عرفت زراعة الزيتون في الجزائر تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، نتيجة البرامج المعتمدة والاتجاه نحو غرس مساحات شاسعة بالمناطق السهبية والشبه الصحراوية التي لم تعرف هذا النوع من الزراعة من قبل، وذلك لرفع المنتوج وإحراز مرتبة متقدمة في هذا المجال الذي تراهن عليه عدة دول من البحر الأبيض المتوسط منها دول الجوار كتونس والمغرب، فهل مضاعفة زراعة الزيتون ببلادنا صاحبها ارتفاع في منتوج زيت الزيتون وتصديره، أم أن ذلك لا يزال متواضعا مقارنة بالإمكانيات الطبيعية الهامة التي تتمتع بها؟ يعتبر زيت الزيتون الجزائري الأكثر طلبا عالميا نظرا لجودته وقلة نسبة الحموضة به، حيث بإمكانه أن يحتل مراتب رائدة في الأسواق العالمية وينافس أجود المنتوجات، ويتحول الى مصدر مهم للمداخيل من العملة الصعبة، غير أنه ورغم الإجراءات المنتهجة في السنوات الأخيرة ودعم المنتجين، لايزال منتوج زيت الزيتون واستهلاكه ضئيلا، نتيجة العديد من العوائق التي تبقى أيضا حائلا بينه وبين الوصول إلى العالمية. فالجزائر - حسب المختصين- لا تصدر الا القليل جدا من زيتها الذي لم تتمكن بعد من رفع إنتاجه الى المستوى المطلوب، ما يجعلها تحتل المرتبة الثالثة في الوطن العربي بعد تونس والمغرب، اللتين تتفوقان في هذه الزراعة على الرغم من أنهما لا تتمتعان بالإمكانيات الطبيعية نفسها التي تتوفر عليها الجزائر، التي سجلت أسعار زيت الزيتون بها هذه الأيام، ارتفاعًا محسوسًا مقارنة بالسنة الفارطة، حيث أصبح اللتر الواحد من هذه المادة يباع بما لا يقل عن 550دينارا، وهو ما يفسر محدودية إنتاج هذه المادة، وكذا استهلاكها الذي يبقى جد متواضعا رغم أهميتها الصحية، وتبعًا لهذه الزيادة فإن الاستهلاك لا يزال منصبا على أسعار "زيت المائدة"رغم أن أسعارها مرتفعة أيضا، ما يقتضي تحديث القطاع ومتابعة المنتجين ومسايرة عملهم. ويرى متابعون للملف، أنّ تراجع إنتاج زيت الزيتون في الجزائر في السنوات الأخيرة، له علاقة بالحرائق التي تشهدها خلال كل صائفة، لا سيما في منطقة القبائل المشتهرة بهذه المادة الحيوية، حيث فقدت بجاية، تيزي وزو، البويرة وبومرداس آلاف الأشجار بسبب حرائق مهولة التهمتها الصائفة ما قبل المنقضية.
