شهدت أواخر سنة 2008 صدور نص قانوني يسمح بإنشاء مدارس تكوين عليا خاصة في الجزائر، وفسر الأمر حينها على انه مساس بأهم المكاسب الاستراتيجية للتعليم في الجزائر والمتمثل في مجانية التعليم ورغم اتضاح الرؤى لم يجد القانون المذكور أي صدى وحسب المكلف بالإعلام بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي فإن مصالحه لم تتلق إلى حد الآن أي طلب يذكر بشأن تأسيس مدرسة تكوين عليا، يحدث هذا في الوقت الذي تنتشر فيه المدارس العليا الخاصة والمعاهد الخاصة بمختلف ولايات الوطن تقول بأنها معتمدة من طرف الدولة ومن طرف جامعات ومؤسسات اقتصادية أجنبية وهي تخرّج سنويا مئات الطلبة في مختلف التخصصات وطال الأمر على مستوى البعض منها تحرير شهادات دكتوراه... وحسب ما وقفنا عليه في الميدان يوجد من بين هذه المدارس من تتعاقد مع جامعات أجنبية وتحرر شهادات ما بعد التدرج وهو الأمر الذي قد يفسر سبب غياب المهتمين بالاستثمار في هذا الجانب ويطرح ضرورة تحديد مسؤولية التدخل لتأطير جانب ومعالجة مشكل هو الآن مرتبط بدراسات عليا وشهادات تمنح في الجزائر. يأتي قرار فتح المجال لإنشاء مدارس خاصة في التكوين العالي بعد الأول الذي تم اتخاذه لصالح قطاع التكوين المهني في 1991 والذي سمح منذ ذاك الحين بإنشاء 540 مؤسسة خاصة في التكوين المهني، والقرار الآخر الذي اتخذ لصالح قطاع التربية والتعليم الذي سمح إلى حد الآن بفتح 150 مدرسة على المستوى الوطني. ويهدف القرار- حسب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي- أساسا إلى خلق علاقة تكاملية بين القطاع العمومي والخاص في مجال التكوين العالي والاستجابة للاحتياجات المطروحة في هذا الجانب وتدعيم الهياكل البيداغوجية المتوفرة والتي تشمل، حسب المصدر، 75 مؤسسة للتعليم العالي موزعة عبر التراب الوطني منها 34 جامعة و13 مركزا جامعيا و16 مدرسة وطنية عليا وخمس مدارس عليا للأساتذة وسبع مدارس أخرى تحضيرية. وفسر الإجراء القانوني الذي يقر تأسيس المدارس العليا الخاصة في الجزائر عند صدوره على انه يهدف إلى خوصصة الجامعة الجزائرية ويستهدف احد أهم المكاسب الوطنية الاستراتيجية في القطاع والتي تخص مجانية التعليم، وبعد انجلاء الأمور واتضاح الرؤى، بقيت مسألة إنشاء هذا النوع من مدارس التكوين في آخر اهتمامات أصحاب الأموال من الذين تتوفر لديهم شروط الاستثمار في هذا المجال حسب ما يحدده دفتر الشروط الخاص بهذا الجانب، وهذا باستثناء الرغبة التي أعلن عنها احد رجال الأعمال الجزائريين حول تأسيس مدرسة عليا خاصة متخصصة. ويؤكد المكلف بالإعلام بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي السيد خرايفية في تصريح ل "المساء"، بأن مصالح الوزارة لم تتلق إلى حد الآن أي طلب رسمي يخص تأسيس مدرسة تكوين عليا خاصة. يأتي هذا في الوقت الذي تنتشر فيه المدارس والجامعات العليا الخاصة في عدد من ولايات الوطن منذ أكثر من 15 سنة وما هو مطروح في الواقع يقر بوجود مدارس تكوين عال وجامعات خاصة غير معترف بها، لكنها في الواقع اقتحمت مجال النشاط قبل تقنينه وأوجدت لنفسها مصداقية من طرف الطلبة الذين يلتحقون بها ويجهلون خبايا هذا السلوك، وفي الحقيقة لسنا بحاجة إلى القول بأن هذه المؤسسات لا تتوفر على الصفة القانونية للعمل وشهاداتها غير