ليس غريبا أن يتعرض حزب كبير كحزب جبهة التحرير الوطني إلى حملة شرسة وتكالب لا مثيل له، من داخل الوطن ومن وراء البحار أيضا، قبل مؤتمره التاسع والذي لا يدري أعداؤه أنه سيكون ناجحا بكل المقاييس وسيخرج بقيادات في مستوى التطورات والرهانات، مما سيعطي للعمل السياسي والتنظيمي أطرا وأدوات تنهي الاختلالات والوضعيات التي عرفتها المرحلة السابقة. وبالرغم من تنوع محاولات التشويش وتعدد مصادرها ومنابعها ومن مؤامرات أعداء الحزب المعروفة هويتهم وهواياتهم في بث وزرع الإشاعات للنيل من استقرار البلاد ومن جبهة التحرير الوطني التي تستمد مرجعيتها من مبادئ نوفمبر، فقد عكفت قيادة الحزب بكل هدوء وبإيمان قوي وحكمة وصبر أمينها العام على تجاوز كافة العقبات ودراسة وإثراء النصوص التي ستعرض على المؤتمر الذي سيكون بمثابة الرهان الحقيقي للحزب باعتبار أنه سيعطي دفعا جديدا وقويا لمواجهة التحديات المستقبلية ويؤكد مرة أخرى أن حزب جبهة التحرير الوطني هو العمود الفقري للحياة السياسية في الجزائر ، كما سيثبت مرة أخرى أنه القوة السياسية الأولى في البلاد وأنه يمتلك تاريخا عريقا وله من الاقتراحات في جميع القطاعات ما مكن من إثراء الحياة السياسية وحل عدد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. وما انخراط جموع هائلة من المناضلين وخاصة منهم الشباب بكافة مناطق البلاد في عملية التحضير للاستحقاق القادم وحضورهم للمؤتمرات الجهوية الناجحة واندفاعهم إلى خلق جو من الحماس، سوى تعبير صادق عن أهليتهم للمساهمة الإيجابية والفعالة بدورهم في تهيئة الأجراء وتوفير شروط إنجاح المؤتمر. وسيتأكد المغرضون ومن لهم توجه عروشي وجهوي والمتورطون في الفساد والرشاوى أنهم أخطئوا عندما حاولوا التشويش على قيادة الحزب أو عندما فسروا حيوية الجبهة ورغبة الآلاف من المناضلين المشاركة في المؤتمر بأنه "صراع وأزمة". وكانت هذه النفوس المريضة قد حاولت بالأمس القريب إثارة الفتن وضرب وحدة الصف فتحطمت مخططاتها على صخرة اليقظة التي تحلى بها المناضلون الغيورون على تعزيز التفكير والتعبير الديمقراطي السليم، مما أعطى للنقاش داخل هياكل الحزب قوة سمحت بتسجيل العمل السياسي في مداه الأبعد. ولم يفلح البعض في محاولاتهم العديدة للنيل من قوة الحزب بشراء الذمم أو بصنع تحالفات ظرفية والخروج بها عما كان مرسوما للعمل السياسي المشترك. وكان يهدف هؤلاء الواهمون إلى حرمان حزب جبهة التحرير الوطني من عدد من المقاعد العائدة بحكم الواقع والمنطق السياسيين لجبهة التحرير الوطني في المجالس المنتخبة دون سواها. وبالرغم من وجود عدد من حالات عدم الانضباط بداخل الحزب، بقيت الجبهة التشكيلة السياسية الأولى في الجزائر. ومع كل ذلك، ما زالت نفس الأوساط تعمل هذه المرة على افتعال القلاقل والاضطرابات والمشاكل وعلى تلفيق الأكاذيب ونشر الشائعات بهدف زعزعة الاستقرار وإبعاد أبرز الشخصيات المخلصة والوفية عن رئيس الجمهورية الذي يستمر الحزب وأمينه العام للحزب السيد عبدالعزيز بلخادم في