"موريس فانسان"، مدير مسرح لانش بمرسيليا، اختار الفن الرابع عن التدريس، وأصبح محترفا في سنوات السبعينات بمرسيليا، ممثل مسرحي أخرج العديد من المسرحيات مثل: "كاليغولا" لألبير كامو، أنشأ مسرح لانش منذ 32 سنة، هو أيضا وكيل ثقافي ويعمل مع الجمعيات والمدارس من خلال عمليات تحسيسية حول أهمية المسرح في حياة المواطن. "المساء" التقت موريس فانسان على هامش جولة مسرح لانش في عدد من الولاياتالجزائرية مؤخرا وأجرت معه هذا الحوار. - حدثنا عن الجولة الفنية التي قمتم بها مؤخرا في بعض الولاياتبالجزائر؟ * نعم، كانت جولة فنية جميلة، امتدت على مدار أربعة أسابيع، بداية بالجزائر العاصمة ثم بجاية، وهران فمستغانم وانتهت بعد ذلك في العاصمة. حقيقة نحن جد سعداء بهذه الجولة التي قدمنا فيها ثلاثة عروض مسرحية مختلفة وقراءة مسرحية واحدة، كما أن استقبال وتجاوب الجمهور مع هذه الأعمال كان رائعا. - تندرج هذه الجولة ضمن اتفاقية وقعّت بين المسرح الوطني الجزائري ومسرح "لانش"، ماذا تقول عن هذه الاتفاقية؟ * وّقع المسرح الوطني الجزائري ومسرح لانش اتفاقية تعاون نهاية سنة 2006، وكان من بين بنودها أن تكون مفتوحة حسب رغبة الطرفين، وفي هذا السياق نقوم كل سنة بوضع برنامج للسنة المقبلة. وعن برنامج سنة2010، سيكون هناك تبادل بين عروض المسرح الجزائري ومسرح لانش، فسيزور المسرح الجزائري مرسيليا بحيث سيقدم على خشبة مسرح لانش شهر أفريل عرضين واحد باللغة العربية والثاني باللغة الفرنسية من إخراج بن قطاف، تحت عنوان"التمرين"، وسيقوم ممثلون فرنسيون بلعب المسرحية التي ستعرض باللغة الفرنسية. أيضا سيعود ايفان روموف، المدير الفني لمسرح لانش إلى الجزائر شهر جانفي الجاري، لتنشيط ورشات (ماستر كلاس) مع مسرحيين جزائريين، علاوة على قيامنا نهاية سنة 2010 بعرض مسرحية "رؤية ليلة صيف" لشكسبير بتمثيل جزائري فرنسي، وبالضبط من طرف مسرحيين وطلبة معهد فنون العرض ومهن السمعي البصري و"ايراك"وهي مدرسة للمسرح بكان الفرنسية، (عشرون ممثلا)، بحيث سيتحدث الجزائريون إما بالعربية أوبالامازيغية، بينما سيتحدث الفرنسيون في نفس العرض الذي يخرجه كل من بن قطاف وروموف بالفرنسية. - وماذا عن تحضيرات مسرح "لانش" لتظاهرة مرسيليا عاصمة الثقافة الأوروبية سنة 2013؟ * حقيقة لدينا الكثير من الطموحات نود تجسيدها على أرض الواقع بمناسبة تظاهرة مرسيليا عاصمة الثقافة الأوروبية، إذ نرغب في تقديم عرضين كبيرين، الأول عن نص فرنسي والثاني عن نص جزائري قد يكون لعلولة بمشاركة ممثلين جزائريين وفرنسيين وهذا للتأكيد على الروابط القوية بين الجزائر ومرسيليا خاصة في الفن الرابع. - ماذا تعرف عن المسرح الجزائري؟ * تعرفت على المسرح الجزائري منذ 2006 من خلال مهرجانيها المحترف والهواة ومن ثم المهرجان الإفريقي الثقافي، بحيث شاهدت عروضا مختلفة جدا وهذا هو الأهم بالنسبة لي. صحيح انه ليس لدي نظرة عامة على المسرح الجزائري ولكن ما أريد الإشارة له هو استعادة هذا المسرح لبريقه، إذ أنه يعيد تكوين نفسه ويتجه نحو أشكال جديدة بعد فترة الركود التي عاشها في عهد ماض. وفي هذا السياق، شاهدت الكثير من العروض الكلاسيكية والقليل من العروض بنصوص معاصرة، اعتقد انه من الصعب الآن أن نصدر أحكاما على المسرح الوطني نظرا لتنوعه الكبير. - وماذا عن مسرح "لانش" بمرسيليا؟ * مسرح "لانش" هو أحد مسارح مرسيليا الكثيرة وهو ليس مسرح حكومي، بل جمعية مسرحية مموّلة من طرف مؤسسات حكومية ويقع في أقدم حيّ في أوروبا اسمه "لوبانيي"، يحتوي على ثلاث قاعات مسرح، الكبرى بثلاثين مقعدا والقاعة الثانية بخمسين مقعدا والثالثة أيضا تضم خمسين مقعدا، ونعتمد على اختيار الأعمال التي تهتم بالإبداع والتجديد بالدرجة الأولى، كما أن المسرح يضم تعاونيتين الأولى تسمى "غريغور" والثانية "ميني تياتر"، علاوة على قيامنا أيضا بمساعدة وإنتاج تعاونيات أخرى التي تهتم بالتجديد أيضا. وفي هذا الصدد، نهتم كثيرا بأعمال الكتاب المعاصرين، من فرنسا وخارجها فمثلا عملنا على نص سارج فاليتي ونص ماتيي فيشناك، فنحن نعمل كثيرا مع الكتاب الأحياء ونطلب منهم المساهمة معنا في العمل المسرحي. كما نعمل أيضا مع مسرح الهواة الذي يختلف عن مفهوم مسرح الهواة في الجزائر، فعندنا المسرحي الهاوي لا يهتم إطلاقا بان يصبح يوما ما محترفا لأنه لا يعتبر المسرح مهنة بل هواية يمارسها في أوقات فراغه. - ما هي سبل مسرح لانش في جذب الجمهور إلى المسرح؟ * الجمهور لا يأتي بطريقة عفوية إلى المسرح، لهذا نهتم نحن بالعمل مع المدارس والجمعيات لكي نجذب الجمهور إلى قاعات العرض، وطبعا قد نحقق أغراضنا مع البعض ولا نحققه مع البعض الآخر، هو عمل ليس سهل بالمرّة. - هل لكل مسرح جمهوره الخاص؟ * جمهور المسرح متنوع، هذه حقيقة، وفي العادة لا ينجذب الجمهور إلى النصوص المعاصرة، لأن كتاباتها معقّدة وهو يحبذ بعض النصوص الكلاسيكية مثل نصوص "موليار" و"شكسبير،" وأيضا يفضل الأعمال الكوميدية. - وماذا عن تمويل مسرح "لانش"؟ * يتلقى مسرح "لانش" تمويلا من طرف مدينة مرسيليا ومقاطعة "بوش دور رون" اللّتين تساعداننا بكثرة، أيضا نتلقى مساعدة من منطقة كوت دازير، بالمقابل لا نتلقى أي دعم من وزارة الثقافة رغم رضاها على عملنا، عموما نحن دائما بحاجة إلى المزيد من الأموال بحكم برامجنا المسرحية الجديدة ولكن بصفة عامة نتلقى تمويلا محترما من طرف المؤسسات المحلية والإقليمية. - حدثنا عن البنية المسرحية في فرنسا؟ * هناك فضاءات مسرحية تحت رعاية وزارة الثقافة وتسمى بالمراكز الدرامية، وعددها حوالي 12 موزعة على تراب البلد، أيضا هناك ما يسمى "خشبات المسرح"، والتي هي موزعة في كامل القطر الفرنسي، أما باقي المسارح فهي تخرج عن تنظيم وزارة الثقافة رغم أنها يمكن لها تمويلها، وتكون تحت تسيير المؤسسات المحلية والإقليمية أي المقاطعات والمدن والمناطق، مثل المسارح البلدية ومثلا في مرسيليا يوجد مسرح بلدي ومركز مسرحي وخشبتي مسرح، وهناك كذلك مسارح على شكل تعاونيات وجمعيات. - قامت القناة الفرنسية الحكومية الثانية بعرض مسرحيات على التلفاز، ما رأيك؟ * إذا تم تصوير المسرحية بغرض عرضها في التلفزيون أي تم الاعتماد على أكثر من كاميرا ووفق ديكور خاص بالتلفزة فلا أمانع في ذلك، أما إذا عرضت المسرحية بدون مراعاة خصوصيات البث التلفزي، فأنا أرفض ذلك لأن العمل المسرحي سيفقد خصوصياته هو الآخر بما أن مكانه في الأصل، غير التلفزيون بل على الخشبة. بالمقابل، التلفزة الحكومية تنقصها الجرأة في اختيار المسرحيات بحيث ينصب اهتمامها على الأعمال الكوميدية عكس قناة أرتي (قناة ألمانية فرنسية) التي تهتم بمسرحيات مهمة ومتنوعة، وبالتالي أرى أن بث المسرحيات على التلفاز قد تكون خطوة ايجابية إذا تطورّت في المستقبل. - ولكن لماذا تخاف القنوات الحكومية الفرنسية من تنويع العروض التي تبثها؟ * يعود خوفها هذا إلى اقتصار اهتمام الجمهور بالأعمال المسرحية الكوميدية، أيضا يعتقد مسؤولو القنوات التلفزيونية الحكومية بأن الجمهور أحمق ويهتم فقط بكل ما هو سهل وبسيط، وأنا اعتبر ذلك احتقارا لهذا الجمهور الذي في الحقيقة يهتم كذلك بالمواضيع الذّكية. - في ظل التكنولوجيات الحديثة وسرعة الاتصال، هل ما يزال المسرح الوطني أحد أهم عوامل تلقين مفهوم المدنية لدى المواطن؟ * أكيد، المسرح يحتوي على أدوات ثقافية رئيسية تساعد على تنمية حّس المدنية، فهو عبارة عن شكل من أشكال التعابير الفنية التي تحمل مضمون ومعنى وفكر تسمح للمواطن في تكوين نظرة على المجتمع. لكن يجب أن أوّضح أنه ليس من دور المسرح تقديم الأجوبة بل في تسليط الضوء على المشاكل ودفع الجمهور إلى إيجاد الحلول، وهذا هو بالنسبة لي حسّ المدنية في المسرح. أما إذا تكلمنا عن فرنسا، فقد كان دور المسرح في تنمية حسّ المدنية مهما بعد الحرب العالمية الثانية، بالمقابل لم يعد مسرح اليوم مسرح القضية مثلما كان عليه في السابق، فأصبح الاهتمام ينصب بالدرجة الأولى على العمل الفني أكثر بكثير من مخاطبة المجتمع. - وماذا عن دور النقد المسرحي في مواكبة تطورات الفن الرابع الفرنسي؟ * في فرنسا، هناك نقاد مسرح يحملون رؤية عميقة وحقيقية حول الفن الرابع، ويكتبون أشياء مهمة ولكن عددهم تناقص كثيرا، بسبب ضيق مساحات الجرائد المخصصة لمقالاتهم، بحيث لا يمكن للناقد أن يكتب تحليلا نقديا كما يريد. هناك أيضا جامعيون يكتبون عن المسرح ولكن عددهم أيضا تناقص كثيرا. - ما هي الصعوبات التي يواجهها المسرح الفرنسي في مسيرته الفنية والثقافية؟ * يكافح المسرح الفرنسي اليوم على أكثر من وجه، والبداية تتمثل في الصعوبات المالية، وبالأخص التراجع الكبير الذي يشهده نظام التعاونيات الدائمة للممثل والتي تكاد تندثر، أي هناك نظام في فرنسا ينص على تلقي الفنان أوكل من يعمل في هذا الجانب من التقنيين لمنحة شهرية حتى وان كان بدون عمل، وهذه المنحة تعرف قيمتها تراجعا كبيرا وهو ما يسبب الكثير من الصعاب خاصة للذين لا يعملون طيلة العام، كما أن هناك سياسة تريد حذف هذه المنحة، نعم، هناك مشكل أموال بالمقابل هناك أموال كثيرة في مجال الفن الرابع وان كانت ليست كافية بالدرجة التي نريدها. المشكل الثاني يتمثل في تكوين جمهور جديد للمسرح لأننا في الحقيقة لا نهتم بهذا الأمر ونحتفظ بجمهور المسرح العادي، لم نعد نبحث كيف نجذب إلى المسرح جمهور جديد، هناك أيضا مشكل كتاب النصوص فقد ظهرت في سنوات الخمسينات الكثير من الأسماء التي تكتب في المسرح "كيونسكو" و"بيكت اداموف"، أما اليوم ومنذ 15سنة تناقص عدد كتاب المسرح. - هل تعتقد أن المسرح محطة ضرورية لكل ممثل تلفزيوني وسينمائي؟ * لست متأكدا من هذا القول، هناك تكوين أولي متشابه لجميع الممثلين، بعدها لكل ممثل طريقه الخاص، كما أن مهنة التمثيل المسرحي مختلفة عن مهنة التمثيل التلفزيوني والسينمائي، فالعلاقة التي تنسج بين الممثل المسرحي والجمهور على الخشبة ليست نفسها التي تكون بين الممثل والكاميرا، أيضا الكاميرا يمكن أن تقوم بتأطير بعض ملامح وجه الممثل وهذا الشيء لا يمكن أن يكون مع الممثل المسرحي. - هل تعتبر عروض "وان مان شو"، أحد التعابير المسرحية؟ * ممثل"وان مان شو" يحتاج إلى تكوين مسرحي أساسي لأنه يواجه الجمهور على المباشر، وهنا أتوقف لأقول أنه يجب التفرقة بين الممثل الذي يمارس "وان مان شو" بطريقة كوميدية أي يقوم بسكاتش ويتحدث إلى الجمهور، وهو ما أراه ليس مسرحا بالتحديد ولكن أحد أشكاله، وبين المسرحي الذي يقف لوحده على الخشبة ويقدم عرضا عن شخصية أوعن حكاية ما وهو ليس "وان مان شو". - هل يمكن التطرق إلى أي موضوع في الفن الرابع بفرنسا؟ * حقيقة، لا توجد رقابة في المسرح بفرنسا، قد تكون هناك ردات فعل على عمل ما من طرف جمعيات مثلا ولكن لا يتدخل نظام الحكم في اختياراتنا، وأعطي مثال عن ذلك عن تمثيلنا مسرحية لجان جوني "لي بارافان" التي تحكي عن التعذيب في الجزائر من طرف المستعمر الفرنسي، بحيث واجهنا تنديدات من طرف جمعيات اليمين المتطرف.