تكاليف العلاج خيالية، انعدام النظافة، ممارسات لا صلة لها بأخلاقيات المهنة الطبية والصحية، خروقات وتجاهل تام للقوانين ولا اهتمام إلا بالمال والربح...إنها بعض المظاهر المجسدة ببعض العيادات الخاصة التي صارت غير صالحة للإستمرار- حسب المختصين- الذين يعيبون على السلطات العمومية غياب الرقابة والصرامة والسكوت عن تجاوزات حقيقية كثيرا ما تنتهي بعواقب وخيمة تصل إلى حد الوفاة. لم تعد النقائص الفادحة المسجلة بالمؤسسات الصحية الخاصة -لاسيما العيادات- تخفى على احد حيث يجمع المواطنون أن أغلبية هذه المرافق الصحية لا يهمها في نهاية المطاف سوى المال ولا شيء غيره، نظرًا لما يعيشه يوميا الآلاف من المرضى من ممارسات وسلوكيات بعيدة كل البعد عن أخلاقيات المهنة، ألحقت الضرر في كثير من الحالات بهؤلاء، وما يزيد من استياء المختصين والمواطنين سكوت الجهة الوصية عما يجري بهذه المرافق الواقعة تحت وصايتها وغياب أدنى أشكال الرقابة، التي لو توفرت لتحسنت الأوضاع حتما. وما سجلته ''المساء'' بإحدى العيادات المتواجدة بضواحي العاصمة لا يمتّ بأي صلة لأخلاقيات المنظومة الصحية والطبية، فرغم أن هذه العيادة تتفوق على الكثير من المستشفيات من حيث الأجهزة الطبية الحديثة ونوعية الخدمات المقدمة، إلا أنها تعتمد تسعيرات مرتفعة للغاية، جعلت من يقبل عليها من المحظوظين ميسوري الحال أو من الذين لا وجهة أخرى لعلاج مرضهم سوى تلك العيادات، لنجدهم ''يضحون بكل ما لديهم من أغراض'' لضمان التكلفة المطلوبة للعلاج أو لإجراء عملية جراحية. فبالعيادة التي زرناها والمعروفة بإمكانياتها الكبيرة والتجهيزات الحديثة، لم تكن إحدى السيدات تعلم أن دخولها إلى العيادة لغرض إجراء عملية جراحية بسيطة تتعلق بالحويصلة الصفراوية المعروفة ب''المرارة'' أن حياتها ستتعرض للخطر بعد أن تم إخراجها بعد اقل من 12 ساعة فقط من خضوعها للعملية لتعود إليها وهي في أسوأ حال بعد قضاء ليلة فقط بين ذويها، حيث ظهرت عليها مضاعفات كادت تفقدها حياتها في تلك اللحظة، بعد أن انخفض ضغطها الدموي وارتفعت درجة حرارتها لتقارب ال .40 وحسب بعض الأطباء الذين استفسرناهم في الأمر، فإن المريض الذي يخضع لعملية جراحية يبقى تحت المراقبة على الأقل 48 ساعة لتفادي حدوث المضاعفات التي قد تكون وخيمة على المريض، إذ الغريب في الأمر أن المريضة سالفة الذكر تم تسريحها بقرار من الأطباء الذين اشرفوا على علاجها وعلى العملية التي أجريت لها، مما يطرح عدة تساؤلات. وأسرت لنا بعض الممرضات بالعيادة أن سبب إخراج المرضى مبكرا ودون مراعاة المدة اللازمة ووضعهم تحت المراقبة الطبية هو ''السرير'' الذي يحرص أصحاب العيادة على إخلائه في أسرع وقت ممكن لاستقبال مريض جديد يضمن مدخولاً جديداً من تكاليف العلاج والليالي التي يقضيها بالعيادة. مريضة تجرّد من مصوغاتها لضمان إحضارها المبلغ الناقص مشهد آخر كانت إحدى العيادات مسرحاً له، قد يعتبره البعض عادياً، بينما يرى البعض الآخر أنه تصرف غير مقبول، وهاهو احد الأطباء الذي أكد أنه رغم اعتياده على مثل هذه التصرفات إلا انه يرفضها ويعتبرها اهانة للمريض ولعائلته، ويتعلق هذا المشهد بمريضة لم يكن في حسبانها أنها ستقضي ليلة إضافية في العيادة ولم تحضر معها ما يكفيها من مال فقامت إدارة العيادة بتجريدها من مصوغاتها وحليّها مقابل إمهالها يوماً لإحضار مبلغ ال 10 آلاف دينار وهو تكلفة قضاء ليلة واحدة في العيادة. ولم يهضم بعض من كان رفقة السيدة من المرضى في قسم الجراحة ما حدث خاصة وأن هناك بدائل لضمان الإدارة لحقها في قبض المبلغ، وهو الرأي الذي يشاطرهم فيه حتى الأطباء المعالجون بتلك العيادة. ''نعم أنا اعلم أن بعض المواطنين حاولوا التحايل في بعض الحالات للهروب من تسديد تكلفة العلاج وهو ما حدث فعلا عندما التزم احدهم بأنه سيعود في المساء لإحضار مبلغ كان ينقصه لتسديد تكاليف عملية أجريت لابنته الصغيرة، إلا انه ذهب ولم يعد'' يضيف الطبيب الذي قال أن