قانونية وغير معترف بها، لأن القانون المنظم والمؤطر لنشاطها المفترض لم يصدر إلا في جوان 2008، كما لايمكننا الجزم بأن الشهادات المتوج بها لا تسمح ولن تسمح للطلبة المتخرجين بالحصول على مناصب عمل في شركات ومؤسسات اقتصادية خاصة وأجنبية، وما يعد خطيرا في الموضوع غياب أي مبادرة لمعالجة هذا الملف الحساس الذي لا يمكن إهماله على اعتبار أن المصلحة تقتضي الاهتمام بشريحة عريضة من الطلبة تقدر بالآلاف من المتحصلين على شهادة البكالوريا يتوجهون دون علم أو دراية للتسجيل في هذه المعاهد. مدارس عليا خاصة تعمل دون رقيب!! قبل الخوض في بعض التفاصيل حول هذه المؤسسات التعليمية العليا الخاصة، نعلم قراءنا الكرام بأننا نحرص على عدم ذكر اسم أو مكان تواجد هذه الأخيرة لأن هدفنا من التحقيق ليس التشهير بالأشخاص ولا المؤسسات وإنما عرض حالة، هي الآن بحاجة إلى معالجة وتستدعي تدخل المصالح المختصة وقد تطرح فيها مسألة تكييف نشاطها مع التشريع الجديد المؤطر لها خاصة وأن عددا منها وحسب ما وقفنا عليه خلال زيارتنا الميدانية يتوفر على عدد من الشروط التي قد ترخص لها العمل بعد التصديق. وحسبما وقفنا عليه فإن هذه المدارس تؤكد بأنها معتمدة من طرف الدولة دون أن تحدد الجهة الوصية التي اعتمدتها وهي مسألة يتم استغلالها للتمويه، والأخطر من ذلك يقر عدد من هذه المؤسسات بأنها معتمدة من طرف مؤسسات اقتصادية أجنبية فرنسية وأمريكية وانجليزية وكندية، والأكثر من ذلك ذهبت إحدى هذه المدارس وحسب ما دونته في بهو المؤسسة، إلى الإقرار بأن عملها يؤطر نشاطا لامركزيا لجامعات كندية وفرنسية وهي تقدم دروسا في مختلف التخصصات وتمنح شهادات ما بعد التدرج منها. وحسبما لمسناه من تصريح عدد من الطلبة الذين التقيناهم بإحدى هذه المؤسسات الكائنة بوسط العاصمة، فإن الجميع يجهل الطبيعة القانونية المؤطرة للمدرسة التي يدرسون بها، وأكد لنا البعض بأن المستوى التعليمي الذي يؤهلهم للالتحاق بالمدرسة ومزاولة دراستهم يكون الثالثة ثانوي أو شهادة البكالوريا وتتراوح تكاليف التسجيل، بين 160 ألف و 200 ألف دينار سنويا، وبأن الالتحاق بمدرستهم العليا يعد فرصة ثمينة خاصة وأن تعليمهم ملحق بجامعات أجنبية كبرى يتخرج منها مئات الطلبة سنويا ومنهم من يتحصل على فرص عمل هامة في إحدى هذه الدول، وهنا نتوقف لنطرح إمكانية تحول هذه الجامعات والمدارس العليا إلى أداة تعمل على الاستجابة للطلب الأجنبي على الكفاءات الجزائرية في مختلف التخصصات وقد تكون هذه المؤسسات احدى القنوات المصدرة للأدمغة الجزائرية. ومن بين المدارس التي وقفنا عليها، تضمن التكوين العالي في مجال التكنولوجيات المتقدمة والاتصال والحقوق والعلوم السياسية وشهادات التحضير لدراسات الدكتوراه، ودراسات التحكم في القانون المقارن وماستر في الأعمال وعلوم الإجرام والاقتصاد والتسويق وماستر في حقوق تسيير مؤسسات الصحة، وشهادات عليا في الإعلام الآلي واتصالات الهندسة والتسويق والتوزيع وشهادات في التكوين التطبيقي بعد فترة دراسة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، بالإضافة إلى شهادة في الطب البديل، وللإشارة فإن القانون يرخص لتدريس كل التخصصات باستثناء الطب الذي يبقى على مستوى المؤسسات العمومية. وما تجدر الإشارة إليه هو أن الشهادات "العليا" المتحصل عليها لا تحمل بطبيعة الحال توقيعا مصادقا عليه من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لكنها تحمل توقيعات جامعات أجنبية وهو ما يحرم المتخرجين من إمكانية الحصول على عقد عمل في مؤسسات اقتصادية تابعة للدولة ويمنحهم إمكانية الحصول على مناصب عمل تعادل الشهادة المتحصل عليها في شركات ومؤسسات اقتصادية خاصة أو أجنبية، وتعد الرهانات التي يرتكز عليها عالم الشغل في الدول المتقدمة التي منها ايلاء الاهتمام للكفاءة بدل قائمة الشهادات التي قد لا تعبر عن حقيقة المستوى التعليمي، احد العوامل التي وسعت مجال تدخل هذه المدارس في الميدان، كما أن الوسيلة المعتمدة لاستقطاب الطلبة وضمان تسجيلهم تتمثل في الإعلان عبر الصحف. وزارة التكوين المهني تترصد مخالفات المدارس الخاصة التابعة لها وقد مكنت الإعلانات من كشف حالات تخص ولوج عدد من مدارس التكوين المهني المعتمدة هذا المجال، وقد لجأت المصالح المختصة التابعة لوزارة التعليم والتكوين المهنيين إلى وضع حد لهذه الممارسات غير القانونية ومتابعة الحالات المخالفة وإجبار أصحابها إما على إعادة تكييف نفسها أو الغلق وسحب رخصة مزاولة نشاطها. وحسب السيدة عقيلة شرقو مديرة التكوين المتواصل والعلاقات مابين القطاعات بوزارة التكوين والتعليم المهنيين في تصريح ل "المساء" فإن الوزارة التي تضم ضمن هياكلها البيداغوجية مدارس خاصة للتكوين المهني منذ 1991 سهلت تأسيس مدارس خاصة تخضع لمراقبة دورية وصارمة لمنع أي محاولة احتيال أو ممارسة أي نشاط خارج الأطر التي يحددها القانون المؤطر لهذا الجانب وضمان حقوق المتكونين والممتهنين الذين اختاروا التكوين بالمؤسسات الخاصة مثلهم مثل أولئك التابعين للقطاع العمومي، مضيفة بأن صاحب المؤسسة الذي لا يحترم القانون والذي لا يربطه مع المتربص عقد تكوين صريح وواضح يتوافق مع ما هو محدد في القانون تعطى له مهلة سنة كاملة لمطابقة نفسه مع القانون وشروط التأسيس، وتلجأ الوزارة في هذا الإطار من خلال مصالحها المختصة إلى إجراء تحقيقات ميدانية للكشف عن أي مخالفات تتعارض مع الطبيعة القانونية لنشاط هذه المؤسسات، منها عدم احترام مدة التكوين التي لا تتعدى إجمالا 30 شهرا. وتؤكد المتحدثة بأن أعلى شهادة يمنحها القطاع وفق صلاحياته، شهادة تقني سامي وحسبها فإن هناك من المؤسسات من صدر بشأنها قرار الغلق بعد ثبوت عدم احترامها لمضمون دفتر الشروط الخاص بتسيير هذا النوع من المؤسسات. وتم الكشف عن حالات لمدارس تكوين مهني خاصة معتمدة تقدم عروض تكوين عال وتتخصص في تحضير شهادات عليا بشكل يتعارض مع القوانين المؤطرة لهذا النشاط، وحسب السيدة شرقو فإن مصالح الوزارة عكفت قبل صدور القانون الذي يفسح المجال للخواص لتأسيس مدارس عليا خاصة على وضع حد لمثل هذه الممارسات ومراقبة المؤسسات الخاصة التابعة لقطاعها، وحسبها فإن هذا القانون من شأنه قطع الطريق أمام أي تحايل أو احتمال تحايل. ويؤكد السيد محمد شريف عباد مدير فرعي بوزارة التكوين والتعليم المهنيين مكلف بالمدارس الخاصة في تصريح ل "المساء"، بأن مصالحه تسهر على مراقبة جميع العروض التي تطرحها المدارس الخاصة التابعة لقطاعه في السوق من خلال وسائل الإعلام المكتوبة والتي يتم من خلالها تقديم عروض تكوين عال بشكل يتعارض مع القانون، وتم