قلة هن النسوة اللواتي لا يتابعن المسلسلات التي تعرض عبر مختلف الفضائيات، إلا ان القسم الأكبر منهن يتابع من مسلسلين إلى ثلاثة فما فوق بعرض متتال أو في أوقات مختلفة، ولشدة انتباههن لما يعرض يهملن أطفالهن الذين يجدون أنفسهم مضطرين لمتابعة ما تشاهده أمهاتهم، كيف لا والطفل يعرف عنه التقليد، فيميل إلى متابعة ما تشاهده والدته أو لأنه مضطر خوفا منها لأنها لا تريد أي إزعاج عند مشاهدتها لأحداث مسلسلها المفضل. كان من السهل علينا الاحتكاك بالأمهات اللواتي رحبن بالإجابة على سؤال "المساء"، حول ما إذا كان أطفالهن يتابعون معهن المسلسلات أم لا؟ فكانت الإجابات في مجملها تصب في قالب واحد، ألا وهو جلوس الأطفال بجنب الأم أو في حضنها وهي تتابع مجريات المسلسل، وليت الأمر يقف عند حد الجلوس، بل يلجأ بعض الأطفال من الذكور والإناث إلى السؤال والاستفسار عن بعض الأمور التي تبدو لهم غامضة أو غير مفهومة في المسلسل بالنظر إلى سنهم، وفي المقابل تتولى الوالدة مهمة الشرح، تقول السيدة (كريمة. م) ماكثة بالبيت، متزوجة وأم لثلاث بنات " بناتي صغار بحيث لا تتجاوز الكبرى منهن 7 سنوات ولا يخرجن أبدا الى الشارع.. بعد الانتهاء من أشغالي اجتمع رفقة بناتي حول جهاز التلفاز لأتابع أحداث مسلسلي التركي المفضل، وأحاول أن أفسر لبناتي بعض الأحداث التي لا يفهمنها، لأني اعتقد أن لديهن الحق في فهم ما يتابعنه، كما ان المسلسل فرصة حتى أستريح من متاعبهن اليومية، بحيث يجلسن ولا يثرثرن حتى ينتهي المسلسل ". بينما حدثتنا السيدة (فاطمة. ب) متزوجة وأم لطفلين وبنت، قائلة " أذكر أن طفلي البالغ من العمر 8 سنوات كان يتابع معي مسلسلا مكسيكيا يوميا ولشدة تعلقه بأحداث المسلسل استيقظ ذات صباح وقال لي "اليوم تفتح الوصية؟". بينما ترى أخريات أن هذا النوع من المسلسلات ساعد أطفالهن على تعلم بعض الأمور دون الحاجة إلى سؤالهن عنها، خاصة الأمور العاطفية التي تبنى عليها أغلب المسلسلات.
البنات أكثر عرضة للخطر عند مشاهدة المسلسلات تحدثنا السيدة كريمة محيوز، أستاذة في علم النفس ومربية بروضة أطفال، عن خطر متابعة الأطفال للمسلسلات، قائلة " بحكم عملي بالروضة اكتشفت العديد من التصرفات التي تظهر على بعض الأطفال والتي جعلتني أشعر بالخطر عليهم، وأحذر أولياءهم، فقد اكتشفت أن الطفل الجزائري لا يعيش طفولته وإنما يبدو أكبر من سنه بكثير، ولاحظت أن هذا الأمر يسعد الأمهات اللواتي يفتخرن به، فنجد مثلا الطفل يستعمل بعض عبارات العشق أو كلمات الحب وفي بعض الأحيان يتصرف بطريقة توحي بأنه ليس طفلا، بل بالغا". وتروي لنا حادثة وقت بالروضة حيث تعمل، فتقول " لاحظت أن أحد الأطفال ذا الأربع سنوات يحب تقبيل البنات ولا يقبلهن بطريقة توحي أنه طفل بريء وإنما يقبل الفتيات على شفاههن كشخص بالغ، وقد عمدت إلى متابعة سلوكه بصورة مستمرة، بعدها أدركت أن هذا الطفل يتابع بعض المسلسلات أو الأفلام التي بها صور مخلة بالحياء، الأمر الذي انعكس على سلوكه، وبالتالي أصبح يميل إلى تقليد ما يشاهده، وعندما نبهت والدته إلى سلوك طفلها نفت عنه الأمر ولم تأخذه محمل الجد". من جهة أخرى، ترى المتحدثة أن الخطورة في متابعة الطفل لمثل هذه المسلسلات، لا تكمن في التقليد فقط، بل تجعل الطفل يعيش في عالم من الخيال ويبحث عن أمور لا تتحقق إلا بالمسلسلات، فيكبر عليها ليصطدم بواقعه الذي تغيب فيه مثل هذه الأمور، خاصة العاطفية التي تبنى عليها كل المسلسلات التي لا تحمل إلا رسالة واحدة، وهي تحريك الغرائز وبالتالي يتحول تفكير الطفل إلى تفكير خيالي عاطفي.. "وأرى شخصيا، أنها تؤثر بشكل كبير على الفتاة أكثر من الذكور، لأن الفتاة عاطفية بطبعها وتميل إلى تصديق كل ما تشاهده، الأمر الذي قد يفسد حياتها ويحطم أحلامها عند البحث عن أمور لا تتحقق إلا في خيال مخرجي الأفلام والمسلسلات".