مساندته بقوة والوقوف إلى جانبه لأنه صانع السلم والتسامح والتآخي والتنمية الشاملة وهو من أعطى الأولوية للتماسك الوطني والوئام المدني والمصالحة الوطنية ولتحرير الطاقات والحركية الاقتصادية والتشغيل والاستثمار، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في إرساء السلم وتعزيز الديمقراطية. إن تكالب هذه الأوساط وإصرارها على الاستمرار في إقصاء أو إضعاف كل من يساند رئيس الجمهورية بغرض تحقيق غاية في نفس يعقوب، لا يعني سوى محاولة يائسة تتكرر بين الفترة والأخرى لضرب مقومات القيادة الحكيمة التي أوصلت الجزائر إلى مكانتها المتفردة بين الأمم المتحضرة سواء على صعيد القرار السياسي المتوازن والرشيد أو الأداء الاقتصادي والاجتماعي المتكامل وجعلت كلمتها وتوجهاتها محط الأنظار والتقدير في محيطها العربي والدولي اعترافا بقدرتها على التأثير الفاعل والإسهام الإيجابي في مجريات الأحداث. وسيبقى الحزب اليوم وغدا إلى جانب رئيس الجمهورية الذي يعود الفضل له في زيادة رفاهية المواطن وانتشار عبير أزاهير الخير، منها السلم والأمن والأمان وزيادة الأجور وتحويل الجزائر إلى ورشة لتامين السكن للمحتاجين وبناء المرافق التعليمية والتكوينية والطرقات والسدود والجامعات وخلق مناصب شغل والاعتناء بالشباب والفئات المعوزة. فرئيس الجمهورية هو الرجل المخلص الذي يؤكد دائما بان المواطن هو الأصل ورفاهيته هي هدفه، يحارب التفرقة بين الناس، والناس عنده متساوون في الحقوق والواجبات، يضرب بالسيف هامات الظلم وكل من يتلاعب بالمال العام. ولا غرابة أيضا في أن تحاول هذه النفوس المريضة التشويش على الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الذي نجح في توحيد صفوف المناضلين والذين زكوه في مؤتمراتهم الجهوية لأنه يتمتع باحترام الجميع وهو رجل معروف لدى عامة الناس ولدى كافة المناضلين بمخافة الله وحبه للشفافية والديمقراطية والوضوح والتواضع والعمل الجاد لخدمة الوطن والمواطن، وبإيمانه بالنضال المخلص للوطن وبأهمية إعطاء الأولوية لكل عمل يهدف إلى تمكين الجزائر من أن تتعافى نهائيا من أزمتها وإلى استمرار الجهود في سبيل نشر وتعزيز ثقافة التسامح والتآخي حتى يعكف المخلصون على إعادة البناء على أسس جديدة وإزالة مخلفات تلك الأزمة. فجزا الله خيرا الرئيس على حسن الاختيار. تلك هي الأخلاق التي يؤمن بها حزب جبهة التحرير الوطني الذي يعمل على إحلال عهد جديد يستتب الأمر فيه لسلطان القانون وسيادته فوق الجميع وتقوى فيه منظومة الحقوق والحريات ويتطور عمل المؤسسات وتعزز الرقابة بمختلف أشكالها، مما سيعيد الثقة للمواطن في دولته وفي مسؤوليه. ومن أخلاق الحزب العتيد أيضا وضع كل واحد في خانته الحقيقية والقول لمن أصاب أصبت ولمن أخطأ أخطأت، ولا يبالي بالذين ينزعجون كلما تتقدم جبهة التحرير الوطني بمقترحات لتحسين الظروف المعيشية للمواطن أو لتعميق الاختيار الديمقراطي وإعطاء السيادة الشعبية المكانة اللازمة في إحداث التعديلات التي تتجاوب مع روح المرحلة