نظّم المجلس الأعلى للغة العربية أول أمس، بمناسبة الاحتفاء بلغة الضاد الذي أقرته جامعة الدول العربية ومنظمتها للتربية والثقافة والعلوم في الفاتح من مارس، ندوة تحت عنوان "العربية لغة جامعة وموحدة والطريق لبناء مجتمع يقوم على المعرفة" وهذا بفندق "الأروية الذهبية" ببن عكنون. أكد الدكتور محمد العربي ولد خليفة في مداخلة مطولة بالمناسبة، أن اللغة العربية لم تتمكن من مواصلة تقدمها الحضاري وتحقيق التراكم العلمي والإبداعي في أوطانها وانتشارها خارج الحدود الثقافية، بعد أن كانت لغة العلم والتعليم في كثير من الجامعات والمعاهد في جنوب أوروبا، وتتصدر مكاتبها مراجع في الطب والصيدلة والرياضيات والفلك بالعربية. وأرجع الدكتور سبب تراجع اللغة العربية التي تحتل حسب ترتيب اليونسكو المرتبة السادسة بين اللغات، إلى ثلاثة عوامل وهي ضعف الدولة والاستقواء بالأجنبي وهو ما حدث سابقا ويحدث اليوم، بحكم المدّ الكولونيالي الذي اجتاح المنطقة مشرقا ومغربا، بالإضافة إلى تخاذل أهل اللغة العربية وغفلة الكثير من نخبها وأولى الأمر في أوطانها عن تحريك النهضة وتوفير الشروط التي تمكن البلدان العربية من اللحاق بموكب المقدمة. وأكد الدكتور أن اللغة العربية تواجه تحديات كبيرة من بينها منافسة اللغات الأجنبية لها المعتمدة في كثير من البلدان العربية لتعليم العلوم والتكنولوجيات، وكذا اتساع المساحات التي اكتسبتها اللغات الأجنبية في وسائط الإعلام الخاص والعمومي الموجه إلى الداخل مما يؤدي إلى الانشطار اللساني والثقافي داخل النخب وعلى مستوى الجمهور. ورغم الجهود المبذولة من طرف بعض المؤسسات المهتمة باللغة العربية، فإن المنطلق-حسب الدكتور-لتمكين اللغة العربية في الألسنة والعقول يكون في المرحلة الابتدائية والإعدادية من التعليم بالإضافة إلى دعم التلاميذ والمربيين بالشرائط السمعية والبصرية والوثائقيات المدروسة والأقراص وأدب الأطفال واستخدام تكنولوجيا المعلومات. بالمقابل، تحدث ولد خليفة عن عمل المجلس الأعلى للغة العربية بالتعاون مع أطراف محلية وغيرها لتصحيح بعض المفاهيم والأحكام المسبقة عن لغة الضاد، مثل قدرتها على استيعاب المعرفة والتقانة (التكنولوجيا)، مستأنفا قوله أن المجلس بصدد إعداد دليل مفصل للمعلوماتية بالعربية للباحثين والمتكونين في هذا الميدان، ودليل آخر للمصطلحات والمفاهيم الخاصة بعلوم الطبيعة والفيزياء والكيمياء بهدف توحيد المصطلحات والمفاهيم في نظامنا التربوي في مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي وذلك بالتعاون مع وزارة التربية الوطنية والذي سيكون جاهزا قبل الدخول المدرسي القادم، علاوة على سلسلة من الأدلة المتعلقة بمصطلحات الإعلام والاتصال والإدارة المالية والمحاسبة والمحادثة الطبية والوسائل العامة. وتوقف الدكتور على أهمية تطوير استعمال اللغة العربية في المدرسة ومرافق الدولة والمجتمع، والتي تقع على كاهل النخبة القيادية في كل المواقع، عن طريق وضع إستراتجية بعيدة المدى لتحرير الإنسان من الانبهار بثقافة الآخر واجترار مقولات تراث السلف، من خلال النظر في خلاصات ما تحقق من نقل وتوطين للعلوم والتقانات. من جهته، تطرق الأستاذ عبد الكريم شرفي، (أستاذ بالمدرسة الوطنية التحضيرية لدراسات الهندسة بالرويبة)، إلى تجربة استعمال اللغة العربية في الجامعة الجزائرية، فقال أنه اكتشف بأن اللغة العربية متمكنة من استيعاب الحدث والظاهرة التقنية وقادرة أيضا على فعل ذلك وبدقة أكبر من اللغة الفرنسية، فحيث لا تستطيع هذه الأخيرة في بعض الأحيان وصف ظاهرتين متعاكستين إلا بمصطلح واحد، تجد اللغة العربية من السعة والقدرة ما يسمح لها بالتعبير عن كل ظاهرة بمصطلح خاص. وأكد المتحدث أن التعامل مع التقانة باللغة العربية، يتم عندما تصبح الإصدارات والمجلات المتخصصة والبحوث العلمية وكذا الملتقيات والندوات التقنية باللغة العربية، مما يقرب مواضيع البحوث العلمية من الحقائق الوطنية والاستجابة لمتطلباتها، مضيفا أن هذا الإبداع يكون دوما نتاج استعمال المبدع للغة بني جلدته. وذكر الأستاذ نتائج تجربة تدريس التقانة باللغة العربية لأقسام أساتذة التعليم التقني والتقنيين السامين وفي أقسام الدراسات الجامعية المعمقة بعنابة، لأزيد من خمس سنوات، فقال أن النتائج تحسنت بنسبة تفوق 25 بالمائة، كما أصبحت العلاقة بين الطالب والأستاذ أكثر راحة وعمقا، وطالب في السياق نفسه بإعادة التجربة متسائلا "ألم يكن من الصواب إعداد الأستاذ للتدريس باللغة العربية بدل إرغام أعداد هائلة من الطلبة على الدراسة بلغة لم يتعودوا عليها لم يتمكنوا منها في نهاية المطاف؟". أما الدكتور صالح بلعيد فقد تحدث عن ولعه باللغة العربية في مداخلة عنوانها: "العربية عنواني ولغة قرآني"، وبالمقابل تم في هذه المناسبة تكريم الدكتور عثمان سعدي من طرف المجلس الأعلى للغة العربية، كما تخللت هذه التظاهرة قراءات شعرية من طرف شفيقة أوعيل وزبير دردوخ.