هناك بدائل أكثر نجاعة من نزع المصوغات وغيرها كالاحتفاظ ببطاقة هوية المريض وحتى بطاقات بعض أقاربه المرافقين له، فبوثائق الهوية لا يمكن أن يفر منا أحد''. عيادة تستعمل ''الحقن ذات الاستعمال الواحد'' عدة مرات.. من ناحية أخرى أبلغنا بعض المرضى سبق وأن عولجوا بعيادة خاصة متعددة الخدمات متواجدة بضواحي العاصمة أن هذه العيادة نادراً ما تستعمل الحقن ذات الاستعمال الواحد حيث تكتفي بتنظيف أو تعقيم الحقن بعد كل استعمال لتعيد استعمالها مرات أخرى لحقن المريض بها، مما قد يعرض هذا الأخير إلى أخطار كعدوى انتقال الجراثيم والميكروبات وقد يصل الخطر إلى حد الوفاة. وشدد هؤلاء المرضى الذين يحمدون الله على أنهم لم يصابوا بأي مكروه، إلا أنهم اقسموا أنهم لن يصمتوا أمام ما شاهدوه في هذه العيادة حتى لا يذهب مرضى آخرون ضحية هذه الممارسة التي وصفوها ب ''الإجرامية''، حيث تروي شاهدة عيان أن مصالح هذه العيادة تقوم بغسل وتطهير الحقن في ساعة مبكرة من النهار وكذا في الفترة المسائية عندما يخلد المرضى إلى النوم، مضيفة أن عملية الغسل تجري بإحدى القاعات داخل أحواض بلاستيكية كبيرة بعيدا عن أعين الغرباء عن العيادة الأمر الذي لفت انتباه العديد من المرضى وزادهم الأمر خوفاً على صحتهم وهم على فراش المرض. وتساءلت مصادرنا مستغربة هل يعقل أن يسمح ضمير الأطباء العاملين بحقن مريض بواسطة حقنة مستعملة وهو الذي سلم نفسه لهم بغرض العلاج، واضعاً كل ثقته فيهم دون مراعاة العواقب الخطيرة التي قد تنجر عن ذلك، موجهين في هذا الصدد نداء إلى وزارة الصحة لتسليط مراقبة صارمة على المؤسسات الصحية عمومية كانت أو خاصة قصد كشف الممارسات غير المسؤولة التي ينتهك من خلالها حق المريض في العلاج في ظروف لائقة وسليمة. المختصون: الرقابة موجودة على الورق فقط وكانت وزارة الصحة قد أكدت في الكثير من المرات أن ''الثنائية القانونية'' بين القطاع العام والخاص في مجال الصحة غير موجودة منذ سنوات، خاصة وأن المرسوم التنفيذي الصادر في 2007 كرس هذا المبدأ انطلاقا من فرض شروط صارمة على أصحاب العيادات الخاصة بهدف التحكم في الانزلاقات والتجاوزات التي سجلت في الماضي أدت إلى حد غلق البعض منها، بعد أن سجلت بها انحرافات مثل غياب سجلات المرضى والاختصاصيين بالإضافة إلى أن غرف العمليات لا تستجيب للقوانين، كما أن أسماء الأطباء الذين يقومون بالعمليات غير معروفة في العديد من هذه العيادات، إلا أن هذه الخروقات والنقائص لا تزال موجودة بالعديد من العيادات عبر الوطن وهذا رغم تأكيد وزارة الصحة في كثير من المرات وعلى لسان مسؤولها الأول أن عقوبات سلطت وستسلط على العيادات الخاصة مثلها مثل العيادات العمومية في حال عدم احترام القوانين، والدليل هو غلق البعض منها لمدة محدودة في انتظار إزالة أصحابها للنقائص التي تم تسجيلها. ويرى المختصون من جهتهم عكس ما جاء من طرف الوزارة الوصية وهو أن الرقابة تكاد تكون غائبة على هذه العيادات التي أصبحت تشكل هاجسا للعديد ممن يجدون أنفسهم مجبرين على الاستنجاد بها للعلاج أو للخضوع إلى عملية جراحية معينة، فبالإضافة إلى التسعيرات وتكاليف العلاج التي تعتبر بالإجماع خيالية يسجل هؤلاء المختصون بعض الممارسات التي تزيد من الإضرار بالمواطن وعلى القطاع الصحي ككل، ومنها تفضيل العديد من الأطباء المتخصصين العمل وبجدية أكثر بالعيادات الخاصة مقارنة بالمستشفيات العمومية، حيث يلجأ الكثير منهم إلى إقناع مرضاهم بضرورة التوجه إلى العيادة للاستفادة من العلاج أو الخضوع لعملية ما بحجة أن المستشفيات العمومية لا تتوفر على التجهيزات الحديثة اللازمة ليشرف الطبيب نفسه بتلك العيادة على العلاج أو العملية الجراحية والسبب من وراء كل هذه التصرفات، طبعا، حسب المختصين هو الدافع المادي. فإلى متى تبقى الرقابة حبرًا على ورق ويبقى المواطن يدفع ثمن العلاج الذي في اغلب الحالات يقتطعه من مصروف قوته اليومي ويدفع أيضا ثمن سلوكات غير مسؤولة وجائرة؟