ما لا يقلّ عن أربعين لوحة من مجموعة الفنان الاسباني خوان مورنتي التي تضمّ ثمانين عملا عن شخصية دون كيشوت العالمية، تزيّن مدرسة الفنون الجميلة في المعرض الذي انطلقت فعالياته أوّل أمس وتتواصل إلى غاية الثلاثين من الشهر الجاري وذلك في إطار الأسبوع الثقافي الإسباني بالجزائر· "كان رائعا ومثيرا للسخرية في آن واحد"، هكذا عبّر التشكيلي الاسباني خوان مورنتي عن دون كيشوت الذي يشكّل في عمله الأخير بطلا فريدا من نوعه، فهو ليس ككلّ الأبطال بل هو شخصية دخلت تاريخ الأدب العالمي وأدخلت صانعه ميغال سرفنتس إلى الذاكرة الجماعية· مورنتي كشف أنّه أراد أن يتناول دون كيشوت بطريقته الخاصة، خاصة وأنّ هذا الأخير كان بحقّ سفيرا للثقافة والحياة اليومية والسياسية لإسبانيا في القرن السابع عشر، فرسم بذلك دون كيشوت مع حصانه "روسيناته" وفي لوحة أخرى رسمه أمام الطاحونة التي تصوّرها عمالقة أرسلوا من طرف سحرة أشرار وثالثة عنونها ب" إبليس الأحلام" ورابعة تحت عنوان "هذيان كبير"· وعن الألوان البهية والفرحة التي ملأت مساحات اللوحات الأربعين وأضفت على كلّ من يقف أمامها الشعور بالنشاط والخفة، قال مؤسّس والمدير الأوّل لمركز الفنون المتحفية بمدينة ألميريا الإسبانية، أنّ ذلك راجع إلى طبعه المتفائل الذي أسقطه على لوحاته، مضيفا أنّ الرجل المتوسطي معروف عنه الحماس والنشاط، بالمقابل قال أنّ رسمه في كلّ لوحة صفحة مكتوبة من رواية "دون كيشوت" وهو راجع لمحبته مزج الأدب والفن التشكيلي، مضيفا أنّه أراد أيضا من خلال رسمه للحرف الذي يميّز اللغة الاسبانية وهو حرف النون المرفق بحركة، التعبير عن وحدة اسبانيا ومميّزاتها· وفي إجابته لسؤال "المساء" حول الورشة التي يؤطّرها في مدرسة الفنون الجميلة منذ أوّل أمس وإلى غاية اليوم تحت عنوان "من الوصف إلى التجريد"، أكّد المهندس والمتخرّج من مدرسة الفنون الجميلة لغرناطة أهمية مثل هذا التواصل بين الضفتين، مستطردا في قوله أنّه قدّم معرفته لصالح الطلبة الذين وجدوا صعوبات في ممارسة الفن التجريدي· دون كيشوت، الفارس المغوار الذي حارب بسيفه ورمحه الطاحونات معتقدا أنّها عمالقة مخيفون، واتّخذ من امرأة نسجها خياله، حبيبة وعدها بالوفاء والحب الأبدي وحّول بأوهامه منزلا بسيطا إلى قصر فخم وبنات ريفيات إلى أميرات فاتنات، هو بطل الرواية التي تحمل اسمه والتي كتب جزئيها الروائي الإسباني ميغال سرفنتس ونالت مرتبة أفضل رواية من بين روايات أفضل مائة كاتب في العالم· وهاهو دون كيشوت ذو القامة الفارعة فوق حصانه "روسيناته" رفقة خادمه سانشو بانزا يتجوّل في أرجاء اسبانيا، متّخذا العزم على محاربة كلّ الظلمة ونصرة الضعفاء المغلوبين على أمرهم، فيخلط بين الواقع والخيال ويعيش بذلك مغامرات شيّقة أدخلته التاريخ من الباب الواسع، وهاهو اليوم يحاول الخروج من اللوحات ذات المساحات الضيقة التي سجنها فيه خوان مورنتي ليعطيه بذلك مسحة أخرى من فن آخر يخلّده أيضا بطريقته الخاصة · دون كيشوت، الفارس الشهم الذي استطاع بخبله وخياله، بهلوسته وتمسّكه بالقيم والمبادئ أن يصبح شخصية جذابة لمع بريقها وأضاءت اللوحات الأربعين من ضمن ثمانين لوحة رسمها خوان مورنتي عنه والمعروضة في مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر، وقصّ علينا مغامرات أخرى لا تقلّ تشويقا عن التي عشناها ونحن نقرأ روايته، فارتحل دون كيشوت من الأدب إلى الفن التشكيلي ولكنه لم يتغيّر ولن يتغيّر، ويظل الفارس الذي قرّر يوما أن ينصر العدل مهما كانت الظروف ومهما كانت غطرسة العدو، وكيفما كان السلاح حقيقيا أم من الخيال لا غير ·