في هذا الإطار تسجيل حالات عديدة تم فيها اللجوء إلى إشعار المخالفين بضرورة العدول عن ممارسة الاختراق والالتزام بدفتر الشروط المحدد لهذا النشاط. تكييف مؤسسات التعليم العالي الخاصة مع ما هو مطبق في المؤسسات العمومية من جانب آخر ، يقر القانون التوجيهي للتعليم العالي المعدل والمتمم الصادر في جوان 2008 بتأسيس مدارس تكوين عليا خاصة وحرص من خلال ما حدده في دفتر الشروط الذي تم وضعه لتأطير الجانب التسييري والتنظيمي البيداغوجي للمدارس الخاصة على إخضاع هذه الأخيرة وتكييفها مع ما هو مطبق على المدارس والجامعات العمومية في إطار القانون رقم 99 / 05 المؤرخ في 4 افريل من 1999 والمتضمن القانون التوجيهي للتعليم العالي المعدل والمتمم في هذا الإطار تم تحديد شروط صارمة تضمن نظام دراسات يتطابق مع الأحكام المطبقة في نظام المدارس التابعة للدولة منها ضرورة اعتماد نظام داخلي خاص بها يخضع لمصادقة الوزير، وتأسيس هيكل إداري وبيداغوجي ومجلس للإدارة وآخر علمي ويضم هذا الأخير ممثلا من القطاع ينوب عن الوزير ومسؤولا بيداغوجيا يعين بموافقة مسبقة من طرف الوزير يكون متمتعا بالجنسية الجزائرية وحائزا على شهادة الدكتوراه أو شهادة تؤهله على الأقل لرتبة أستاذ مساعد في التعليم العالي، ومصلحة خاصة بشؤون الطلبة وتلزم المدرسة بتقديم برامج ومحتويات التعليم ومناهج التكوين المعتمدة إلى الجهة الوصية، فضلا عن النظام المعتمد في الدراسات وشكل التعليم المقدم والدروس النظرية والأعمال الموجهة والتطبيقية وتربصات الوسط المهني والتأطير البيداغوجي. كما يترتب عليها تحديد الجانب المرتبط بالتسيير البيداغوجي ومراقبة المعارف الرزنامة الخاصة بالدروس وتاريخ الامتحانات والمداولات بناء على اقتراح من مجلسها العلمي وتبليغ ذلك لوزير القطاع والطلبة والموظفين عند بداية كل ستة جامعية. كما يشترط دفتر الشروط على المؤسسة ضمان نسبة تأطير تساوي على الأقل مدرسا ل 25 طالبا في تخصصات العلوم الإنسانية والتكنولوجيا ويلزم المدرسون المتعاقدون بصفة دائمة ضمان نصف مقدار التعليم المبرمج كحد أدنى في كل مسار تكويني يتوج بشهادة تحصلت فيها المؤسسة على رخصة من قبل وزير التعليم العالي. ولم يغفل القانون الجانب المرتبط بتحديد مساحات مقرات التكوين العالي الواجب توفرها لمزاولة النشاط البيداغوجي منها المحاضرات وحصص الأعمال الموجهة والأعمال التطبيقية والتجريبية المتخصصة في الإعلام الآلي واللغات والرسم الصناعي والهندسة المعمارية والجغرافية وعلم الخرائط والميكانيك والهندسة المدنية، بالإضافة إلى مساحة المدرجات وقاعات الدراسة والأعمال الموجهة والمخابر والأعمال التطبيقية وقاعات الإعلام الآلي متعددة الوسائط وقاعات المطالعة وحتى مساحات المرور وممرات التنقل العمودية والأفقية ودورات المياه. كما يتم إخضاع المؤسسات إلى المراقبة الإدارية البيداغوجية والمتابعة والتقييم من طرف مصالح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حول مدى الالتزام بما هو محدد في كل من القانون التوجيهي للتعليم العالي والنصوص المتخذة لتطبيقه ودفتر الشروط الموقع عليه وفي حالة مخالفة أحكام القانون يمكن اتخاذ قرار سحب رخصة المؤسسة، وفي حال وجود مشروع تعاون مع هيئات ومؤسسات أجنبية يتعين إشعار الوزير بالأمر.