استقبلت عيادة نعيمة، ملحقة المستشفى الجامعي مصطفى باشا بالعاصمة وحدة أمراض النساء والتوليد، التي أصبحت قبلة لعدد كبير من النساء الحوامل المشتبه في إصابتهن بحمى أنفلونزا الخنازير، ومنذ تاريخ 3 ديسمبر الماضي 544 حالة مشتبه فيها 16 حالة منها أثبتت التحاليل أنها إصابات مؤكّدة في حين تم إخضاع 148 امرأة حامل للعلاج داخل العيادة لم تغادرنها حتى تماثلن للشفاء. "المساء" زارت هذه العيادة وعاينت مختلف أقسامها والتدابير الوقائية والعلاج المتبع بها كما حاورت بعض المصابات بفيروس "ا/اش1ان1". عند زيارتها للعيادة سجلت "المساء" أجواء هادئة تختلف تماما عن تلك التي عاشتها قبل أسابيع بسبب العدد الكبير للنساء الحوامل المقبلات عليها، إذ لم يكن حسب أحد الأطباء يقل عن ال200 امرأة في اليوم ممّا خلق ضغطا كبيرا على المصلحة. وأرجع الطبيب ذلك إلى موجة القلق والرعب التي أثيرت في أوساط المواطنين بمختلف شرائحهم حتى أن النساء الحوامل أصبحن وبمجرد ظهور بعض الأعراض للأنفلونزا يسرعن نحو العيادة وهن في حالة نفسية صعبة للغاية. أمّا حاليا يضيف الطبيب المختص في أمراض النساء فإن الأمور ضبطت والأجواء هدأت وأصبحت العيادة تقوم بمهامها في ظروف أحسن. وقد أصبحت عيادة نعيمة ملحقة المستشفى الجامعي مصطفى باشا بالعاصمة ووحدة أمراض النساء والتوليد وجهة لاستقبال الحوامل المحتمل إصابتهن بفيروس "إش1 إن "1 بعدما سجلت الجزائر أكبر نسبة وفيات بالمرض لهذه الفئة حيث بلغت إلى حد الآن 14 حالة وفاة، وذلك بسبب نقص المناعة لديهن وهشاشة صحتهن التي جعلت منهن أفضل فريسة لهذا الفيروس الخطير. إجراءات وقائية صارمة وتكفل فوري بالحالات المشتبه فيها لم نكن نعلم عند وصولنا إلى عيادة "نعيمة" أن مظهرنا سيتغير بمجرد دخولنا لبهو الاستقبال لنصبح جزءا من الديكور الطبي المتميّز باللون الأبيض، لون المئزر الطبي، والبدلات الطبية الوقائية الكاملة ذات اللون الأزرق الخافت، ارتدينا البدلات التي سارعت إحدى الممرضات إلى إحضارها من باب الوقاية والتي غطّت جسمنا من الرأس إلى الرجلين لنصبح أفرادا لا نختلف عن أعضاء أسرة العيادة من أطباء وممرّضات وقابلات. وعبر الرواق المؤدي إلى مختلف الأقسام جابت فرقتنا لتلج غرف تضم مجموع خمس نساء حوامل يشتبه في حملهن للفيروس في انتظار تأكيد التحاليل ذلك. كلّهن لم تتردد ولو لحظة في التحدث إلينا حتى وإن رفضن جلهن باستثناء إحداهن أخذ صورة "سأتحدث إليكم وسأرد على أسئلتكم كما تشاءون لكن لا داعي لتصويري"، هكذا استقبلتنا (م.ن) (39سنة) تقطن بولاية بومرداس، حامل في الشهر الثامن كانت تتقاسم الغرفة رفقة سيدتين أخريين، روت لنا كيف بدأت معاناتها مع المرض ووصفت لنا الأعراض الأولى التي ظهرت عليها قبل أن تبدأ مغامرتها عبر أقسام الاستعجالات بالمستشفى إلى أن تم الاحتفاظ بها لإخضاعها للعلاج بعيادة نعيمة. "التحقت بهذه العيادة قبل يومين فقط رغم أن الأعراض ظهرت قبل ذلك فكانت حمى شديدة مصحوبة بالآم لا تحتمل على مستوى مفاصل الأطراف السفلى وأول ما فعلته عائلتي هو نقلي على جناح السرعة نحو مستشفى الثنية حيث رفض الأطباء هناك استقبالي والتكفل بي بحجة أن حالتي خطيرة، بعدها عدت إلى المنزل حيث اكتفيت بتناول بعض المشروبات الساخنة على شكل منقوع إلا أن حالتي ازدادت تدهورا فكان لا بد من الاستنجاد بأحد أقاربي العامل بمستشفى مصطفى باشا لتنتهي معاناتي بعد ذلك بالالتحاق بعيادة "نعيمة" التي أتابع فيها العلاج المناسب منذ يومين والحمد لله أنني أشعر الآن بتحسن كبير في حالتي الصحية". ولأن مدة العلاج ضد الفيروس لا يتجاوز الخمسة أيام إلا انه يمكن للمصابة (م.ن) أن تبقى في العيادة حتى تضع مولودها وهي الرغبة التي أبدتها وهي تحدثنا ونحن مرفقين بإحدى الطبيبات التي ردت بقولها أن الحامل التي تكون على وشك وضع مولودها نحتفظ بها في العيادة إلى ما بعد الولادة حتى ولو شفيت من المرض إذا كانت تشعر بأي خطر على حملها. لا زيارة ولا اقتراب من المرضى أما (ب.