يعاني مجتمعنا كغيره من المجتمعات العربية، من صعوبة حث الناس على احترام القوانين المتعلقة بالحد من التجاوزات على البيئة، رغم أن الحفاظ على البيئة لا يعني فقط الجمعيات المتخصصة في الشأن البيئي أو اهتمام الخبراء بالأشياء التي تحيط بنا وتؤثر على وجودنا ووجود سائر الكائنات الحية على سطح الأرض، بما فيها الماء والهواء والحيوان والمناخ، بل أن العناية بالبيئة تهم أولا الأسرة والأفراد، فهل يدركون حقا هذا المعنى؟ تبنت معظم دول العالم التربية البيئية في مدارسها، وضمنّت المناهج التعليمية، مواد علمية عن البيئة وسبل الحفاظ عليها وحمايتها، ولكن بداية الاهتمام بالمحيط يبدأ بلا شك من الأسرة التي هي الأساس الأول في تعلم أبجديات حب البيئة والحفاظ عليها، بحيث تعد الأسرة من أهم مؤسسات المجتمع في تهيئة الأفراد للحفاظ على المحيط. المعنى مفهوم.. والجدية غائبة! وللأسرة دور في معالجة ما تعرفه البيئة من مشكلات، ولها بعض الأساليب التي تستخدمها لبث الوعي البيئي لدى الأطفال حيال المياه وتلوثها، وغرس قيمة النظافة في كل شيء لدى الأبناء، هكذا يرى عمار (موظف بقطاع التأمين ومتزوج)، دور الأسرة في تعريف الطفل بأهمية المحافظة على نظافة البيئة المحيطة وغرس الاتجاهات السليمة التي تحكم سلوك الطفل تجاه بيئته. ويرى كذلك أن التعليم المدرسي مهم أيضا في إيصال الوعي بأهمية البيئة وذلك بنقل المعلومات إلى التلاميذ لفهم المخاطر البيئية الموجودة في المجتمع. وتشاركه الرأي أمينة وهي أم لأربعة أطفال، حيث تقول أنه ينبغي تعليم أبنائنا منذ السنوات الأولى المحافظة على البيئة، وأن يكونوا أصدقاء لها، فالدروس الأولى في الثقافة البيئية تبدأ من الأم، وتكمل المدرسة الدور بتدريب التلاميذ عمليا على تقليم الشجر والمحافظة على نظافة المياه وساحات المدرسة وما جاورها. وتقول مريم أستاذة ثانوية، أن الثقافة البيئية تبدأ بتعليم أطفالنا رمي النفايات في سلة المهملات، وأن يبقى الطفل نظيفا ومرتبا ويحافظ على بيئته في البيت والمدرسة والشارع. وتضيف أن دور الأم مهم أكثر من الأب، لأن طفلها قبل المدرسة يمضي الوقت بجوارها، فإذا علمته بطريقة بسيطة عدم قطع الأشجار أو قتل الطيور والحيوانات أو التخريب والاعتداء على ممتلكات الغير، تكون قد أسهمت برفع الوعي البيئي لدى الطفل مستقبلا، فالحفاظ على البيئة وحمايتها والتفاعل معها ينبع من الشعور بالمسؤولية و الإحساس بالمواطنة. من جهتها، ترى زينب أستاذة في الإكمالي وأم لطفلين، أن البيئة لوحة فنية رائعة ومن يتعامل معها على أنها كذلك ويراعي نظافتها وجمالها ورائحتها وألوانها، يعد فنانا يساهم في حماية كوكب الأرض المهدد بارتفاع حرارته. وتشير إلى سلوكات مؤذية للبيئة، منها كتابة تلاميذ المدارس على مقاعد الدراسة التي تتحول إلى لوحات مشوهة تتداخل فيها الرسوم والخطوط والكلمات المبعثرة والألوان المتنافرة. كما ترى أن رمي القمامات في غير المواقيت المخصصة لها وتراكمها المثير للاشمئزاز، إساءة ليس فقط للبيئة، وإنما لصورة المجتمع بأكمله، في صورة تهز