الجديدة وتعزز عملية الإصلاحات التي يتضمنها برنامج التجدد الوطني لرئيس الجمهورية رئيس الحزب. ومن أخلاق الحزب أيضا ترك المتاجرين في السوق السوداء الموازية تائهين في تحاليل هامشية ومناورات يائسة وفي خطابات استهلاكية تنعدم فيها قيم الحوار والصدق والإخلاص وحب الوطن والمواطن، وترك المنتقدين لمجر الانتقاد يتفننون في تقديم النظريات الاقتصادية والسياسية الجوفاء. أما حزب جبهة التحرير الوطني الذي نحج في تقديم تصورات ومقترحات عديدة، فيكفيه شرفا أن تكرم رئيس الجمهورية باعتماد أهمها مثل إقرار الزيادة في الأجور والتعديل الجزئي للدستور من دون استبعاد تعديل شامل يعد في نظر الحزب ضروريا من أجل تعميق الممارسة الديمقراطية وتوضيح العلاقات بين الهيئات ومختلف السلطات، والسماح بتوطيد وظيفة المراقبة المؤسساتية والسهر أكثر على الحريات الفردية والجماعية. وإذا كانت الأحقاد مستمرة بمحاولة البعض التشكيك في قدرة الحزب على إعطاء المرأة مكانتها والدور الذي يليق بها، وهي التي قدمت إسهامات جليلة ومعتبرة جديرة بالإكبار في مرحلة الكفاح المسلح إلى جانب أخيها الرجل وفي الحياة الوطنية، عمل حزب جبهة التحرير الوطني على تمكين المرأة من فرص وإمكانيات التفتح الشخصي والتمتع بالمواطنة حسا ومعنى، وقد فتح المجال أمام العديد من المناضلات للترشح للاستحقاقات السياسية المختلفة مع إقحامها في الهياكل القادمة التي ستنبثق عن المؤتمر التاسع، إيمانا من الحزب بضرورة القضاء نهائيا على كل أنواع التمييز والإقصاء. ولم تمنع حفنة من المقالات أو التصريحات الحاقدة حزب جبهة التحرير الوطني من جعل الدفاع عن الثورة المجيدة والخالدة وعن رموزها إحدى أولوياتها، لأنه ما كان لنا أن نعيش اليوم في كنف الحرية والاستقلال "لولا تلك البطولات التي تحدى بها الوطنيون الأحرار مظالم الاحتلال، ولولا تضحيات صانعي ملحمة الجزائر، من الشهداء الأبرار ورفاقهم المجاهدين المخلصين، فداء لعزة وكرامة أرضهم وأبناء جلدتهم". فقد ورث مناضلو حزب جبهة التحرير الوطني منهم "معنى التضحية، وتعلموا من مقاومتهم الطويلة مغزى الجهاد، و أدركوا بروح إيمانهم العميق قداسة الحرية التي لا تؤخذ بالسهل اليسير، ولكن تنتزع بالقوة وتشترى بالأرواح الطاهرة والدماء الزكية، فوضعوا التضحية والشهادة درعا للمقاومة، وارخصوا النفس والنفيس من أجل تحرير الجزائر" كما قال رئيس الجمهورية في إحدى خطاباته يوم الجمعة 18 فبراير 2005 بمناسبة اليوم الوطني للشهيد. وإذا كان علينا من الواجب الترحم بخشوع و إجلال على أرواح جميع شهدائنا الأبرار، ولاسيما منهم شهداء الرعيل الأول من جنود جيش التحرير الوطني، فلا بد من نتوجه أيضا إلى كافة أبناء الجزائر في صفوف الجيش الوطني الشعبي وكافة أسلاك الأمن بالعرفان والتقدير والاحترام، ونؤدي شهادتنا على كل ما يبذلونه يوميا في سبيل صون سلامة البلاد وعزتها على غرار أسلافهم الأماجد، أبطال جيش التحرير الوطني الأشاوس. فهم فعلا كما قال رئيس الجمهورية "ورثة أولئك الأبطال