في الأدغال والغابات كغيره من سكان عرش افليسن وفعلا بفضل تضافر وتعاون سكان ال38 قرية لافليسن اخلي سبيل المختطف دون دفع عائلته الفدية وأكد المجاهد ارزقي نتسنانت أن ما قام به عرش افليسن هو درس للارهابيين وانتصار للقرويين وعبرة للقرى الأخرى التي تعاني من ويلات الإرهاب التي -كما قال- عليها أن تتخذ العمل البطولي لافليسن قدوة للدفاع عن أمنها وممتلكاتها وتتصدى بكل الطرق للجماعات الإرهابية.