هذه ثالث مرة أتفرج فيها على رائعة الروائي إرنست همنغواي (العجوز والبحر) بعد تجسيدها على شاشة السينما. في المرة الأولى استمتعت بتمثيل (سبنسر تراسي Spencer Tracy) بالرغم من كل ما قيل عن الخلاف الذي حدث بينه وبين همنغواي في أثناء التصوير في عام .1958 وفي المرة الثانية، استمتعت أيضا بالشريط المرسوم الذي أنجزه مخرج أمريكي من أصل روسي أمضى قرابة عامين في الرسم، وأبدع أيما إبداع على الرغم من أن الفيلم لا يتجاوز ثلاثين دقيقة. أما في المرة الثالثة فقد استمتعت بأداء (أنطوني كوينQuinn Anthony ََ) الخارق، غير أن المخرج أضاف بعض الأمور التي ليس من شأنها أن تضيف شيئا إلى الجانب الدرامي في الرواية. ذلكم هو العمل الفني الأصيل التي ينكب على تجسيده فنانون أصلاء، يحاول كل واحد منهم أن يجيء بجديد إلى الحبكة القصصية في مجال الإخراج والتمثيل. ولعل همنغواي ما كان ليرضى بأداء جميع أولئك المخرجين لأن القراءات اختلفت فيما بينها، وابتعد بعضهم عن الموضوع في بعض الأحيان حتى وإن هم حاولوا الاقتراب منه ما أمكنهم ذلك. شخصيا، افتقدت في هذه الأفلام الثلاثة التي أنجزت في ظرف خمسين عاما، الجانب الشعبي، أو جانب أمريكا اللاتينية بزخمها الأسطوري. ففي الفيلم الأول، لم أعثر على أثر لجانب العيش بين الصيادين الفقراء الذين يغامرون بأنفسهم في عرض المحيط الصخاب ليعرضوا ما جاد عليهم البحر على أصحاب المطاعم، بل لاحظت وجود أمريكيين قد تكون لهم علاقة بالبحر وبالحانات، لكن لا علاقة لهم بالروح الكوبية بالذات. والعنصر الهام الذي افتقدته أيضا في هذه الأفلام كلها هو أن الممثلين رغم براعتهم ليست لهم سحن تبرز خصائص الإنسان الكوبي لأول وهلة. هم أمريكيون يؤدون أدوارا أمام الكاميرا، البشرات بيضاء حتى وإن حاول المخرج أن يضفي عليها بعض السمرة، بل إن الطفل الذي يمثل دور الرفيق الدائم للبطل (سانتياجوSantiago) أمريكي السحنة في الأفلام الثلاثة، وهو أبعد ما يكون عن روح الطفل الكوبي الأصيل في رواية همنغواي. ولذلك، تبقى الرواية مرجعا أساسيا لكل من أراد أن يطلع على حقيقة الصياد الكوبي كما صوره إرنست همنغواي، وذلك ما نلاحظه في جميع الأفلام التي أخذت عن الروايات العالمية، باستثناء القليل القليل جدا منها، لكن هذا الخلل إن صح أن نصفه بالخلل لا يسيء إلى الأدب الروائي، بل يخدمه دائما وأبدا.