متابعة الأطفال للمسلسلات مسؤولية الأم حمّل (محمد يزيد لارينونة)، أستاذ في علم النفس بجامعة بوزريعة، الأم مسؤولية وقوع الأطفال ضحية متابعة المسلسلات التي تعرضها مختلف الفضائيات والتي لا تناسب أعمارهم ولا تسهم في تربيتهم أو تثقيفهم، بل تكسبهم سلوكات أجنبية عن مجتمعهم تفسد أخلاقهم، حيث قال " كثيرات هن النسوة اللواتي يرتكبن خطأ فادحا عند تربية أطفالهن، بحيث يلجئن إلى إجلاسهم في سن السبعة أو الثمانية أشهر الأولى من عمرهم أمام شاشة التلفاز بحجة إلهائهم وحتى لا يزعجونهن عند قيامهن بعملهن، ومع مرور الوقت يتعود الطفل على المشاهدة وبعد أن تترسخ فكرة التعود يميل الطفل إلى التقليد، حيث يرغب في مشاهدة ما تتابعه والدته من برامج، فالتقليد يأتي من منطلق أن الأم هي القدوة، وبالتالي فما تشاهده هي يستحق المتابعة، ولأننا نعرف نوع المسلسلات التي تحب الأسر الجزائرية متابعتها والتي أصبحت تلقى رواجا كبيرا، خاصة التركية منها التي تبنى فيها القصة منذ البداية إلى النهاية على علاقات الحب وكيفية ممارسة الحياة الرومانسية، فإن الأمهات لا يدركن أن ذلك يؤثر على أطفالهن بأثر رجعي، فالطفل في المراحل الأولى من عمره يبدأ في تكوين شخصيته واكتساب المعارف، ولأن المسلسلات حاضرة في كل وقت بتشجيع من الأمهات نجد أن هذا الطفل يكتسب سلوكات وأفكارا ونمطا معيشيا خارجا عن محيطه، فيتأثر به وتستمر معه الحالة إلى مرحلة المراهقة حيث ينعكس ذلك على تصرفاته وألفاظه وطريقة لباسه، فيسعى مثلا إلى تقمص شخصية بطل في مسلسل ما، حتى تكون علاقاته العاطفية ناجحة، أو يحاول التصرف بطريقة ممثل آخر ليجلب الانتباه إليه". لذا، نبه ذات المتحدث الأمهات إلى ضرورة توخي الحذر عند مشاهدة المسلسلات، التي هي في الأول والأخير، رسائل عشوائية أجنبية غير تربوية، تسعى إلى تلقين الطفل ثقافة غربية، ومن أجل ذلك ينبغي على الأم أن تدرك جيدا معنى القدوة وتستغلها في الإصلاح، بحيث تحاول أن لا تعطي المسلسل الذي تتابعه اهتماما كبيرا حتى لا يلاحظ طفلها ذلك أو أن تفتح نافذة للحوار مع طفلها حول الجوانب السلبية للمسلسل، وأنه لا يخدم ثقافتنا ومجتمعنا، وبالتالي لا ينبغي الأخذ منه، كونه يعتمد على الخيال، أو أن تلجا إن كانت من المدمنات على متابعة المسلسلات إلى الهاء طفلها بالبحث عن البديل، من خلال جعله يتابع أفلام الكرتون أو بعض الأشرطة الغنائية التربوية.