قد لا يختلف اثنان على ان استقلال الجزائر، مكافأة من الله للشهداء على ايمانهم وقوة عزيمتهم، بعدما قدموا الغالي والنفيس من أجل تحرير الجزائر. ولم يكن المغزى من انتزاع الاستقلال يكمن في العيش في كنف الحرية وكفى، بقدر ما كان يرمز الى بناء الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية التي تستمد فلسفتها من بيان أول نوفمبر ,54 البيان الذي حدد أسس الدولة الجزائرية العصرية، التي تسودها العدالة الاجتماعية ويتساوى فيها الجميع. ولا شك ان انجازات ما بعد الاستقلال وان شابتها بعض النقائص في مراحل عدة من مساراتها، تبقى شاهدة على ان استقلال الجزائر، قد أعاد للشعب الجزائري كرامته وحمله المسؤولية الكاملة في تسيير شؤونه وهذا الكلام.. لا يحس بمغزاه سوى من تذوق ما معنى الاستعمار وماذا تعني غطرسة المستعمر وكيف كانت بشاعته واطماعه وكيف استولى على خيرات البلد لتعزيز وبناء اقتصاده. هذه الحقيقة قد يجهلها البعض ممن لم يكابدوا الويلات ويعيشوا جحيم الاستعمار وصمود الثورة التحريرية المباركة التي قادتنا الى الاستقلال الذي نحن الآن ننعم بفضله بالحرية رغم كيد الكائدين ورغم غطرسة اولئك الذين حاولوا العودة بالشعب الجزائري إلى ظلمات القرون الوسطى. لكن شتان بين إرادة الذي تذوق العذاب وكافح من أجل الانعتاق وبين نزوة الذي أراد مصادرة حرية الغير وإرضاخه لاملاءات أنانية استغلالية أو بين حسرة اولئك الذين عاشوا على هامش الثورة، فلم يحصدوا إلا الخيبات، لأنهم ببساطة لم يدركوا بأن فجر الاستقلال قد يعصف بأحلامهم الوردية التي غذاها المستعمر قبل ان يغادر هذا البلد العزيز. صحيح ان فترة ما بعد الاستقلال قد واجهتها تحديات كبرى، وربما عادت بنا في بعض المراحل الخطيرة منها، بخطوات كثيرة الى الوراء، لكن إرادة الشعب الجزائري في الحفاظ على وحدته وتماسكه، أحبطت كل محاولات الهدم والتشكيك، وأعادت للمواطن كرامته وعزته، بل وزادته ايمانا في التغلب على كل المعوقات. وقد نتساءل اليوم أين الجزائر من سنوات الفوضى ومن سنوات الدم وسنوات العبث بالخيرات وضرب الاقتصاد الوطني؟، و عندما ندرك ان فترة ما بعد الاستقلال كان لها ايضا جنودها، الذين أعادوا لها بريقها وزخمها، يتضح لنا ان معركة الجزائر مع التخلف ومع الأمية ومع الارهاب مستمرة وان هذا الاستقلال أمانة في عنق كل الجزائريين، ومن هنا نلمس ما مدى قيمة تلك النعمة التي منّ بها الله على جنوده الذين رفعوا راية الله أكبر بصدق وبدون نفاق وحرروا الجزائر.