فنان مخضرم عايش مجوبي وصونيا، ويعمل اليوم مع الجيل الجديد من حملة مشعل الفن الرابع. المخرج المسرحي شوقي بوزيد أو كما يسميه زملاؤه "الإشكالية" لميله إلى الرؤى الإخراجية العميقة والنصوص الفلسفية الثقيلة بحثا عن القضايا الجادة واحتراما للمتلقي الذي يعتبره الحكم الأول والأخير ولا يعترف بنقد "الكواليس والمقاهي" بقدر إيمانه المطلق في قدراته و ثقته الكاملة فيما يقدمه. يشتغل على الاختلاف و يهدف كما قال إلى كتابة اسمه في سجل رواد المسرح الجزائري بلمساته الخاصة والتي طالما بدت للكثيرين غريبة. التقته الشروق بعد إجرائه لجملة من التعديلات على عرض "كيشوت" فكانت هذه الدردشة. * * سمعنا أنك غيرت الكثير في مسرحية "كيشوت"، هل كانت الخطوة بناء على تقييم شخصي أو نصائح من الكاتب والزملاء؟ * لا توجد هوية واضحة في العرض، بل حرصت على أن يبقى البطل كما أراده صاحب النص بن ڤطاف، كائنا مطموسا أعطى لنفسه اسما لا يمثل أحدا بعينه، ومملكة لا شعب محدد بها، قدمت تصوري الخاص بي وأبواب بن ڤطاف مفتوحة لمن يملك تصورا آخر أو رؤية جديدة، وما عليه إلا أن يقدمها، فأعمال شكسبير مثلا قدمت بأكثر من 600 رؤية إخراجية، ولم ينقص من قيمتها شيء بل على العكس زادتها ثراء، لأن كل رؤية فككت النص بطريقة مغايرة. * * صعب على الكثيرين فهم فحوى العرض، هل نعلق الصعوبة على الرؤية الإخراجية أم على النص في حد ذاته؟ * النص ثقيل وفلسفي، وهو ما جعله متميزا، وهو السبب الذي دفعني للقول يوم الندوة الصحفية أنني تمنيت لو حصل الجمهور على نسخة من النص قبل مشاهدة العرض. المهم وبغض النظر عما قاله زملائي في حق العرض بين من ثمن جهودي ومن انتقد رؤيتي الإخراجية، حرصت على تقديم النص كما يجب أن يفهمه الجمهور باستخدام دلالات و إيحاءات، مثل زي القرون الوسطى الذي كان يرتديه كيشوت والزي العصري على الشاشات، عكست انفصام كيشوت في انفصام الرؤية بتفكيك النص للمتلقي حتى يفهم أكثر. * * فتح عرض "كيشوت" جرح مسرح النخبة الغائب الأكبر في الجزائر منذ سنوات. مما جعل المتلقي يقف مدهوشا. هل نكرس للمسرح التجاري نزولا عند رغبة هذا المتلقي البسيط، أم نرفع التحدي بالرجوع إلى الزمن الجميل؟ * أنا لست هنا للتهريج ولا لتضييع وقت المتلقي، النص المسرحي فكرة فلسفية راقية، لست ملزما على الاستخفاف بمستوى المتلقى واعتباره سلبيا، والنزول إلى هذه الدرجة من التبسيط. أنا رفعت المستوى، وأدرك الجمهور بعد خروجه أن هذا العمل راق. * * إذا لماذا أخضعت العمل لبعض التغييرات مادام الإخراج الأول كان عن قناعة؟ * نعم هناك عدة تعديلات سأضيفها للعرض مستقبلا، مثل وضع سيارة بشكلها المعروف كاملا أي هيكل السيارة مع المقعدين، حتى يفهم الجمهور أكثر، وكذاروتوشات كثيرة ستغير ملامح العرض وستبرمج قريبا عروض أخرى بالحلة الجديدة. وحتى التغييرات عن قناعة طبعا. لأن العرض الأول في أي عمل لا يعتبر الشكل الأخير وإنما بداية التشكيل. * * بصراحة، هل يمكن أن نعرف ماذا قال بن ڤطاف بعد تجسيد نصه على الخشبة؟ * أنا لا أريد أن أتكلم باسم الكاتب، لم أقلها في "أبوليوس" ولن أقولها اليوم. لا يهمني الإجماع على جمالية العمل. "فوضى الأبواب" مثلا التي أعجبت كثيرا الجمهور من مسرحيين ونقاد وعشاق الفن الرابع كانت كوميديا. وعليه يجب أن أشير إلى أنه ليس من السهل أن يتأقلم المتلقي مع عمل تراجيدي، وتأسفت لما قيل عنها في حينه عن تشابه مع إخراج في فرنسا أو ألمانيا، أتحدى أن يؤتى يهذه المسرحية التي تحدثوا عنها، وأتأسف لأن لجنة التحكيم حينها لم تملك الشجاعة لذكر سبب الإقصاء، وأؤكد أنه لو يثبتون ادعاءاتهم سأستقيل من الإخراج للأبد. * * ولجت مؤخرا عالم السينما والتلفزيون مع الوفاء للمسرح.. هل يمكن للفنان المزج بين هذه الحقول بنفس المستوى؟ * فعلا، شاركت في فيلم "بن بولعيد" لأحمد راشدي ومسلسل "عيسات إيدير" لكمال اللحام وأنتظر تحقيق أمنيتي بإخراج أول عمل فيه بوادر مشروع فيلم تلفزيوني إذا صدقت الوعود إنشاء الله، ورغم هذه المشاركات لن يتغير وفائي للفن الرابع ما حييت.