منح مجلس الوزراء المجتمع أمس برئاسة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الضوء الأخضر للشروع في تنفيذ برنامج شامل للاستثمارات العمومية خصص له مبلغ 286 مليار دولار، وهي ميزانية لم يسبق للجزائر أن رصدتها، وشدّد القاضي الأول في البلاد على ضرورة تكفل كل قطاع وزاري بالإعداد الجيد للمشاريع من أجل تجنب إعادة تقويم التكاليف. وأعطى المجلس أمس إشارة انطلاق عملية تنفيذ البرنامج وفق التعهدات التي قطعها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أمام الشعب الجزائري شهر فيفري من العام الماضي في خطاب ألقاه أمام العمال الجزائريين بأرزيو. ويتضمن البرنامج الجديد تخصيص ميزانية ضخمة لم يسبق للجزائر المستقلة أن عرفتها وهي 286 مليار دولار أي ما يعادل أكثر من 21 ألف مليار دينار، وتضاف تلك الميزانية إلى البرنامج الخماسي الماضي الذي رصد له أزيد من 17500 مليار دينار. ومن شأن البرنامج الجديد أن يساهم في استكمال المشاريع الكبرى الجاري إنجازها على الخصوص في قطاعات السكك الحديدية والطرق والموارد المائية بمبلغ 130 مليار دولار أي ما يعادل 9700 مليار دينار، وإطلاق مشاريع جديدة بمبلغ 156 مليار دولار أي ما يساوي 11534 مليار دينار. وسيمكن هذا البرنامج من تحسين الموارد البشرية من خلال الاهتمام بالجانب المتعلق بالتربية والتكوين، حيث سيتم تعزيز ''الحظيرة الوطنية'' من المنشآت التربوية والجامعية وتعزيز مجال ضمان الصحة الجوارية إضافة إلى ترقية الحياة اليومية للمواطن من خلال توفير مليوني وحدة سكنية منها 2,1 مليون وحدة سيتم تسليمها خلال الفترة الخماسية على أن يتم الشروع في أشغال الجزء المتبقى قبل نهاية سنة .2014 ومن بين ما يتضمنه البرنامج أيضا توصيل مليون بيت بشبكة الغاز الطبيعي وتزويد 220 ألف سكن ريفي بالكهرباء وتحسين التزويد بالماء الشروب على الخصوص من خلال إنجاز 35 سدا و25 منظومة لتحويل المياه وإنهاء الأشغال بجميع محطات تحلية مياه البحر الجاري إنجازها. ويشمل برنامج الاستثمار الجديد مواصلة تطوير المنشآت القاعدية الأساسية وتحسين الخدمة العمومية خاصة ما تعلق بقطاعي الأشغال العمومية والنقل، وبناء على هذا التوجه سيتم تخصيص أكثر من 3100 مليار دينار لقطاع الأشغال العمومية بهدف مواصلة توسيع وتحديث شبكة الطرقات وزيادة قدرات الموانئ، أما قطاع النقل فقد رصد له مبلغ 2800 مليار دينار وتوجه هذه الميزانية لتحديث ومد شبكة السكك الحديدية وتحسين النقل الحضري وبالأخص تجهيز 14 مدينة بالترامواي وتحديث الهياكل القاعدية بالمطارات وستستفيد الجماعات المحلية ومختلف المصالح الإدارية مثل الضرائب والتجارة والعمل من برامج خاصة للرفع من قدراتها هي الأخرى. وعلاوة على كل هذا فإن البرنامج يخصص أكثر من 1500 مليار دينار لدعم تنمية الاقتصاد الوطني من خلال مواصلة جهود الدولة لدعم التنمية الفلاحية والريفية وترقية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وذلك عبر إنشاء مناطق صناعية والإبقاء على الدعم العمومي للتأهيل وتيسير القروض البنكية التي قد تصل إلى 300 مليار دينار. ويتضمن البرنامج رصد أكثر من 000,2 