الذين أودعوا بين أيديكم رسالة مقدسة، رسالة الدفاع عن الوطن و حمايته من كل مكروه و من كل تهديد من حيث أتى من الداخل كان أم من الخارج". ولا بد من تذكير أولائك الذين أعمتهم أطماعهم فأصبحوا لا يرون سوى "الحاويات" و"المضاربة" ويتلذذون بخنق المواطن البسيط والعبث بالمال العام، أن الحزب قد وفر كافة شروط نجاح المؤتمر التاسع ويستعد لتقييم مسيرة امتدت عبر خمس سنوات وتحققت فيها أشياء كثيرة، ويريد أن تكون هذه المحطة الهامة تقييمية يتم خلالها اعتماد نصوص والتأكيد على مشروع مجتمع، فضلا عن اختيار قيادة حكيمة لتسيير الحزب في المرحلة القادمة التي ستشهد تنفيذ برنامج التنمية الاقتصادي الضخم الذي أقره رئيس الجمهورية للفترة التي تمتد من 2010 إلى 2014 والذي خصصت له الدولة قرابة 180 مليار دولار أمريكي. ولا شك أن المؤتمر التاسع سيتطرق لقضايا سياسية عربية وافريقية وإسلامية ودولية هامة ليجدد بشأنها مواقف الحزب المبدئية. في الأخير، لا بد من القول أن السلوكيات المريضة لن تؤثر في مسيرة قطار جبهة التحرير مهما بلغت صولة أولائك الحاقدين على هذا الحزب القوي برجاله ومناضليه ومحبيه، ولن تستطيع زحزحته ولن تنال من استقرار المؤسسات الساهرة على خدمة البلاد والعباد. فقد سبق للمواطن البسيط أن سأل هؤلاء مرات عديدة عن صدقية خطاباتهم وطلب منهم تقديم أدلة عن قدرتهم في خدمة أمتهم بعيدا عن رنات الحقد وأنغام الكذب، فرآهم يتحولون كما يفعلون اليوم إلى متهجمين وإلى مدلسين وملفقين وإلى متظاهرين بالوطنية والديمقراطية، وبدت عليهم علامات التوتر والانفعال فأنكشفت حقيقتهم وظهروا على أنهم سوى "عمال في مصانع التشويش وتعليب الحقيقة بالكذب والتلفيق". وأنا متأكد من أن المؤتمر التاسع سيحقق نجاحا كبيرا وسيخرج بقيادة حكيمة لأن حزب جبهة التحرير الوطني – كما كتب محقا مدير عام ومسئول نشر يومية "صوت الأحرار" السيد المحترم نذير بولقرون : ((أكبر من أن يقزم أو يحجم أو يكون رهينة في يد أشخاص، فهو ليس ملكا لفرد أو تيار أو جماعة وهو ليس حزب زعامات أو أعيان، بل إن كل الوقائع تؤكد بأنه بحاجة إلى كل أبنائه الحقيقيين، الموالين والغاضبين، "المهتدين" و"الضالين"، ولذلك يجب أن يدرك كل من يتوهمون بأنهم أكبر من جبهة التحرير بأنها ستظل أكبر منهم وفي غنى عنهم، مهما اشتدت طعناتهم المسمومة)). لهذا كله سينجح المؤتمر التاسع ويفشل أصحاب الطعنات المسمومة والأقزام وكل من يتلون كالإخطبوط ومن لا يريد خيرا للجبهة ويصنع "جبهة ضد جبهة". فحذار من الذين يعانقون الحزب نهارا أمام الكاميرات ليطعنوه في الخفاء بخنجر الارتباطات غير الطبيعية بهدف النيل من مركزه الريادي ومن قوته. فموعدنا يوم 21 مارس 2010، موعد بداية ربيع جديد ومرحلة جديدة سيلقي الحزب خلالها بنوره على أرض الجزائر لأنه الحاضن الحقيقي للشعب والضامن لتجسيد طموحاته. فتحية أخوية صادقة مني إلى كافة مناضلي حزب جبهة التحرير الوطني وإليهم وصيتي "جبهة التحرير أعطيناك عهدا". (*) – مناضل حزب جبهة التحرير الوطني