30 بالمئة من الأشجار غير مستغلة
وفي هذا السياق؛ أكد رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة السيد ولد الحسين ل "المساء" أنه لا يمكن ربط قلة المنتوج وارتفاع الأسعار بالحرائق وحدها، وأن وضعية هذا القطاع الهام تعود الى أسباب عديدة أخرى. وحسبه؛ فإن الجزائر توجد في وضعية سيئة مقارنة ببلدان البحر الأبيض المتوسط المعروفة بزراعة الزيتون، وذلك بسبب عدم استغلال الإمكانيات المتوفرة لديها حيث ان أكثر من30 بالمئة من أشجار الزيتون غير مستغلة سنويا نتيجة عدة أسباب، منها قلة اليد العاملة، صعوبة الدخول الى المناطق الغابية والمنحدرات والمسالك الوعرة لجني المحصول، غياب إجراءات لمواجهة أسراب طائر الزرزور المهاجرة من شمال أوروبا لتصل الى شمال إفريقيا، حيث تستهلك كميات من الزيتون، فضلا عن التغيرات المناخية كالاحتباس الحراري والصدمات الحرارية التي أصبحت تؤثر على الزيتون وكل الفواكه، خاصة في السنوات الأخيرة. واستشهد السيد ولد الحسين على ما تتعرض له الأشجار المثمرة ، بالارتفاع غير العادي لدرجات الحرارة التي تؤثر بصفة مباشرة على الزيتون خاصة في بعض المناطق، وهو ما سيتم استدراكه خلال العشر سنوات المقبلة، وذلك بفضل البرامج المعتمدة منذ سنة2000 والتي بدأت-حسب رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة-تعطي ثمارها من خلال ارتفاع محصول زيتون المائدة أو الزيتون المخلل بنوعيه الأخضر والأسود، المنتج بمنطقة الغرب الجزائري، والذي لا يتأثر بالتغيرات المناخية لأنه مسقي، مما أدى الى وجود فائض في منتوج زيتون المائدة، عكس الزيت التي لم تنل مكانتها اللازمة. وفي هذا الإطار توقع السيد ولد الحسين نتائج ايجابية خلال السنوات المقبلة، حيث يشرع في جني محاصيل المساحات الشاسعة التي تم غرسها في الوادي، بسكرة، المسيلة والجلفة التي ستحسن العرض واستهلاك زيت الزيتون، مقابل تقليص فاتورة الزيوت النباتية التي تكلف خزينة الدولة حوالي500 مليون دولار سنويا. وتشير آخر الإحصائيات إلى أن زراعة الزيتون في الجزائر تضاعفت أربع مرات في غضون التسع سنوات الأخيرة، حيث انتقلت من 100 شجيرة في الهكتار الواحد خلال سنة 2000 إلى 400 شجيرة في الهكتار الواحد خلال الثلث الأول من العام الماضي، مما أثر إيجابيا على الإنتاج الذي قفز إلى حدود 90 ألف طن في فترة وجيزة، بينما تتوقع الجهات المختصة تسجيل إنتاج هام في السنوات القليلة المقبلة بسبب التطوير المكثف لزراعة الزيتون (2009 - 2014) بنحو 15 ولاية سهبية، والدعم التقني للمزارعين من إنتاج الشتائل والزرع ومنحهم تجهيزات الإنتاج والتخزين والطاحونات والتعاونيات. ويهدف هذا البرنامج الى زرع نصف مليون هكتار من أشجار الزيتون قبل سنة 2014، علمًا أنّ حجم المساحة المزروعة الى غاية السنة الفارطة لا تتجاوز 300 ألف هكتار، ما يمثل أكثر من 35 مليون شجرة زيتون، بينما انتقل إنتاج زيت الزيتون من 19 ألف طن سنة 1997 إلى 35 ألف طن خلال السنة الأخيرة، علمًا أنّ الجزائر مؤهلة لإنتاج أكثر من مئة ألف طن كل عام، وهي بصدد تجسيد مشروع تأسيس علامة تجارية لزيت الزيتون الجزائرية الذي شرعت فيه السنة الماضية وأعلنت عنه خلال احتضانها لفعاليات المنتدى المتوسطي الأول لزراعة الزيتون في افريل 2009. وترى السلطات المعنية بهذا الفرع أن برنامج التطوير المكثف لزراعة الزيتون ما بين 2009 - 2014 ومرافقة الفلاحين، يبقى غير كاف رغم توفر الاعتمادات المالية، وأن الأمر يتطلب تنظيم التعاون بين المهنيين النشطين في هذا المجال والتنسيق بين عمال هذا الفرع لإعطاء هذا القطاع ديناميكية نمو قوية. وعلى الرغم من جودة منتوجات زيت الزيتون الجزائرية الا أنها تجد صعوبة جمة في التموقع في الأسواق الخارجية، حيث يتم تصديره كمادة خام بأسعار زهيدة، فبعض وحدات التحويل المتوفرة لا تزال متأخرة تكنولوجيا وتقنيا، كما يعد النهوض بالمنتجين وتأطيرهم في شكل تعاونيات أو مؤسسات أمر ضروري لتطوير فرع زراعة الزيتون في الجزائر.