يعتبر قطاع الصيد البحري من القطاعات الاقتصادية الحيوية في مجتمعنا لما يمتلكه من موارد لا تقتصر أهميتها على الناحية الاقتصادية، بل تتعداها إلى النواحي الاجتماعية والثقافية، فمهنة صيد الأسماك يعمل فيها الكثير من المواطنين على طول السواحل الجزائرية، فضلا عن عدد لا يستهان به من العاملين في المهن المرتبطة بهذا القطاع، ومنها صناعة سفن الصيد. إن صناعة سفن الصيد المعروفة ب"السردينيّي" أو "الشالوتييّ" من الصناعات المنتشرة على مستوى ميناءي زموري البحري وبوهارون، وهما الميناءان اللذان يمنحان مدخولا جيدا للعاملين بهما، سواء الصيادين أو بائعي الأسماك أو حتى صانعي السفن وعمال الصيانة بشكل عام. وتعتبر صناعة سفن الصيد من أقدم المهن اليدوية المرتبطة بالبحر، كما يقول السيد علي شاوش أقدم صانع لسفن الصيد بميناء زموري البحري والذي التقته "المساء" بصالون الشغل بولاية بومرداس مؤخرا.. قال المتحدث إن هذه الصناعة متعبة وتحتاج إلى صبر كبير، إلى جانب دراية بأساسيات الإنجاز، فسفينة صيد السردين مثلا تحتاج إلى حوالي سنة عمل كاملة لإنجازها، وبعد استفادة الصانع من دعم في 2004 قدم له من وزارة الصيد البحري استطاع توسيع مؤسسته الخاصة لتشمل إلى جانب صيانة السفن، صناعتها كذلك، واستطاع بذلك الرفع من وتيرة الانجاز ليحقق رقم أربع سفن صيد سنويا تختلف باختلاف طبيعتها وحجمها، وتشمل سفينة صيد السردين و"الجياب" أو "الشالوتيي" المستعمل أساسا في الصيد في أعماق البحار. ويؤكد السيد شاوش علي أن صناعة سفن الصيد منحصرة حاليا في ميناء بوهارون غرب العاصمة الجزائر، حيث توجد مؤسسة "كوراب" العمومية متخصصة في هذه الصناعة، وكذا ميناء زموري البحري بشرق العاصمة، حيث تحتكر مؤسسة "كوريناف" الخاصة هذه الصناعة، وهي المؤسسة التي أسسها شاوش علي بعد أكثر من عشرين سنة خبرة في صناعة سفن الصيد، المهنة المتوارثة عن الآباء والأجداد والتي لم يتوان في توريثها بدوره لأولاده، بحيث يؤكد أن أربعة من أولاده يتقنون أبجديات هذه الصناعة ويعملون بشكل يومي فيها، إلى جانب هذا فإن مؤسسته الخاصة في صيانة وصناعة سفن الصيد توظف حاليا بعد الاستفادة من دعم الوصاية قرابة 36 عاملا. كما فتحت فروعا للتكوين بحسب توصيات نفس الجهة. ولم ينس محدث "المساء" ذكر أن صناعة سفن الصيد قد تطورت كثيرا في السنوات العشرين الأخيرة، وهي حاليا تتم وفق مقاييس عالمية ومخططات مدروسة من مكاتب خاصة للملاحة البحرية. ومع "المساء" يتذكر عمي علي أول سفينة صيد سردين صنعها بنفسه في 1980 وأخذت منه أكثر من سنة، وقد أطلق عليها اسم "شريفة" وهي حاليا مستغلة في ميناء دلس شرق عاصمة الولاية بومرداس، ووصل عدد سفن الصيد التي أنجزها الصانع لغاية نهاية 2009 أكثر من 40 سفينة مستغلة على المستوى الوطني في صيد السردين والأسماك.