القيمة الحضارية للمجتمع، كون احد أهم ركائز البيئة النظافة. وتقول سليمة (صحفية)، أنه قد يكون للتعليمات الصادرة عن وزارة البيئة بتغريم من لا يلتزمون بالنظافة أو يلوثون البيئة بإيقاع عقوبات رادعة محددة لا تطبق في الكثير من الحالات أثر إيجابي، إلا أن ذلك لا يكفي إن لم يسانده وعي بيئي. وتختم بأن الثقافة الجمالية ليست بفخامة الأثاث والديكور، بل الذوق الفني والنظافة، هما اللذان يحولان البيوت البسيطة والفقيرة إلى جنات. غياب الدعم ونقص التفاعل يرهن الحفاظ على البيئة في الواقع يفرض الاهتمام بالبيئة نفسه على جميع مناحي الحياة، إذ لا يمكن أن نفصل الإنسان عن البيئة، الأمر الذي يقودنا إلى السؤال التالي: هل الأسرة الجزائرية تهتم بالبيئة حقيقة؟ وهو السؤال الذي وجهناه إلى جمعيات أصدقاء البيئة، خاصة مع تزايد الاهتمام بالوعي البيئي وضرورة تحديث الأساليب والأفكار واستخدام وسائل مبتكرة للمساعدة على نشره ورفع مستواه. ومن منطلق الدعوة إلى إشراك المواطنين في قضايا البيئة والعمل على حمايتها، استهدفت جمعية الخط الأخضر وحماية البيئة لمدينة برج منايل بولاية بومرداس، مهمة تبسيط إفهام المواطن بأنه كائن مؤثر في البيئة وأنه جزء لا يتجزأ منها، حيث يتوقف على نوعية نشاطه مدى حسن استغلاله لموارد البيئة والمحافظة عليها. وتعتمد هذه الجمعية التي أنشئت في ماي 2004 على عدة نقاط، منها : تعميق الوعي البيئي بين أفراد المجتمع وتعريفهم بخصائص البيئة ومدى ارتباطها بالمجتمع وأثرها في تطوره ونمائه، وتوجيه الجماهير نحو المحافظة على البيئة والمساهمة في حمايتها من عوامل التدهور. تنمية المعارف والمهارات والسلوك البيئي القويم وغرس الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتق كل فرد في جميع مواقع العمل. مواجهة كافة أشكال التعديات على البيئة بكافة الوسائل الممكنة، والعمل على إيقافها الفوري ومنع استمرارها، وكشف كافة الممارسات والتعديات على البيئة وتوثيقها. التنسيق مع الجهات المعنية وذات العلاقة في سبيل حماية البيئة. إبراز الجهود المبذولة للمحافظة على البيئة من قبل جميع الجهات الرسمية والمجتمع المدني. هذه المفاهيم تعمل جماعة الخط الأخضر وحماية البيئية وفقا لصاحبها يوسف إبراهيم، على تكريسها وترسيخها، إضافة الى مفهوم "المواطنة البيئية" التي تعني أن يعايش الإنسان البيئة بشكل إيجابي أينما وجد، وهذا يرسخ من جانب آخر مفهوم "حب الوطن." والمواطنة، يقول المتحدث "لا يمكن أن تتحقق إلا إذا علم المواطن حقوقه البيئية كاملة وبعد أن يتعلم هذه الحقوق ويعرفها فعليه أن يمارسها ويسعى إلى تحقيقها وعدم التنازل عنها، لأن المواطنة استشعار للمسؤولية والقيام بكل ما يتطلبه الصالح العام من أجل حفظ الكرامة الإنسانية، كما أن المواطنة البيئية الفاعلة تقوم على أساس الكفاءة وقدرة المواطن على فهم طبيعته وواقعه البيئي ومدى عمق المواطنة البيئية لديه ومقاومتها لكافة أشكال الاعتداء على البيئة". يستمعون بأذن ويعرضون بالأخرى ويشير المتحدث الى أن الأسرة الجزائرية