س) 30 سنة القاطنة بالقليعة فقد وضعت مولودها ورغم ذلك لاتزال تعالج بالعيادة بعد أن سجل الأطباء ارتفاعا في درجة ضغطها الدموي قالت هذه المريضة أنها شعرت بأولى الأعراض وهي تشارك شقيقتها في حفل زفافها بإحدى قاعات الأفراح. حيث شعرت بالآم في الحنجرة بينما ارتفعت درجة حرارتها ولحظات بعدها شعرت بضيق في التنفس ."من حسن حظي أنني نقلت إلى عيادة "نعيمة" في الوقت المناسب تضيف المتحدثة- وإلا كان مصيري أمرا آخرا رغم أنني اشتاق لأسرتي وابنتي الصغيرة التي أتحدث معها واتلقى أخبارها عبر الهاتف كون أن الزيارات ممنوعة والاحتكاك ممنوع مع الأشخاص الآخرين غير أطباء وممرضات العيادة خوفا من انتقال العدوى". بدورها السيدة "ش.ك" (27 سنة) حامل في الشهر السادس التي استقدمتها عائلتها من منطقة شعبة العامر بولاية بومرداس حيث تقطن، فتحت لنا قلبها بل وأبدت ارتياحا كبيرا عندما رأتنا كونها تمّ عزلها في غرفة وحدها بعيدا عن الحالات الأربع الأخرى، بالإضافة إلى أنّها لم تر عائلتها منذ أيام. وقد أكّدت لنا إحدى الطبيبات أنّ حالة (ش.ك) مؤكدة بالإضافة إلى أنّ حالتها لا تزال حرجة وهو ما لاحظناه بعين المكان، حيث لم تكن تنقطع عنها نوبات السعال الحاد، أعراضها الأولى وعكس المصابات الأخريات كانت تعاني من صعوبة شديدة في التنفس وسعال. حالة نفسية صعبة والإحساس بتخلّي الأهل عنهن يشير جل الأطبّاء الذين التقيناهم أنّ النساء المصابات أو المشتبه في إصابتهن بأنفلونزا الخنازير يعانين من حالة نفسية صعبة جرّاء الشعور بالابتعاد عنهن من طرف الأهالي والأقارب، وهو ما أكّده الطبيب المعالج بعيادة نعيمة بالعاصمة الذي أدهشه تصرّف العديد من الأسر إزاء ذويهم من المرضى، حيث روى أنّ بعض الأزواج يبدون نوعا من القلق بمجرد إشعارهم باقتراب خروج زوجاتهم من العيادة، حتى أنّ أحدهم اقترح على الطبيب إبقاء زوجته أياما إضافية بالعيادة رغم التأكيد له بأنّها شفيت تماما وبإمكانها العودة إلى أسرتها دون أن تشكّل أي خطر محتمل في الوقت الذي يتخلّف آخرون عن الحضور لإخراج زوجاتهم في اليوم المحدد. وأكّد الطبيب أن هذا التصرّف أثّر كثيرا على المريضات اللواتي أصبن بحالة إحباط جرّاء إقصائهن والتخلّي عنهن حتى من طرف أهاليهم وذويهم، موضحا في الوقت نفسه أنه لا داعي للتخوّف من الأشخاص الذين شفيوا من الحمى كونهم يصبحون في حالتهم الطبيعية بعد العلاج. أما بخصوص التكفّل الطبي والعلاجي داخل العيادة فيقول الطبيب أن مصلحته تستقبل جميع النساء الحوامل اللواتي تظهر عليهن أعراض الأنفلونزا ليتم التأكّد من حالاتهم والإبقاء عن الحالات المشتبه فيها مع العمل على تسجيل جميع المعلومات عن الحالات التي زارت العيادة والتي بلغت لحد الآن 544 حالة من عناوين وأرقام الهواتف للتمكّن من الاتصال بهن عند الضرورة. نساء يرفضن العلاج بالعيادة حالة أخرى أشار إليها طاقم عيادة نعيمة تتمثّل في رفض العديد من النساء البقاء في العيادة للعلاج رغم صعوبة حالتهن الصحية وفي بعض الحالات يكون الاشتباه في إصابتهن بفيروس حمى الخنازير كبيرا جدا وذلك بحجة أنّه لا يمكنهن ترك أسرهن والابتعاد عن أولادهن وهو تصرّف خطير جدا في نظر الأطباء الذين يحذّرون في مثل هذه الحالات من انتقال العدوى إلى باقي أفراد الأسرة خاصة وأن الإجراءات الوقائية الضرورية في مثل هذه الأوضاع تكاد تكون منعدمة في أغلب الأسر الجزائرية بسبب التهاون أمام الوباء وكان كل منّا يقول انه "لا يصاب إلاّ الآخرون"، مثلما يعرف في أحد الأمثال الفرنسية. للإشارة فإن زيارتنا إلى عيادة نعيمة تزامنت مع عملية تلقيح السلك الطبي التي خضع إليها جميع من يعمل بالعيادة بدون استثناء والتي ستليها مباشرة عملية تلقيح النساء الحوامل الفئة الأكثر هشاشة.