مليار دج من القروض البنكية الميسرة من أجل انجاز محطات جديدة لتوليد الكهرباء وتطوير الصناعة البتروكيمياوية وتحديث المؤسسات العمومية. ولم يهمل البرنامج الجهود الوطنية الرامية إلى التحكم أكثر في قطاع التشغيل بل خصص جانبا مهما من الميزانية لهذا الجانب حيث سيتم مواصلة المجهودات الرامية إلى مرافقة الإدماج المهني لخريجي الجامعات ومراكز التكوين المهني ودعم إنشاء المؤسسات المصغرة وتمويل آليات إنشاء مناصب انتظار التشغيل. ولدى تقديم كل الخطوط العريضة لهذا البرنامج الضخم أصدر الرئيس بوتفليقة تعلميات إلى الحكومة بغرض على ''الإعداد الجيد للمشاريع من أجل تجنب إعادة تقويم التكاليف''، وأشار إلى أن هذا البرنامج يعكس ''تعبئة الخزينة العمومية لكل قدراتها''. وحرصا منه لضمان شفافية تطبيق هذا البرنامج والتقييم الدوري للعمل الذي يتم تنفيذه أكد بأن كل قطاع سيعرض بداية كل سنة جديدة مدى تقدمه في تنفيذ برنامجه وأنه بناء على ذلك سيتم تقدير الوضع المالي للبلاد وذلك ''حتى نأخذ عند الاقتضاء وسائلنا المالية بعين الاعتبار'' وأوضح أن تنفيذ هذا البرنامج لن يؤدي بالدولة إلى الاستدانة من الخارج كون البلاد أخذت على عاتقها دفع كل ديونها الخارجية وقررت عدم اللجوء إلى ''التمويل الخارجي'' لاستكمال مشاريعها التنموية. وجدد الرئيس توجيهاته السابقة الموجهة لأجهزة الرقابة التي يتعين عليها لعب دور محوري في محاربة كل أشكال تبذير المال العام، وأضاف أن التعليمة التي أصدرها في 13 ديسمبر الماضي ''يجب أن تكون محل تطبيق صارم''. وطلب القاضي الأول في البلاد من أعضاء الحكومة تنظيم حملة شرح لمحتوى برنامجهم القطاعي من خلال وسائل الإعلام وخلال زياراتهم الميدانية، كما أمر الولاة بإعلام المنتخبين والمجتمع المدني ببرنامج التنمية المخصص لولاياتهم.وأولى الرئيس بوتفليقة في تدخله بعد المصادقة على البرنامج أهمية للتصور الذي تحمله السلطات العمومية وذكر بأن هذا البرنامج جاء وفاء لتعهداته السابقة وبغرض الاحتفاظ على دينامية إعادة الإعمار الوطني التي تم الشروع فيها منذ عشر سنوات. وأعطى تعليمات للحكومة بالسهر على تنفيذه ودعا المواطنين باعتبارهم الفئة الأولى المعنية به إلى التجند وجعل منه أداة قوية للنمو ولإنشاء مناصب الشغل وتحديث البلاد. واعتبر الرئيس بوتفليقة انخراط المواطنين في هذا البرنامج مفتاح نجاحه تماما مثلما كان الحال مع ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وقال إن بعد تحقيق المصالحة ''يبقى علينا من الآن فصاعدا أن نعزز قدراتنا التنموية الوطنية ونحرر التنمية من التبعية للمحروقات التي لا تدوم فبهذا الثمن وحده سيأتي لنا تأمين المستقبل وديمومة نهج العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني الذي انتهجناه''. وحسب الرئيس بوتفليقة فإن الظرف الحالي أصبح مناسبا لتحقيق الوثبة النوعية ولن يتأتى ذلك إلا من خلال مواصلة التنمية الاجتماعية وتحديث الهياكل القاعدية. ودعا المقاولين والإطارات المسيرة للمؤسسات والعمال إلى تحويل الاستثمارات العمومية إلى مكسب للأداة الاقتصادية الوطنية وإلى مناصب شغل ينشئونها لصالح الشباب.