تبدي نوعا من الوعي بأهمية البيئية، إلا أنها بالمقابل تساهم بشكل أو بآخر في تلويثها، بالرغم من النتائج المأساوية لانتشار القمامات والأوساخ على صحة الأسر ذاتها، ما يجعل حملات التحسيس بمخاطر تلوث البيئة تذهب أدراج الرياح بمجرد أن تطوي الجمعيات أوراق اليوم التحسيسي، وكأن المواطن يصغي بأذن ويعرض بالأخرى، يقول محدث "المساء". مضيفا أن المجتمع يجب أن يبقى متفاعلا مع قضايا بيئته، وحتى نضمن ذلك التفاعل والتواصل، فإن إعطاء المواطنين الحق في المشاركة والمساهمة وإبداء الرأي، لا يمكن أن يتم إلا بتشكيل لجان بيئية شعبية يقوم على إدارتها متطوعون من المواطنين تنظر في مشاكلهم وتبحث مع الجهات المسؤولة عن حل لها، كما أنها تكون رافدا مهما من روافد دعم الوعي البيئي في المجتمع. وقد ثبت من خلال الممارسة والاحتكاك بالمواطنين، أن ضعف الوعي البيئي ونقص المعلومات البيئة أحد الأسباب التي قد تدعو الكثير من المواطنين إلى عدم المبالاة بما يحدث من تعد على البيئة، وعليه كل مساعي جمعية البيئة تهدف إلى تقديم المعلومة البيئية المتكاملة بشكل سهل وسلس، يستطيع المواطن من خلاله الحصول على أية معلومة بيئية يريدها، كما يستطيع من خلاله الاستفسار عن أي أمر بيئي يهمه، إلا أن التجربة بينت لنا للأسف، مدى ضآلة هذا الاهتمام، والدليل توقف بعض الجمعيات عن عملها بسبب نقص الدعم من جهة وغياب تفاعل المواطنين من جهة أخرى. من جهته، اعتبر السيد أمحمد دوراي رئيس الفدرالية الولائية للبيئة والسياحة، أن حملات التوعية بأهمية المحافظة على البيئة مهمة للغاية، خاصة وسط تلاميذ المؤسسات التربوية، باعتماد خطة التدرج في إيصال الوعي البيئي إلى المستهدفين، إلا أن عراقيل كثيرة تساهم في الحد من انتشار هذا العمل الجمعوي "إذ لا يمكن الحديث للمواطن الذي يعاني من بعض المشاكل الاجتماعية عن ضرورة الاهتمام بمحيطه، خاصة وأن الواقع يعكس عدم اكتراث بعض الجهات بهذا الموضوع الحساس ومنها حالة التشبع التي وصلت إليها بعض المفارغ العمومية للقمامات، دون إيجاد حلول جذرية لها تقي المواطن من خطر انتشار الأوساخ من جهة، والحيوانات الضالة من جهة أخرى، خاصة إذا علمنا أن بعض النفايات الاستشفائية ترمى بتلك المفارغ، ما يزيد الأمور تعقيدا". وعن أهمية رفع مستوى الوعي البيئي لدى الكثير من أفراد المجتمع، يشير المتحدث، إلى أن العمل الجمعوي في المجال البيئي، يشجع على المساعدة في بحث مدى خطورة المساس بالبيئة، وذلك من خلال الإدلاء بالمعلومات عن طريق إلقاء دروس مدعمة بالصور وتقارير إخبارية عن خطورة التلوث البيئي، وحتى عن الاحتباس الحراري الذي يشكل هاجسا لكل العالم والجزائر كذلك، وبهذه الوسيلة يمكن القول أن العمل الجمعوي التحسيسي، نجح في تعميق معارف ومدارك المواطنين في كيفية بحث المشاكل البيئية التي يتعرضون لها وتعزيز أهمية البعد البيئي لديهم، إلا أن مسألة الحفاظ على المحيط تبقى فردية ويمكن حصرها في مجال التربية الأسرية، ما يعني أن غرس قيم المواطنة البيئية تعود مهمتها بالدرجة الأولى إلى الأسرة.