الدكتورة عواطف نعيم، مسرحية عراقية صاحبة باع طويل في الفن الرابع متحصّلة على العديد من الشهادات مثل دبلوم فنون جميلة فرع تمثيل ودكتوراه إخراج مسرحي من جامعة بغداد، عضو في العديد من المؤسسات الثقافية ومؤسّسة لأوّل مهرجان قطري لمسرح الطفل، مثّلت المسرح العراقي في أكثر من مهرجان آخره المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر، تحصّلت على أزيد من مائة وعشرين شهادة تقديرية، أخرجت للمسرح العراقي الكثير من المسرحيات آخرها "نساء لوركا" وكتبت عروضا مسرحية عديدة مثل"حجر السجيل عن ثورة الحجارة" و"أنا وجدي والدمى" وأخرج نصوصها مسرحيون عراقيون من بينهم زوجها الفنان عزيز خيون كمسرحية "مسافر زاده الخيال"،كتبت مسلسلات وسهرات درامية لتلفزيون العراق وشركات الإنتاج الدرامي وتواصل كتاباتها النقدية في الجرائد العربية.."المساء" التقت عواطف نعيم أثناء مشاركتها في الطبعة الأخيرة المهرجان الوطني للمسرح المحترف وأجرت معها هذا الحوار. - كيف نما حب المسرح في قلبك؟ * في طفولتي كنت أعمل على تقليد عائلتي بالصوت والصورة وكان هذا بالنسبة لها شيئا مفرحا وجميلا ثم عندما تحوّل إلى ولع أصبح مخيفا بالنسبة لهم، فعائلتي محافظة جدّا ومتزمّتة ووجود شابة تحلم بالمسرح والتمثيل كان يعتبر في حدّ ذاته جريمة يعاقب عليها، فكان أن حرمت من هوايتي لفترة وهذا الحرمان جرّ المشاكل على والدتي، ووالديّ هما الوحيدان اللذان سانداني وحماني من تعسّف العائلة وجورها إلى أن أصبحت اسما كبيرا ومن نجوم العراق وواحدة من فناناته المهمات والحمد لله أصبحت العائلة تفتخر بي، فتغير الحالة من رفض إلى احتضان واحترام لهذه الشخصية ثم تأثرت بي أختي إقبال وهي دكتورة ومديرة المسارح بدائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة وهي مخرجة ومهتمة بمسرح الطفل واتبعت خطواتي في إكمال دراستها الفنية والتعلّق بهذا الفن الجميل الممتع والصعب ألا وهو فن المسرح واستمر هذا الشغف حتى هذه اللحظة ولا زلت أعتبر نفسي هاوية أتعلّم من المسرح ومن الآخرين. - وكيف تفسرين جاذبية المسرح مقارنة بالسينما والتلفزيون؟ * في الماضي، قالوا أنّ المسرح ستقتله الوسائل الحديثة للتكنولوجيا وسوف تقتله وسائل الإعلام الحديثة، قالوا أنّ السينما سوف تنهيه لكنّها لم تستطع ذلك وحتى التلفزيون لم يستطع توقيفه، لأنّ المسرح أب لهذه الفنون جميعا، أبعد من ذلك المسرح وظّف كلّ هذه الوسائل الحديثة، على خشبته لتكون جزءا من حداثته وتطوّره في التعامل مع الظاهرة المسرحية، فالمسرح شغفه وجماله وسحره أنّك هنا تلتقي نبضا حيا وساخنا ما بينك وبين القاعة، هذه العلاقة الحميمة لا توفّرها السينما ولا يوفّرها التلفزيون ولا وسائل الاتصال الحديثة التي تعتمد على التكنولوجيا أي "الآلة"، فالإنسان هو الذي يدير هذه الآلة ويحرّكها بينما في المسرح هو سيّد الخشبة وعلى التحام مع المتلقي في حوار وجدل وتواصل متلاحق ومحسوس . - ما هو واقع المسرح العراقي الذي يعيش تحت نير الاستعمار ؟ *المسرح العراقي كعهده، نما ونضج في أحضان حركة وطنية مسؤولة وواعية وهو حتى هذه اللحظة يناضل من أجل حفظ هوية العراق واسمه تراثا وحضارة ووجودا واستقلالا وسيادة من شماله حتى جنوبه، وما عروضه هذه إلاّ نبرات احتجاج تتّخذ من الجمال ومن الفكر ومن القدرات الفنية العالية وسيلتها لكي تعلم الآخر وتشير وتؤشّر وتعلن على أنّ العراق حي عبر إنسانه لن يموت..الفنان يعمل إذن هو موجود، لم يترك ساحته ما زالت اللوحة جميلة ومازالت الألوان طرية ومازال المسرح يعمل وألوانه مضاءة وما زالت المطابع تطبع والصحف تكتب والمثقف العراقي صوته عال لن يسكته أيّ خوف. - هل تغيّر المسرح بعد عهد صدام حسين؟ * ليس لهذا علاقة بذاك، المسرح هو حضارة وطن وتراث أمة هو فكر شعب، المسرح لا يرتبط بأشخاص بل بمبدعين، يذهب الأشخاص وتذهب السياسات لكن المبدع صاحب الفعل الثقافي خالد يترك بصمته وسمته على الخشبة وفي فضاءات الثقافة المتعدّدة في الفن التشكيلي، فن العمارة، النحت،الموسيقى والإرث الثقافي والحضاري، هو متواصل فلا نستطيع أن ننسى الفراهيدي والسياب، كلّ هؤلاء العباقرة الذين شكّلوا هوية العراق الثقافية ليس السياسة والسياسيون، فنحن لا نغفل اسم مبدع لحّن أغنية بقيت في الوجدان مثلا لأنّ هؤلاء مخلّدون من خلال إنتاجاتهم. - لكن العمل الفني مرتبط بمساحة من الحرية؟ * الفنان يبتكر حريته، فلماذا حورب المسرح في العصور المظلمة؟، ولماذا يحاول السياسيون المتسلّطون محاربة المسرح؟ لأنه سلاح ذو حدّين، خطير ومراوغ، لأنه ابن الشفرة التي يبثها عبر العروض، هو ابن التحريض والتمرّد والاحتجاج، لذلك خافه الساسة والقامعون والدكتاتوريون.. المسرح يبتكر حياة من خلال العقول الإبداعية التي تديره . - متى تختار عواطف التمثيل ومتى تفضل الإخراج ومتى تحبّذ الكتابة؟ * أنا أحب هذه الفنون جميعا، لكن عندما أجد قضية عليّ أن أتولى كتابتها أبدأ بصياغة نصي، وعندما أجد أنّ هذا النص عليّ إخراجه لأني أعرف خفاياه أخرجه، وعندما أجد أنّ هذا الدور يتطلّب وجودي أدخل في هذه الشخصية وأحاول تقديمها، لكني عندما أجد أنّ هناك من زميلاتي الفنانات العراقيات القديرات من هي قادرة على تجسيد الدور أو النصّ وأن تقدّمه ضمن رؤى وأحلام أنا أحلم بها، فأنا أتوجّه إليها بكلّ محبة لأن تكون معي في صفي كي تنضمّ إلى هذا الفريق المتناغم. - قدمت في مهرجان المسرح المحترف خارج المسابقة مسرحية" نساء لوركا"، ماذا تفضل عواطف التأليف أم الاقتباس؟. * "نساء لوركا"مسرحية من إخراجي، وهي تناص مسرحي لأنّها شخصيات جاءت من نصوص متعدّدة للوركا ثم زجّت في صراع جديد وأحداث جديدة وخطوط درامية جديدة، وكانت نتاج فكرة فلسفية ونتائج هذا الصراع مخالفة ومغايرة لما كانت عليها في نصوصها الأصلية، فالتناص قراءة جديدة تتناسب مع واقع وحالات وإسقاطات وتأويلات هي الآن نعيشها وأعتقد هي موجودة وتمثّل مأساة كلّ امرأة ومأساة المجتمعات في مختلف مناطقها الجغرافية، علينا أن ننهل من التجربة العالمية لأنّ التجربة العالمية تجربة إنسانية لم تأت اعتباطا، جاءت من تجارب عميقة لهذه الشعوب، والشعوب تلتقي في المحبة، الحلم، التوق للحرية والسلام، فهذه الشعوب قريبة منا وواحدة في أفكارها وتوجّهاتها، علينا أن ننهل من الأدب الإنساني، ولكن أن ننطلق من محلية وخصوصية بيئية تتجذّر في دواخلنا ونجذّرها عبر خشبة المسرح، ونشتغل على آلية اشتغال تتعلّق بالظاهرة المسرحية وهي ظاهرة عالمية..أنا مع الأدب العالمي ونحن نحاول أن نؤصّل المسرح من خلال تجذيره عميقا في خصوصياتنا ومحلياتنا في كلّ ما يمتّ لحضارتنا بصلة كي يكون ملكا لنا بعد ذلك. - وماذا عن التنظير في المسرح ؟ وهل تعتبرين ضروريا أن يكون للمسرح العربي نظرية خاصة به؟ * المسرح آفاقه مفتوحة وإذا أردنا أن ننظّر للمسرح ونعطي له خصوصية عربية فنحن نضيّق عليه، المسرح أوسع من أن نحيطه بنظرية واحدة، لذلك اتّسعت وتعدّدت نظريات المسرح "ستانلافسكي"،"برخت" "أرتو" وغيرهم، الكثير من النظريات تواردت على المسرح وثم هناك من دعا إلى مسرح عربي وهناك من دعا إلى مسرح تجريبي منفتح على التجربة العالمية، ولنعطي مثالا في المهرجانات العربية فمهرجان قرطاج يعنى بكافة أنواع المسرح العربي، ومهرجان المسرح التجريبي في مصر مفتوح على التجربة المسرحية ولا يهتمّ بالنص بقدر اهتمامه بالعرض المسرحي وطبيعة التجربة على العرض، قد يكون العرض موسيقيا أو راقصا أو شعبيا. علينا أن لا ننّظر لأنّ التنظير قد يلزمنا، في حين أنّ النظريات كما نلاحظ تأتي نظرية فتطوّر الأخرى أم تنهيها وتأتي بشيء مخالف تماما، المسرح متجدّد كما الحياة وليس فيه ثوابت، هناك متغيّرات وحداثة وما بعد الحداثة ولا ندري ماذا سيأتي به الجديد والمقبل من الأيام، كان المسرح يعتمد على مسمّيات محدّدة في العصور القديمة ومن ثم خرقت هذه المسميات وجاءت مسميات جديدة ومصطلحات جديدة وتفتّحت أزهاره على أيدي مبدعين عديدين فلا يجب التضييق على المسرح بنظرية واحدة. - شاركت في العديد من المهرجانات العربية كيف تقيمين مستوى المسرح العربي؟ * هذه التظاهرات ما هي إلاّ وسيلة من وسائل اللقاءات والتعريف والترويج لنعرف بعضنا بعضا ونأتي حاملين كنوز معرفتنا ونقدّم عروضنا المسرحية، وفي نفس الوقت نتعرّف على قدرات وطاقات ما في هذا البلد والبلد الآخر، والمسرح هو ابن البيئة، عندما تكون البيئة معافاة تعيش في أمن وسلام، تكون آفاق الإبداع واسعة، وعندما تكون البيئة مضطربة كما هو الحال في العراق فالمسرح تنعكس عليه شاء أم أبى تلك الإرهاصات وتلك المخاوف والاضطرابات، لذلك عليه أن يقاتل لكي يكون متواجدا ومتواصلا. - في هذا السياق ما هي تحديات المسرح العراقي.. الإبداع أم البقاء؟ * في البقاء والإبداع معا، هل ثمة إبداع دون أن يكون هناك بقاء، على المسرحي وعلى المثقف أن يقاتل لكي يبقي على حياته ولكي يتواصل في فعله، البقاء ضروري وحفظ الحياة الإنسانية التي وهبها الخالق ضروري أيضا لكي تبقى جذوة الإبداع متواصلة. - وماذا عن مسرح الطفل في العراق ؟ * كان هناك مهرجان لمسرح الطفل العراقي وإن كانت حفلاتنا صباحية بعد أن كانت ليلية، المسرح موجود وهناك تجارب عديدة وعنيدة لشباب يذهبون إلى المدارس لكي يقدّموا عروضا مسرحية رغم كلّ هذا الخوف والموت المجاني في الشوارع العراقية، لأنّ العراقيين عنيدون ولأنّهم أبناء حضارة تمتدّ في عمق التاريخ الإنساني لما يزيد عن 7 آلاف سنة، فهناك نصوص تكتب وهناك شباب يعملون ورغبة وتوق في أن يكون الصوت العربي موجودا في المحافل العربية وفي العراق . - حدثينا عن "محترف بغداد المسرحي "الذي أسّسه زوجك المسرحي عزيز خيون؟ * هو واحد من روافد المسرح العراقي يعمل على الحداثة والجديد في الظاهرة المسرحية وهو أيضا يساهم في تكوين حركة مسرحية عراقية هدفها إحياء الجمال وإنارة الفكر ونشر الوعي والتثقيف من أجل حفظ هوية العراق وتراثه، "محترف بغداد المسرحي" يتواصل في عمله إبداعا من خلال الأشخاص الذين يديرونه، وهو مستقل ومنظمة من منظمات المجتمع المدني المستقلة التي تموّل نفسها بنفسها وأحيانا تستعين بوزارة الثقافة العراقية وقد تستعين ببعض المؤسسات الثقافية العراقية المزكاة والمعروفة بتوجّهاتها الثقافية النيّرة لكي تواصل حركتها الإبداعية، هو رافد وهو أيضا تأسيس وتأصيل لمسرح حر يوصل المسرح العراقي كما يجب أن يوصل مستقلا حرّا بدون أدلجة وبدون رقابة تحجمه أو تقصي صوته. - كونك تقاسمين حب الفن الرابع مع زوجك الأستاذ خيون هل أدى ذلك إلى تعزيز علاقتكما الشخصية ؟ * أنا والأستاذ عزيز أحببنا المسرح وعندما أحببنا المسرح، عملنا سوية في المسرح ولأنّنا نؤمن سوية أنّ المسرح قضية وأن المسرح مدرسة التقينا في شغف واحد مما زاد روابط العلاقة بيننا، وهذا ما عزّز العمل ورسّخ حياتنا الاجتماعية معا فحياتنا الاجتماعية وثّقت علاقتنا الفكرية والجمالية والفنية وجعلتنا رفاق مسيرة في الحياة وفي الفن والثقافة .