انقلبت كرة القدم في الآونة الأخيرة بقدرة قادر إلى حدث جزائري اهتم به الصغير قبل الكبير، وتابع أطواره الجميع في اهتمام مبالغ فيه إلى حد كبير، ولعل فوز الجزائر على مصر في مقابلة الذهاب بداية جوان الفارط كانت بمثابة الخطوة الحقيقية في تعبئة جماهيرية غير مسبوقة ليس لمساندة "الخضرا" فقط وإنما للجزائر ككل. أصبحت كرة القدم بمجتمعنا اللعبة الأكثر شعبية بدون أي منازع، ولعلها كانت كذلك من قبل بصفتها الأكثر استقطابا للتعبئة الجماهيرية، ولكنها منذ أسابيع أصبحت في دائرة الاهتمام لدى العام والخاص بفضل منتخبنا الوطني ومسيرته في افتكاك تأشيرة المونديال، كما أن اللغط الكبير الذي دار في أطوار المقابلات بين منتخبنا ونظيره المصري إلى جانب الحرب الإعلامية الشعواء التي شنها الإعلام المصري على كل ما هو جزائري دون استثناء، زاد من إقبال الجماهير الجزائرية على معرفة كل صغيرة وكبيرة عن منتخبنا الوطني، ولا يستثنى أحد من الدائرة، فالكل معني ونقصد كل من يسري في عروقه دم جزائري، سواء داخل الوطن أو خارجه.. جيش.. شعب معاك يا "الخضرا".. معاك يا "دزاير"
بلغ الاهتمام أوجّه مع اقتراب ساعة الحسم أمام الفريق المصري، وخير دليل إصرار المناصرين على تتبع الفريق الوطني أينما حل لمناصرته ومؤازرته.. في السودان.. في الصومال وحتى في إثيوبيا على حد تعبير أحد الأنصار، والصور التي رآها العالم أجمع إثر استقبال الجزائر لأبطالها الخميس الفارط تقطع الشك باليقين، إن همة شعبنا توحده الأزمة إذا طالت، وطننا الجزائر، رغم أن توظيف مصطلح "أزمة" هنا لا يخدم مفهومه من وجه نظرنا. المهم.. ما عاشه الشارع الجزائري طوال أسبوع كامل من "الشطيح والرديح" منذ صباح السبت قبيل مقابلة العودة مع مصر وما بعدها رغم الهزيمة المرة باستاد القاهرة بعد المعاملة السيئة التي تعرض لها أشبال سعدان هناك، عكس حقيقة الاهتمام الشعبي بكرة القدم مادام الأمر يتعلق بممثل الجزائر (المنتخب الوطني)، كما يعكس الوقوف التلقائي للجزائريين صفا واحدا أمام كل من تسول له نفسه المساس بكرامة الجزائر وأبنائها ولو بكلمة، ولا داعي للخوض في التفاهات!.. وصنعت هتافات المواطنين التلقائية "أغنية وطنية" فريدة من نوعها والجميع استمع لها منذ السبت الماضي على نحو "جيش.. شعب معاك يا سعدان او جايين للسودان".. "رانا معاك يا الخضرا".. وغيرها من المقاطع الغنائية التي ولدتها همة مؤازرة الخضر في ظرف استثنائي لم تشهده الساحة الكروية العالمية من قبل. زياني، صايفي والجماعة.. ينسون الجزائريين أنفسهم
وهكذا أصبحت كرة القدم الاهتمام رقم واحد للجزائريين لأكثر من أسبوعين، وربما لأسابيع لاحقة، فنسوا بذلك التحضير لعيد الأضحى وتناسوا إضراب الأساتذة الذي يضع مستقبل أبنائهم على المحك، كما كانت الأحداث الكروية في مجملها مادة خصبة للإعلام الوطني بمختلف تياراته وصنعت صور "فريق سعدان" صدارة الصفحات الأولى لكل الجرائد اليومية والأسبوعية والشهرية وحتى المتخصصة لأسابيع متتالية، وكانت الجرائد قبلة للمواطنين طيلة تلك الأيام وما تزال، وتهافت الآلاف على الجرائد كل صبيحة جعلت كل العناوين الصحفية تباع في رمشة عين، وانقلبت المعادلة أمام الطلب الذي فاق العرض بالكثير.. ويمكن الجزم بأن الصحافة الوطنية صنعت من جهتها الحدث بتناولها لكل صغيرة وكبيرة، وانقلبت التيارات الإعلامية إلى رياضية بحتة، فالإعلام المحترف يقتضي مسايرة الحدث الذي جعلنا كإعلاميين نخوض في الكتابة عن الحدث الكروي رغم معارفنا القليلة بهذا الميدان، وكذلك كان الشأن بالنسبة للكثيرين ممن راحوا يعودون للمحللين لاستقراء أطوار المقابلة الفاصلة والتساؤل حول إمكانية أن يعاود التاريخ نفسه، وهو ما حدث فعلا، إذ أن نفس التاريخ الكروي يقر بانهزام فراعنة مصر أمام منتخبنا الوطني في الملاعب المحايدة، وكانت هذه التحليلات بمثابة مقويات للمعنويات قبيل إجراء المقابلة، أما النتيجة الرائعة فكانت وراء إعلان الأفراح التي لا شك أنها ستدوم لأسابيع. أما الراية الوطنية فإن المواطن الجزائري جعلها في لباسه وفي حديثه وضمن مشترياته وعلى شرفات المنازل وعلى السيارات، وحتى في أغانيه وقبل ذلك في قلبه، وتصالح المناصرون ممن يطلق عليهم الإخوة الأعداء مع بعضهم، وتصالح الجزائريون مع واقعهم كيفما كان مادام دم العروق حارا كلما تعلق الأمر بالجزائر، وأكيد أن كرة القدم ستكون دائما في قلب الحدث عند الجزائريين، رجالا كانوا أم نساء، شبابا أو شيابا بعد كل ما حدث، والاهتمام سيكون أيضا بلاعبي الفريق الوطني ومتابعة أخبارهم سواء ممن يلعبون في الأندية الوطنية أو الأجنبية، أما التجار فسيجدون المادة الخصبة للربح المطول في كل ما يمت بصلة لسعدان ولاعبيه من صور ولباس وغير ذلك.