أطل تشيكوف على المسرح الوطني الجزائري، بمسرحيته البجعة التي عرفت في أول ظهور لها سنة 1896 فشلا ذريعا لتعود بعد عامين من ذلك وتحقق نجاحا باهرا وتصبح من بين أهم المسرحيات العالمية، وهي التي تناولت وضعية الفنان الصعبة وأحلامه الوهمية وتطرقت أيضا إلى الحب ومواجعه. مسرحية البجعة من إخراج إيفان روموف وعن مسرح لانش بمرسيليا، قدمت أول أمس بالمسرح الوطني الجزائري لتكون خاتمة جولة مسرح لانش بالجزائر في إطار الاتفاقية المبرمة بين هذا المسرح والمسرح الوطني الجزائري. تحكي مسرحية البجعة قصة نينا التي تريد أن تصبح ممثلة وقسطنطين الذي يرغب في أن يكون كاتبا مسرحيا فيتحد المحبان في عمل مسرحي جديد ويقدمانه في القرية التي يعيشان فيها وأمام أفراد عائلتهم والجيران، فماذا كانت النتيجة؟ فشل العمل وسط سخرية والدة قسطنطين، الفنانة الروسية المشهورة. يحس قسطنطين بالأسى خاصة عندما يدرك أن نينا حبيبة قلبه قامت بتبديله بغريغورين عشيق والدته والكاتب الكبير، فيذهب للصيد ويتمكن من اصطياد بجعة ويهديها إلى نينا وفي نفس الوقت يأتي غريغورين ويرى البجعة وهنا تبدأ حبكة القصة، حين يقرر غريغورين أن يجعل من نينا بطلة مسرحيته ولكن على أرض الواقع، فنينا تقضي كل أوقاتها أمام النهر مثل البجعة وهي حرة وسعيدة مثل البجعة أيضا ولكن هذه الأخيرة رغم كل شيء تتعرض إلى القتل من طرف رجل، نعم هكذا تتحول نينا إلى بجعة ويقتلها غريغورين عندما يأخذها من محيطها بهدف ضمان نجاحها في التمثيل إلا انه يحطمها نفسيا وفنيا وكأنه يقتلها مثلما قتل قسطنطين البجعة. كيف استطاع غريغورين أن يكون بمثل هذه القساوة والجنون؟ربما هو جنون الكاتب الذي أراد أن يكتب على صفحة الواقع فيحطم حياة نينا وبعدها حياة قسطنطين الذي لم يصبح هو بدوره كاتبا معروفا فتكون النهاية موتا روحيا لنينا وانتحار لقسطنطين. لقد أراد تشيكوف أن يسلط الضوء على وضعية الفنان الصعبة خاصة النشء منه والذي قد يواجه صعوبات لا تتحملها الجبال خاصة في بداية مسيرته الفنية، أيضا تكلم تشيكوف عن الحب وبالأخص الذي لا أمل منه، فماشا الشابة تحب قسطنطين وهذا الأخير يحب نينا ونينا تذهب مع غريغورين وهذا الأخير عشيق ايرينا والدة قسطنطين. هذه المسرحية التي وان جاءت في فصولها الثلاثة بطابع أريد له أن يكون كوميديا إلا انه كان تراجيديا، وهذا في أكثر من نقطة، نذكر قصص الحب التي وان ملأت فضاء المسرح فإنها بالمقابل لم تجلب له السعادة المنتظرة بل بالعكس سببت الكثير من الآلام والتي أدت بقسطنطين إلى الانتحار، أيضا العلاقة المضطربة بين قسطنطين ووالدته الفنانة الكبيرة التي لا تعترف بقدرات ابنها في مجال الكتابة المسرحية، فكان هذا العمل عنوانا لأكثر من قصة حب هائمة وتعيسة وعنوانا آخر لكل ذاك الضياع الذي يعيشه أناس يجدون صعوبات جمة في تحقيق أحلامهم الفنية والأدبية وكذا التيهان الذي تذوب فيها شخصياتهم . بالمقابل، أدى ممثلو مسرح لانش أدوارهم بإتقان في عمل دخل عالم الإنسانية من بابه الواسع، فكان عملا مختلفا جدا عن مسرحية "كان سعيدا مرة واحدة تحت المظلة" لتشيكوف التي قدموها في المسرح الوطني الجزائري في بداية الجولة الفنية، والتي كانت في ستايل "كباري"، وفي هذا السياق قال ايفان روموف مخرج العملين ل"المساء" أن فرقة غريغور لمسرح لانش تهتم بتقديم أعمال مختلفة جدا. فقد كان عمل "كان سعيدا مرة واحدة تحت المظلة" في غاية الخفة وهو يتناول قصص تشيكوف بطابع كوميدي محض وبأغان من التراث الفرنسي، وكان هذا العمل الذي شارك فيه نفس ممثلي مسرحية "البجعة" في غاية التميز بحيث عندما يدخل الجمهور إلى قاعة الحاج عمار بالمسرح يقدم لهم الشاي ويدعون إلى الجلوس على طاولات مزينة بالشموع، حتى أنهم يشاركون في العرض الذي بدأ قبل وقته الرسمي أم انه انطلق في وقته الرسمي، لا ندري لان الممثلين لم ينكفئوا في التمثيل منذ أن دخل أول شخص من الجمهور إلى المسرح.